ترفض دمشق إعادة إعمار المناطق المدمرة التي استعادت السيطرة عليها خلال سنوات الحرب، وتريد بناء مدن سكنية جديدة خارج تلك المناطق أو في محيطها، وترك أهالي المناطق المدمرة النازحين المشردين يواجهون مصيرهم بأنفسهم.
وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، تتحدث المعلومات عن “اقتراحات على الحكومة السورية إعادة إعمار الأحياء الشرقية من مدينة حلب بأموال من جهات عربية وتفاهمات إقليمية، لكن الحكومة رفضت ذلك واقترحت بناء مدن سكنية جديدة”.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، إن أجهزة الحكومة الأمنية، متمثلة بفرع الأمن العسكري (الفرع 277) عمد منذ مطلع عام 2022 إلى تنفيذ حملات أمنية واسعة في مناطق متفرقة من جنوب دمشق والغوطة الشرقية أفضت إلى الاستيلاء على أكثر من 120 عقاراً تعود ملكيتها لأشخاص معارضين أو آخرين صدر بحقهم قرار الحجز على ممتلكاتهم على خلفية آرائهم السياسية ممن ما زالوا موجودين في مناطق سيطرة الحكومة.
وأوضح أن دوريات الفرع استولت على نحو 50 منزلاً ومحلاً تجارياً في مناطق السبينة وببيلا والسيدة زينب والحجر الأسود من جنوب دمشق، حيث عمدت دوريات الفرع المذكور أعلاه إلى إغلاق المنازل والمحال بالشمع الأحمر والكتابة عليها (محجوز لصالح الفرع 277)، بالإضافة إلى مناطق جنوب العاصمة دمشق، فإن دوريات الفرع ذاته استولت على أكثر من 70 منزلاً ومحلاً تجارياً وأرضاً زراعية منذ مطلع عام 2022 في كل من حزة وعين ترما وزملكا والنشابية وبيت سوا في الغوطة الشرقية، تعود ملكية تلك العقارات لأشخاصٍ غالبيتهم موجودون خارج سوريا ممن شاركوا بالاحتجاجات السلمية ضد الحكومة في بدايات انطلاقة الثورة السورية.
وتحدثت مصادر أهلية من داخل الغوطة الشرقية، بأن بعض العقارات التي جرى الاستيلاء عليها حولتها أجهزة الحكومة الأمنية إلى مقرات عسكرية، وبعضها الآخر جرى تشميعها والكتابة عليها «محجوز لصالح الفرع 277».
من جانبها، تحدثت مصادر المرصد السوري، بأن “عناصر أمنية تابعة لفرع الأمن العسكري (277) يقومون خلال الفترة الأخيرة بالتنسيق مع أعضاء الفرق الحزبية ومتعاونين معها من أبناء الغوطة الشرقية وجنوب العاصمة دمشق، بكتابة تقارير شبه يومية عن أشخاص معارضين ممن شاركوا بالحراك ضد الحكومة، سواء في الشق المدني أم العسكري للاستيلاء على ممتلكاتهم وفق قانون (الحجز الاحتياطي)، حيث تقوم العناصر الأمنية في بعض المناطق بعمليات ابتزاز للأهالي الذين يتم إجراء دراسات أمنية عليهم بهدف الحجز على ممتلكاتهم لدفع الأموال مقابل إيقاف تلك الدراسات وعدم رفعها لقيادة الفرع”.
وأشار المرصد إلى أن “الأجهزة الأمنية سبق وصادرت آلاف العقارات بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها، وعلى وجه الخصوص المناطق التي شهدت حراكاً ضده والعائدة ملكيتها لأشخاص معارضين أو ممن اعتقلوا قسرياً، وجرى تغييبهم في السجون، أو باتوا خارج البلاد هرباً من بطشه في إطار معاقبة المعارضين من خلال استملاك عقاراتهم بعد صدور قانون (الحجز الاحتياطي) على أملاكهم”.
وخلال الحرب المستمرة في سوريا منذ منتصف مارس (آذار) 2011، شكلت مدينة حلب شمال البلاد، منذ عام 2012، مسرحاً لمعارك عنيفة بين الفصائل المسلحة والجيش النظامي الحكومي وحلفائه روسيا وإيران، وتسببت بمقتل آلاف من المدنيين وبدمار هائل في الأبنية والبنى التحتية في شرق المدينة.
وأعلنت قوات الحكومة السورية في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2016 استعادته السيطرة على كامل مدينة حلب، ثاني أهم المدن السورية، بعد تهجير عشرات الآلاف من المدنيين ومسلحي المعارضة من المناطق التي كانت تحت سيطرتهم، وذلك في عملية تمت بموجب اتفاق روسي – إيراني – تركي بعد نحو شهر من هجوم عنيف شنته قوات الحكومة على الأحياء الشرقية التي شكلت معقلاً للمعارضة المسلحة.
ورغم الوضع السابق، عادت عشرات آلاف الأسرة النازحة إلى منازلها أو إلى مبانٍ غير مسكونة تبدو صالحة للعيش، ولو لفترة على الأقل، وذلك تحت ضغوط الوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه أغلبية سكان مناطق سيطرة الحكومة.
وتشير معلومات الشرق الأوسط إلى أن «الحكومة ترفض عملية إعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب، وتريد بناء مدن جديدة مثل (ماروتا سيتي) و(باسيليا سيتي) في مدينة دمشق”. وتلفت إلى أن “الحكومة تريد لأهالي المناطق التي دمرتها الحرب أن يواجهوا مصيرهم بأنفسهم، أي أن يقوموا بإعادة إعمار مناطقهم على نفقاتهم الخاصة”.
و«ماروتا سيتي» و«باسيليا سيتي» هما منطقتان أعلن عنهما بشار الأسد في عام 2012 بمرسوم تشريعي حمل الرقم 66، ونص على إحداث منطقتين تنظيميتين واقعتين ضمن المصور العام لمدينة دمشق، لتطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي، وفق الدراسات التنظيمية التفصيلية المعدة لهما.
وتضم المنطقة الأولى، حسب المرسوم، منطقة جنوب شرقي حي المزة شمال غربي مدينة دمشق من المنطقتين العقاريتين مزة – كفر سوسة، فيما تضم الثانية جنوب الجسر المتحلق الجنوبي من المناطق العقارية “مزة – كفر سوسة – قنوات بساتين – داريا – قدم”.
وما يعده النازحون مفارقة، أن وسائل الإعلام الرسمية المحلية تواظب على نقل أخبار الجولات التي يقوم بها مسؤولون على «ماروتا سيتي» و«باسيليا سيتي»، وتفقدهما لعمليات الإنجاز المستمرة في المشروعين، وتوجيهات رئيس مجلس الوزراء دائماً بضرورة الإسراع في عمليات التنفيذ، في حين يعاني النازحون من مناطق جنوب دمشق (مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، حي التضامن، القدم) ومدينة الحجر الأسود بريف دمشق، التي استعادت قوات الحكومة السيطرة على جميعها منتصف عام 2018 من بطء شديد ومماطلة مستمرة ومتزايدة من قبل الحكومة في عمليات إزالة الأنقاض من تلك المناطق وفتح الطرقات وإعادة الخدمات الأساسية إليها من أجل عودة الأهالي إلى منازلهم، خصوصاً أن الغالبية العظمى من السكان باتت تعيش تحت خط الفقر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار والمستلزمات المنزلية وإيجارات المنازل.
مشاركة المقال عبر