يكشف عجز الآلاف من الأتراك عن مواجهة المصاريف بالنظر إلى التهام الأسعار للرواتب بشكل متسارع عن محنة كبيرة تمر بها البلاد وتعكس حجم الأزمة المعيشية مع انهيار سعر الليرة في ظل سياسة نقدية مثيرة للجدل فرضها رجب طيب أردوغان أملا في النهوض بالاقتصاد.
وساهمت السياسات النقدية التي يقودها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جعل مواجهة آفة الفقر أكثر تكلفة بالنظر لعدم نجاح الخطوات الاقتصادية في تخفيف المعاناة عن الأتراك الذين اضطروا للبحث عمن يدفع فواتير استهلاكهم اليومية وإيجار السكن، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وفي بلد يتجاوز عدد سكانه 80 مليون نسمة يُصنف حوالي 12.2 في المئة منهم ضمن مؤشر الفقر، ويتوقع البنك الدولي أن ينضم إليهم المزيد هذا العام ليصل المعدل إلى نحو 13 في المئة.
وتبدو المشكلات أكثر وضوحا في إسطنبول، حيث لم تسر الأمور خلال العامين الماضيين أثناء تفشي الجائحة بشكل جيد للكثير من المواطنين خاصة مع الطبقة العاملة. وهي تزداد سوءا اليوم مع ارتداد الأزمة في شرق أوروبا.
وفي ظل العمل بشكل متقطع بمصنع للملابس بأكبر مدن البلاد أكد أب لأربعة أطفال لوكالة بلومبرغ طلب عدم الكشف عن هويته إنه تأخر في دفع الإيجار والفواتير التي تعادل قيمتها الإجمالية نحو متوسط دخله الشهري البالغ 3500 ليرة تركية (237 دولارا).
ومع معدلات الفائدة الحقيقية التي تجاوزت 60 في المئة تعرضت العملة المحلية بالفعل لضغوط أكبر، وسجلت أسوأ أداء في الأسواق الناشئة مقابل العملة الأميركية في مارس الماضي حين بلغ سعر صرف الدولار 14.7 ليرة أي ضعف ما كان عليه الصيف الماضي.
واعتبر هذا الأربعيني أن “الوباء قسم ظهورنا والآن بات كل شيء باهظ الثمن”. ومع ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات أعلى يتذكر أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الطماطم والزيتون والحليب. ويقول “كيف لا نواجه صعوبات؟”.
وهربا من هذا المأزق الذي تركتهم الحكومة يتخبطون فيه دون حل عملي، لجأ الكثير من الأتراك إلى منصة رقمية للتبرع أنشأتها بلدية المدينة خلال موجة الإغلاق الأولى وهي توفر بعض الإغاثة لسكان إسطنبول ذوي الدخل المنخفض.
وحظيت المنصة بشعبية بعد تفشي أزمة التضخم التي وجهت بدورها ضربة مزدوجة لأغلب الأسر، والتي تعاني بالفعل من التداعيات الاقتصادية لقيود الإغلاق حتى الآن.
وتُعرف المنصة بـ”آسكيدا فاتورا”، أي الفاتورة المعلقة، وهي تسمح للأشخاص بإدخال الفواتير غير المدفوعة وانتظار من يتكفل بها. وعلى غرار إسطنبول، دشنت أكثر من 35 بلدية أخرى في تركيا منصات مماثلة.
وفي إشارة إلى خطورة الأزمة الحالية، شهد الشهر الماضي أعلى كمية من الفواتير التي تم إدخالها منذ إطلاق المنصة في مايو من عام 2020، كما زاد متوسط قيمة الفواتير غير المدفوعة بأكثر من الضعف.
وتشير البيانات إلى أنه حتى الآن تم سداد أكثر من 330 ألف فاتورة بقيمة إجمالية تبلغ 52 مليون ليرة (3.5 مليون دولار) مباشرة من خلال الموقع. ولم تكن أسرة العامل في مصنع الملابس بعيدة عن هذا الاتجاه، فقد أدخلت سبعة فواتير لم تتمكن من دفع ثمنها، لكن ما زال يتعين عليها إيجاد من يتكفل بفاتورتين إضافيتين.
ويقول مراد أونغون المتحدث باسم بلدية إسطنبول “يريد الناس التأكد من وصول المال الذي يتبرعون به إلى المكان الصحيح، لذلك أنشأنا نظاما يعمل كحلقة وصل بين الأشخاص ذوي الاحتياجات التي تم التحقق منها”. وأضاف “من خلال المنصة يمكنهم تحميل فواتير الغاز أو المياه وينتظرون من سيدفع لهم بنقرة واحدة على الشاشة”.
ولا تكشف المنصة هويات الأشخاص المحتاجين للمساعدة ولا الأشخاص الذين يقدمون المساعدات حيث يعد إخفاء الهوية سمة أساسية للمنصة للحفاظ على كرامة متلقي المساعدات دون جعلهم مدينين بالفضل لمنظمة أو حزب سياسي.
وشعرت متبرعة تعمل لدى شركة علاقات عامة في إسطنبول بصدمة تجاه ما يواجهه الناس من قدر كبير من الديون. وقررت زيادة ما تقدمه للوصول إلى المزيد من الأسر عبر دفع الفواتير التي تقل عن مئة ليرة (6.8 دولار) لمساعدة عدد أكبر من الناس. ويقول متبرع آخر رفض الكشف عن هويته إن منصة “أسكيدا فاتورا” تسلط الضوء على محنة الآخرين.
وأضاف “هذه المنصة تجعلني أكثر تعاطفا مع حقيقة أن الأشخاص الذين نقابلهم في الشارع والذين نشاركهم نفس وسائل النقل العامة، يمكن أن يعانوا من صعوبات مماثلة أو أعمق بكثير مما نواجه”.
وتظهر الأبحاث أن الغالبية العظمى من الناس في تركيا يفضلون عادة التبرع للأفراد بدلا من المنظمات، ويرجع ذلك غالبا إلى انعدام الثقة في المؤسسات.
لكن هذا الأمر يمكن أن يسلط الضوء أيضا على الانقسامات، خاصة في مدينة يقطنها 16 مليون شخص، فهي بها مزيج من مجموعات متفاوتة جاءت من مناطق مختلفة من تركيا ولديها ظروف مالية متباينة.
وبحسب كوريل غويمن، خبير في الإدارات المحلية وأستاذ فخري بجامعة سابانجي في إسطنبول فإن المساعدة غير الرسمية أسهمت في الحفاظ على علاقة الأشخاص بمجموعات القرابة ببلدهم الأصلي بدلا من الاندماج الكامل في المجتمع الحضري الأوسع نطاقا. ويعتقد غويمن أن برامج مثل أسكيدا فاتورا يمكن أن تسهم في قدرة المدينة على الصمود من خلال خلق شعور بالشمولية والتضامن.
وتوافق آيس كوسي بادور، التي تنسق دراسات التوسع الحضري والحكومة المحلية بمركز إسطنبول للسياسات في سابانجي على الفكرة، قائلة إنه “عند استخدام أسكيدا فاتورا، فإننا لا نعرف دين الشخص أو أيديولوجيته، وهم لا يعرفوننا”.
مشاركة المقال عبر