يواجه إقليم كوردستان أزمة جديدة، في ظل تمسك الاتحاد الوطني الكوردستاني وعدد من القوى السياسية بإجراء تغيير على قانوني المفوضية والانتخابات وتحديث سجل الناخبين، قبل إجراء الانتخابات التشريعية، الأمر الذي يرفضه بشدة الحزب الديمقراطي الذي يلوّح باستخدام الأغلبية النيابية لفرض موعد الاستحقاق.
وارتدت الخلافات بين الحزبين الكورديين الرئيسيين حول المناصب المخصصة للكورد داخل المنظومة العراقية، توترا على الساحة السياسية في كوردستان مع بروز أزمة بين الجانبين حول الانتخابات التشريعية في الإقليم الواقع شمال العراق، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وتقول أوساط سياسية عراقية إن ما يجري داخل إقليم كوردستان كان متوقعا، حيث إن إصرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يقوده مسعود بارزاني على جمع كل السلطات بيده، ونقضه لاتفاق ضمني مع الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي يتزعمه بافل طالباني بشأن رئاسة الجمهورية في العراق، بالتأكيد ستتولد عنهما ردود فعل من باقي الطيف الكوردي، الذي كان يتغاضى في السابق عن سلوكيات الحزب.
وتشير الأوساط إلى أن آل بارزاني الذين فرضوا قبضتهم على السلطة داخل إقليم كوردستان، من خلال السيطرة على رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة، ويسعون اليوم للاستحواذ على منصب رئيس الجمهورية، وباقي المناصب المهمة داخل المنظومة العراقية، تدفع القوى السياسية الكوردية إلى التحرك ووضع حد لهذا المسار الذي راكم الصلاحيات والامتيازات لصالح هذه العائلة، في المقابل فشل في النهوض بواقع الإقليم، وهو ما ترجمته معدلات الفقر والبطالة المرتفعة بين الكورد، ما دفع الآلاف من الشباب إلى البحث عن سبل للهجرة إلى أوروبا.
وكانت مشاهد المئات من الشباب وحتى العائلات القادمين من إقليم كوردستان العراق، المكدسين على حدود بولندا وبيلاروسيا في نوفمبر الماضي قد أثارت العديد إلى التساؤلات حول واقع الإقليم، الذي لطالما حظي بدعم مجز من الغرب، فضلا عن العائدات المالية التي تتدفق عليه من النفط والغاز.
وتوضح الأوساط أن القوى السياسية الكوردية وفي مقدمتها الاتحاد الوطني الكوردستاني، قررت على ما يبدو الانتفاض والتحرك ضد هيمنة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأولى الخطوات هي تغيير القانون الانتخابي وتغيير مفوضية الانتخابات، قبل إجراء الاستحقاق التشريعي في الإقليم في الخريف المقبل.
ودعا الاتحاد الوطني الأربعاء إلى ضرورة تعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في الإقليم، وتحويل كوردستان إلى أربع دوائر انتخابية، مع ضرورة تحديث سجل الناخبين لوجود فرق كبير بين سجل الناخبين لعام 2018 والسجل الأخير الذي أُجرت وفقه الانتخابات العراقية الأخيرة.
وقال رئيس كتلة الاتحاد في برلمان كوردستان زياد جبار في مؤتمر صحافي إن “قانوني المفوضية والانتخابات بحاجة إلى أن يكون هناك توافق وطني عليهما”.
ويرفض الحزب الديمقراطي أي تغيير على مستوى القانون الانتخابي، باعتبار أن نظام الدائرة الواحدة، يصب في صالح إبقاء هيمنته على البرلمان داخل الإقليم، ويتمسك الحزب بإجراء الانتخابات في الموعد الذي كان حدده.
وحذّرت كتلة الحزب الديمقراطي الثلاثاء رئيسة برلمان كوردستان ريواز فائق من إحجامها عن طرح موعد الانتخابات البرلمانية للتصويت داخل المجلس، وهددت الكتلة في مؤتمر صحافي بأنهم سيلجأون إلى استخدام الأغلبية النيابية مع حلفائهم إذا لزم الأمر.
وأكدت الكتلة في المؤتمر الذي عقد في أربيل أنها مصرة على إجراء الانتخابات البرلمانية العامة في موعدها المحدد مطلع أكتوبر المقبل. وقال رئيس الكتلة زانا ملا خالد “نحن لن نطلب من رئيسة البرلمان، بل نحذرها”.
وأضاف أن “الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع حلفائه سيلجأون إلى استخدام الأغلبية لتحديد جلسة برلمان كوردستان، ومنع تعطيل البرلمان بحجة أن قوة سياسية لديها مطالب بشأن تعديل قانون الانتخابات، وهذا مخالف للقوانين السارية في إقليم كوردستان”.
وكان رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني وقّع في فبراير الماضي أمرا حدد فيه موعد إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر المقبل. ووجه رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني في نهاية فبراير بتخصيص ميزانية لإجراء الانتخابات.
وترفض رئيسة البرلمان الاستجابة لضغوط الحزب الديمقراطي، مشددة على أن طرح إجراء الانتخابات للتصويت يجب أن يسبقه توافق بين القوى السياسية حول موعدها.
ويشدد الاتحاد الوطني وعدد من الأحزاب والقوى على أهمية تقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية قبل تحديد موعد الاستحقاق، إضافة إلى إنشاء مفوضية جديدة، حيث تنتهي المدة الدستورية للمفوضية الحالية الشهر الجاري.
وتكتسي الانتخابات التشريعية في الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ تسعينات القرن الماضي، أهمية كبيرة، حيث إن الفائز في الاستحقاق هو من يتولى تشكيل الحكومة، كما تقع على عاتق المجلس مسؤولية إقرار القوانين في المحافظات العراقية التي تخضع لسلطة حكومة الإقليم.
ويرى مراقبون أن تلويح الحزب الديمقراطي باللجوء إلى الأغلبية النيابية لفرض موعد الانتخابات، غير مضمون، كما سينتج عنه المزيد من تأزيم الموقف، وقد يدفع الاتحاد الوطني وبعض القوى إلى مقاطعة الاستحقاق، وبالتالي الدفع بالإقليم نحو حالة من اللااستقرار.
ويضم البرلمان الحالي 111 مقعدا، منها 45 مقعدا للحزب الديمقراطي الكوردستاني، و21 مقعدا للاتحاد الوطني الكوردستاني، و12 مقعدا لحركة التغيير، و8 لحراك الجيل الجديد، و7 للجماعة الإسلامية، و5 لقائمة نحو الإصلاح، ومقعد واحد لكل من قائمة سردم والحزب الشيوعي، و11 مقعدا للأقليات.
ويشير المراقبون إلى أنه حتى الآن لا تبرز أي مؤشرات على إمكانية التوصل إلى تسوية حول موضوع الانتخابات، حيث يتمترس كل طرف خلف موقفه، لافتين إلى أن النقطة التي قد تمهد لنهاية هذه الأزمة هي التوافق حول رئاسة الجمهورية في العراق، لكن الترجيحات تسير وفق الوضع الراهن، باتجاه تأجيل الاستحقاق.
وكشف الناطق باسم مفوضية الانتخابات شيروان زرار في وقت سابق عن حاجة المفوضية إلى ستة أشهر على الأقل، للبدء بما يلزم من الاستعدادات والإجراءات للانتخابات، وأن أي تقليل من تلك المدة سيؤثر سلبا على سير العملية الانتخابية وشفافيتها.
وأضاف زرار أنه في حالة عدم توصل الكتل النيابية إلى اتفاق بأسرع وقت قبل نهاية الشهر الجاري، فإن المفوضية لن تتحمل التبعات وأي تأخير قد يحصل لإجراء الانتخابات، وستعلن موقفها في حينه، مشيرا إلى أن “المفوضية منذ عام 2019 أرسلت ثلاثة كتب رسمية إلى رئاسة البرلمان، طالبت فيها بتجديد الثقة للمفوضية الحالية أو انتخاب أخرى جديدة قبل الأول من أبريل الجاري، وإلا سنواجه عقبات قانونية”.
وتتألف المفوضية الحالية من تسعة أعضاء، موزعين بحسب الثقل النيابي لكل حزب: ثلاثة أعضاء من الحزب الديمقراطي، واثنان من الاتحاد الوطني ومثلهما لحركة التغيير، وعضو من الاتحاد الإسلامي، وآخر من جماعة العدل الإسلامية، فيما توفي أحد الأعضاء، وتفرغ عضو آخر للعمل في مجلس الوزراء.
مشاركة المقال عبر