في محاولة لإثبات حضوره على الساحة الدولية يشن تنظيم الدولة التنظيم الدولة الإسلامية حملة للثأر لمقتل زعيمه السابق يسعى من خلالها لتوظيف الأزمات العالمية لإعادة التموقع وتوسيع النفوذ في المعاقل القديمة، لكنه يقدم نفسه أيضا كمشارك محتمل في حرب أوكرانيا متبعا خطة ثأر مفتوحة وممتدة على عدة جبهات تحذر من إمكانية ظهور التنظيم في أماكن متعددة.
جاء إعلان تنظيم الدولة الإسلامية بحسب مقال للكاتب والباحث المصري هشام النجار في صحيفة العرب، في تسجيل صوتي نسب إلى المتحدث باسمه عن إطلاق حملة ثأر عالمية لمقتل زعيمه السابق عبدالله قرداش متوافقًا مع سياسات التنظيم التقليدية خلال الأزمات، حيث يحرص على التكيف مع الصدمات التي تلم به بعد مقتل خلفائه وقياداته الكبار.
واعتاد التنظيم إطلاق حملات ثأر لمقتل قادته وخلفائه، وهي سياسة توحي بقدرته على البقاء والاستمرار في مواجهة خصومه، وإن لم يملك خلافة فعلية على الأرض فهو قادر على التأثير في مجريات الأحداث والحفاظ على ما تبقى من مكتسباته، وأن قوته المركزية وإمكانياته المتفرعة لا تتمحور حول زعمائه فقط، ومع ذلك فهو لا يتسامح مع استهدافهم.
وسّرع التنظيم في عمليتي اختيار خليفة جديد وإطلاق حملة ثأر لمقتل خليفته السابق أخيرا ليثبت أن مقتله لا يمثل سوى هزيمة عسكرية في سياق حرب استنزاف طويلة الأمد يحرص خلالها على البدء من نقطة حماية قائده الجديد والتحذير من تبعات استهدافه حرصًا على هيكله القيادي بالنظر إلى فقدانه لعدد كبير من قادته المهمين وخسارة القادة المؤسسين.
وكشف التعجيل بتعيين خليفة جديد عن أهمية كبيرة في ربط أركان المجاميع التابعة للتنظيم ومنع الانقسامات بالنظر إلى ما يعنيه منصب الخليفة كعامل دعائي يكرس مفهوم الخلافة الظاهر وإن لم يستطع التنظيم تطبيقها فعليا.
ويمثل إطلاق حملة ثأر للخليفة السابق، كما اعتاد التنظيم، دليلا على البدء في إثبات الحضور على الساحة الدولية ككيان حريص على الحفاظ على قادته ورموزه، وبدون ذلك يصبح داعش تنظيما محليا قد يفقد مكانته الإقليمية وينتهي به الأمر إلى إعلان البيعة لتنظيم القاعدة من جديد.
وقال المتحدث الجديد باسم التنظيم في التسجيل الصوتي الأخير الذي بثته حسابات تابعة له على تطبيق تليغرام في السابع عشر من أبريل الجاري “نعلن مستعينين بالله متوكلين عليه عن غزوة مباركة، غزوة الثأر للشيخين؛ الشيخ أبي إبراهيم الهاشمي القرشي والشيخ المهاجر أبي حمزة القرشي”، داعيًا إلى استغلال انشغال أوروبا بالحرب في أوكرانيا.
ويجد التنظيم أن تكريس عدد كبير من القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة وروسيا، جُل جهودها على الحرب الدائرة في أوكرانيا فرصة لإعادة بعث التنظيم وإنتاجه في معقله التقليدي الرئيسي في سوريا التي من المفترض أن تعاني من فراغ ميداني بسبب تداعيات الأزمة في أوكرانيا.
ولم يغب هدف بعث التنظيم في سوريا عن مخططات قادته، حيث تمثل الساحة الأهم في تاريخ التنظيم القصير على مستوى التمكين والسيطرة في الفترة 2014 – 2019 تحت قيادة خليفته أبوبكر البغدادي، مسيطرًا على مساحة تقدر بمئة كيلومتر مربع بين سوريا والعراق، بعدد مقاتلين قارب على الأربعين ألف مسلح، تبقى منهم الآن حسب الإحصائيات ثلاثة آلاف.
وسبق هذا التسجيل الأخير نشر التنظيم لإصدار مرئي أعقب مباشرة مقتل خليفته السابق أبوإبراهيم الهاشمي في أوائل فبراير الماضي، وظهر خلاله عدد من عناصر التنظيم في عدد من قواطع العمليات داخل سوريا، بالإضافة إلى اثنين من قادته البارزين، هما عمر الشامي والحارث الشامي اللذين توعدا بشن هجمات إرهابية انتقامية لمقتل حجي عبدالله قرداش متضمنًا لقطات من الإعداد للهجوم على سجن غويران بالحسكة، ما يعني أن سوريا إحدى الساحات الرئيسية التي سينفذ فيها التنظيم خطته للثأر.
ويراهن التنظيم هناك على الأعداد الكبيرة من المعتقلين التابعين له في السجون بسوريا التي يعتبرها كنزًا لإعادة بعثه وإحيائه، بالتوازي مع ضعف السيطرة على مخيمات وسجون تضم عشرات الآلاف من الأسرى والمعتقلين من التنظيم وعوائلهم وتبلغ في مجملها عشرة آلاف سجين لم يبت المجتمع الدولي في طريقة محاكمتهم، فضلًا عن عشرات الآلاف من عوائلهم.
وتتمحور خطط التنظيم في سوريا لاستعادة الحضور والنفوذ في ساحاته التقليدية حول استغلال العبء الأمني الذي تعاني منه قوات سوريا الديمقراطية وفرضية عدم قدرتها على مواصلة التحكم في حراسة المعتقلات ما يشير إلى احتمال تكرار تنفيذ هجمات مثيلة لهجوم سجن غويران، مع شن حرب عصابات تستدرج القوات إلى عمق البادية مترامية الأطراف والدخول في حرب صحراء طويلة الأمد.
وأعد التنظيم سيناريو معاكسا وهو المشاركة والانخراط في حرب أوكرانيا، مستغلًا بؤرة الصراع الدولية الجديدة والحاجة إلى مرتزقة ومقاتلين أجانب مع نمو اليمين المتطرف بغرض نشر تشكيلات من عناصره بالمناطق الجغرافية المجاورة لأوكرانيا، خاصة منطقة آسيا الوسطى، مستخدمًا دعايات من عينة “خوض الحرب ضد الأعداء الصليبيين في عقر دارهم”.
وزعمت الاستخبارات الروسية احتواء قاعدة التنف في شرق سوريا الخاضعة للقوات الأميركية لعناصر التنظيم بغرض إرسالهم للقتال في أوكرانيا، وأن مراقبين فسروا إطلاق هيئة تحرير الشام المسيطرة على إدلب سراح العشرات من عناصر تنظيم حراس الدين الموالي للقاعدة الذي تربطه علاقات بتنظيم الدولة الإسلامية على أنه إشارة لنقلهم إلى ساحات القتال في أوكرانيا.
وترتكز خطط الانتقال الجديد لتنظيم الدولة التي مررها تحت عنوان الثأر لمقتل خليفته السابق أيضًا على إعادة إنتاج نفسه في ساحات تعد من بؤر النشاط المتصاعدة له، كما في المثلث الحدودي في الساحل الأفريقي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، حيث أعاد التنظيم مؤخرًا ترتيب أوراقه لافتا إلى فرعه في الساحل الأفريقي بمسمى جديد وهو “ولاية الساحل” مميزًا عملياته في هذه المنطقة عن أنشطته تحت فرع إقليم غرب أفريقيا الأوسع.
وحرص التنظيم على تكثيف الهجمات في منطقة تعاني من سيولة أمنية وعدم استقرار سياسي وانقلابات عسكرية متكررة وتوترات إقليمية وضعف في الجيوش، ما يسهل انتقال العناصر المتطرفة بين الدول، في خضم تنافس غربي – روسي بالتزامن مع إطلاق عناوين وتقسيمات نوعية لأفرعه للإيحاء باعتماد استراتيجيات جديدة.
ويهدف تنظيم الدولة إلى التمدد داخل مناطق غير تقليدية في غرب أفريقيا مستغلًا سحب الدول الغربية في مقدمتها فرنسا لقواتها من هناك لخلق مساحات بديلة للتنظيم وتخفيف الضغوط التي يعاني منها في معاقله بالشرق الأوسط، وتحديدًا في سوريا والعراق.
ويعتمد تنظيم الدولة بشكل أساسي في مخطط انتقاله الجديد على ما يسمى ولاية خراسان وحضوره النوعي في دول آسيا الوسطى التي تحمل أهمية خاصة للتنظيم كمنطقة إمداد لوجستي قتالي وساحة استقطاب فكري وعقائدي نموذجية، حيث وصل عدد عناصر التنظيم بأفغانستان وحدها وفق تقارير استخباراتية إلى أربعة آلاف مقاتل، محتفظًا بوجود من رحم انشقاقات سابقة في جماعات إسلامية متطرفة بينها حركة طالبان.
وقد حذر خبراء أمنيون من تصاعد هجمات التنظيم في هذه الساحة مع دخول فصل الصيف، ما يعني أن الجبهات التي تستند عليها خطة الثأر مفتوحة وممتدة ويمكن أن تظهر بصماتها في أماكن متعددة.
ولا يغفل التنظيم تنشيط خلاياه النائمة في دول أوروبا، وتتحسب عواصم غربية من هجمات إرهابية فردية ومباغتة، ولذلك عملت على تشديد المراقبة على شبكات التواصل الاجتماعي وتضييق الخناق على تمويل التنظيم المتطرف، وعززت من وتيرة التنسيق الأمني بين أجهزتها، ما عكس تخوفات من أن يكون التسجيل الصوتي الأخير للمتحدث باسم التنظيم رسالة مشفرة للخلايا النائمة والذئاب المنفردة للقيام بعمليات ثأر في عمق بعض الدول الأوروبية.
ولا يزال تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار الدولي، رغم اندحاره منذ العام 2019، فهناك خلايا ناشطة على الساحتين العراقية والسورية، وفروع أكثر نشاطًا في أفريقيا وأفغانستان وجنوب شرق آسيا، مستفيدا في جميع تلك الساحات من هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية، ومتوخيًا الحضور القوي في المناطق المتأزمة وميادين الصراعات.