تركت السعودية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقدم تفسيراته الخاصة لانقلاب موقفه من الرياض بعد حملة عداء مجانية استخدمت فيها أنقرة كل ما في ترسانتها السياسية والإعلامية.
ولم تعلق السعودية خارج إطار التصريحات البروتوكولية، بينما ذهب أردوغان بعيدا في تفسيره لتغير موقفه والحديث عن عدم الحاجة إلى خلق أعداء.
وقال الرئيس التركي “يتعين علينا الدخول في مرحلة جديدة مع الدول التي نتقاسم معها نفس المعتقدات والأفكار، إنها مرحلة كسب أصدقاء وليس خلق أعداء”. جاء ذلك في تصريحات للصحافيين على متن الطائرة خلال عودته من السعودية بعد زيارة استغرقت يومين.
واعتبر متابعون للشأن الخليجي أن الرئيس التركي سعى من خلال هذا التصريح لتبرير الاستدارة الكبيرة التي قام بها تجاه السعودية من حملات مستمرة وتلويح بتدويل قضية خاشقجي إلى صورة رئيس ينحني كاعتراف بالجميل للمملكة التي قابلت حملاته السابقة بالصمت، كما قابلت زيارته بالصمت واكتفاء وكالة الأنباء السعودية “واس” بجمل قليلة لتلخيص ما دار خلال الزيارة كلها، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وذكرت الوكالة “أجريت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مراسم استقبال رسمية؛ حيث عزف السلامان الوطنيان للبلدين. وعقب ذلك عقد وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اجتماعا مع الرئيس التركي استعرضا خلاله فرص تطوير العلاقات بين الرياض وأنقرة في مختلف المجالات. كما بحث الجانبان مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها”.
وكانت الوكالة ذكرت قبل ذلك أن الأمير خالد الفيصل كان في استقبال أردوغان في مطار جدة.
وأشار المتابعون إلى أن السعودية نأت بنفسها عن أيّ تصريحات يمكن أن تجد مبررا لأردوغان ليظهر أن قرار التوقف عن “خلق العداوات” هو قرار مشترك لأنها لم تكن طرفا في صناعته، وأن الرئيس التركي هو من فتح أبواب العداء واسعة وعليه أن يغلقها، ويفسر للأتراك سبب صمت السعوديين قبل الزيارة وخلالها وبعدها بخلاف حماسه هو لإطلاق وعود التعاون ‘في مجالات التكنولوجيا والصناعات الدفاعية” وتطوير العلاقات التجارية، وهي مسائل كان يفترض أن يتحدث فيها المسؤولون على مستوى القمة، أو خلال اللقاءات بين الوزراء.
واعتبر المراقبون أن مشكلة أردوغان أنه يحاول تبرير رجوعه إلى السعودية وكأنه ليس تنازلا منه ولا رغبة استمرت لأشهر من أجل زيارة المملكة ولقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي عمل أردوغان على ربط اسمه بقضية خاشقجي.
وما يُظهر البرود السعودي تجاه الزيارة هو أن وسائل الإعلام الرسمية لم تتحدث عنها، وأن مصدر أخبار هذه الزيارة كان دائما هو الرئيس التركي الذي دأب منذ أشهر على الإعلان عن موعدها ثم إعلان التأجيل، من فبراير ثم مارس وأخيرا أبريل، وهو ما يكشف عن وجود عقبات من الجانب السعودي.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت أنّ وليّ العهد السعودي يُريد من الرئيس التركي أن يتعهد بأنه لن يذكر مقتل جمال خاشقجي مرة أخرى، وهو الملف الذي لطالما استخدمته أنقرة للضغط على السعودية من أجل تحصيل استثمارات كبرى لإخراج الاقتصاد التركي من أزمته الحادة، لكنّ السعوديين خيروا تحمّل الهجمات المجانية والإساءات إلى قيادتهم على أن يخضعوا للابتزاز التركي.
ويقول محللون ومسؤولون إن التمويل السعودي قد يساعد تركيا في التخفيف من مشكلاتها الاقتصادية التي تشمل ارتفاعا حادا في التضخم قبل انتخابات صعبة يخوضها أردوغان العام المقبل.
وتضررت العلاقات بين البلدين بشدة بعد مقتل خاشقجي. واتهم أردوغان “أعلى مستويات” الحكومة السعودية بإصدار الأوامر بقتله، لكن أنقرة خففت حدة تصريحاتها كثيرا منذ ذلك الحين.
وفي تغيير جذري لسياستها أوقفت محكمة تركية في شهر أبريل الماضي محاكمة مشتبه بهم سعوديين في قضية قتل خاشقجي وأحالتها إلى السعودية في قرار دعمته الحكومة وأثار انتقادات وإدانات من جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان.
وفي تصريحات للصحافيين قبل مغادرته إلى جدة، قال أردوغان إن الزيارة تأتي “تعبيرا عن إرادتنا المشتركة” لتحسين العلاقات وتعزيز العلاقات السياسية والعسكرية والثقافية، مضيفا أنه سيلتقي مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأضاف “بمناسبة زيارتي سنراجع جميع جوانب العلاقات التركية – السعودية”، مردفا أنه سيكون من المفيد للجانبين تعزيز التعاون في مجالات تشمل الصحة والطاقة والأمن الغذائي والصناعات الدفاعية والتمويل.
وأردف “أعتقد أننا بالجهود المشتركة سنحمل علاقاتنا إلى أبعد مما كانت عليه فيما مضى”.
وفي تصريحات تصالحية تتناقض بشكل صارخ مع الحرب الكلامية التي أعقبت مقتل خاشقجي، استشهد أردوغان بأواخر شهر رمضان باعتباره وقتا مناسبا للزيارة قائلا إنه شهر “تجديد الروابط الأخوية وتعزيزها”.
وأدت أزمة الاستثمار التركي في مقتل خاشقجي إلى مقاطعة سعودية غير رسمية للسلع التركية مما قلص قيمة التجارة بين البلدين بنسبة 98 في المئة، وكذلك تقليص الصادرات التركية نحو السعودية إلى حوالي 75 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021.
كما أعلنت السلطات السعودية إغلاق 8 مدارس تركية في البلاد خلال نهاية العام الدراسي الماضي، في مؤشر على أن العلاقات التركية – السعودية لا تزال تشهد توترا، رغم محاولات أنقرة تحسينها وفق سياسة جديدة تهدف إلى الخروج من حالة العزلة الإقليمية والدولية، ما دفع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى زيارة الرياض بهدف “فتح فصل جديد” مع السعودية.
مشاركة المقال عبر