تشكل ظاهرة العنف ضد النساء واحدة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي لا يزال المجتمع التركي يرزح تحتها.
ويسعى أحد ممثلي الادعاء العام التركي إلى حظر نشاط جماعة حقوقية نسائية بسبب سلوكها الذي تم وصفه بـ”المخل بالآداب”، في خطوة قال مراقبون إنها تعزز نهج القومية الإسلامية لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وتوثق الجماعة النسائية المسماة “سوف نوقف قتل النساء”، وهي إحدى أكبر الجماعات الحقوقية النسائية في العالم، العنف ضد المرأة منذ 2010.
وقالت رئيسة الجماعة فيدان أتاسيليم إن نشاط الجماعة يمكن إيقافه بعدما قال الادعاء إن هناك شكاوى من الجمهور العام بشأن سلوك غير أخلاقي. وأضافت أتاسيليم أن الشكاوى تزعم أن الجماعة تحاول تدمير بنيان الأسرة “بزعم الدفاع عن حقوق النساء”، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
ونفت الجماعة هذه المزاعم ووصفتها “بغير القانونية ولا أساس لها”، وذلك في بيان تعهدت فيه بمواصلة الدفاع عن النساء. ولم تحدد المحكمة بعدُ موعدا لجلسة الاستماع الأولى.
وانتقد نواب الأحزاب المعارضة والنشطاء الحقوقيون هذا التطور، بينما دعت الجماعة إلى تظاهرات في 23 مدينة وولاية، من بينها إسطنبول، مطلع الأسبوع المقبل.
وقالت أتاسيليم “هذا هجوم منظم على كل الجماعات الديمقراطية في تركيا”، مشيرة إلى أن الخطوة فضحت أيضا فشل السلطات في حماية النساء.
وأكدت أتاسيليم أن الخطوة تأتي في إطار محاولات جارية من جانب الحكومة لترويع الجماعات الحقوقية و”استقطاب وتقسيم” المجتمع، مستشهدة بقرار العام الماضي بانسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول الخاصة بحقوق المرأة.
وأثار قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإسلامي المحافظ بالانسحاب من الاتفاقية تظاهرات عبر البلاد وإدانة دولية. ودافع أردوغان عن الخطوة ووصفها بالقانونية.
وقالت إيما سينكلير- ويب، مديرة مكتب تركيا في منظمة هيومان رايتس ووتش، إن محاولة حظر جماعة “سوف نوقف قتل النساء” وراءها دوافع سياسية واستفزازية. وأضافت أن “هذا مثال واضح على المضايقة القضائية لتشويه سمعة جماعة كانت ناجحة للغاية في رفع الوعي العام بحوادث قتل النساء المرتفعة جدا في تركيا”.
وسجلت تلك الجماعة 280 جريمة قتل ضد النساء في تركيا في 2021، بينما قتلت 73 امرأة خلال الثلاثة أشهر الأولى من 2022. وتراجعت حقوق المرأة التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى الحكم في تركيا منذ تسعة عشر عاما، لكن انسحاب أنقرة مؤخرا من أول اتفاق في العالم لمكافحة العنف ضد المرأة “معاهدة إسطنبول”، فاقم المخاوف من انتهاك المبادئ العلمانية لتركيا وتقييد الحريات المدنية للمرأة.
وترى آزاده كيان، الباحثة في علم الاجتماع بجامعة باريس السابعة، ومديرة مركز التدريس والتوثيق والبحث للدراسات النسوية، أنّ مواقف أردوغان ضد المرأة تدعو إلى القلق.
وقالت مؤلفة كتاب “النساء والقوة في الإسلام”، إن في تركيا “تشهد حقوق المرأة تراجعا حادا”، مشيرة إلى أن العديد من النساء في تركيا يشعرن بالحنين إلى القرن الماضي.
وتخشى النساء التركيات من أن تسوء أحوالهنّ، منذ انسحاب بلادهن من اتفاقية إسطنبول في يوليو الماضي، وهي معاهدة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان ضد العنف ضد المرأة، إذ يشعرن بأنهن أكثر ضعفا وبأنهن غير محميات قانونيا منذ الانسحاب.
وحاول نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي تبرير قرار الانسحاب بالقول إن بلاده مصممة على الارتقاء بمكانة المرأة التركية في المجتمع، مع الحفاظ على النسيج الاجتماعي دون الحاجة إلى تقليد الآخرين.
ويقول مراقبون إن المبررات التي تطرحها السلطات التركية غير مقنعة، فالدفاع عن حقوق المرأة ومنع تعنيفها هما من القيم الكونية التي تتشارك فيها الإنسانية، ولا دخل للعادات والتقاليد في مثل تلك الممارسات.
وترى ناشطات نسويات في تركيا أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم ينظر إلى النساء من زاوية دينية، ويضعهن في مرتبة أقل من الرجال.
ويقول هؤلاء إن جزءا كبيرا من المسؤولية عن حدوث ذلك يقع على عاتق الحكومة الإسلامية المحافظة وعلى أردوغان، الذي أعلن في أكثر من مناسبة عن آرائه الصادمة تجاه المرأة.
وتشكل ظاهرة العنف ضد النساء واحدة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي لا يزال المجتمع التركي يرزح تحتها، في ظل تشريعات غائبة تحميهن من ذلك الوباء الاجتماعي الفتاك. ولا تحتفظ تركيا بإحصاءات رسمية لقتل النساء، وهو ما يشير، حسب مراقبين، إلى أن الحكومة متورطة في التغطية على هذه الظاهرة المقلقة في المجتمع التركي.