أثار التوتر بين رئيس مجلس النواب العراقي ونائبه الأول الشكوك في قدرة ائتلاف “إنقاذ وطن” الذي يقوده التيار الصدري على الصمود والاستمرارية، وكشفت الخلافات بين الطرفين عن أن هذا التحالف لم يكن وليد مواقف مبدئية، بل مصالح سياسية ضيقة.
خرج التوتر المكتوم منذ فترة بين رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي ونائبه الأول حاكم الزاملي إلى العلن، ما يرسخ انطباعا بهشاشة تحالف “إنقاذ وطن” الذي أعلن عنه الشهر الماضي ويقوده التيار الصدري، ويضم ائتلاف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكوردستاني.
وكان متابعون رصدوا غياب تناغم بين رئيس مجلس النواب ونائبه الأول الذي يحاول أن يفرض حضوره، مستمدا جرأته من التيار الذي ينتمي إليه، وقد ظهر ذلك في أكثر من موقف من بينها خلال عملية تشكيل اللجان النيابية، وخلال الجلسة الثالثة لاختيار رئيس للجمهورية حيث لوح الزاملي حينها بالخروج والدعوة إلى انعقاد الجلسة، بعد أن تأخر الحلبوسي لمدة ساعة في الدعوة إليها بانتظار اكتمال النصاب (وهو ما لم يتحقق).
وسربت في الساعات الماضية وثائق تظهر تفاقم الخلافات بين الحلبوسي الذي يتولى أيضا قيادة ائتلاف السيادة، والنائب الأول الزاملي المنتمي إلى التيار الصدري، في علاقة بتنازع صلاحيات داخل رئاسة المجلس النيابي، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
ونشرت وثيقة موقعة من قبل الأمين العام للبرلمان سيروان عبدالله إسماعيل تطالب بإلغاء عبارة “هيئة رئاسة” مجلس النواب، عند توجيه أي خطابات وبيانات رسمية، والاستعاضة عنها بعبارة “رئيس المجلس ونائبيه”.
واستفزت الوثيقة الزاملي الذي سارع إلى الرد عليها رسميا من خلال بيان أصدره مدير مكتبه علي محمد علي، وتضمن نصه “اطلع النائب الأول لرئيس مجلـس النـواب المحترم علـى إعمامكم ذي العـدد (1415) بتاريخ (2022/3/27)، الموجه إلى دوائر وأقسام المجلس كافة تبين وجود مخالفة جسيمة”.
وأضاف البيان أن “إعمامكم تضمن من خلال إشارته – الفقرة (1 – لا وجود للعبارة هيئة رئاسة الأمر الذي يخالف نص المادة 130 مـن الدستور التي أشارت إلى أن التشريعات النافذة تبقى معمولا بها مـا لم تلغ أو تعدل وفقا لأحكام الدستور، وأن المواد القانونية التي تضمنها النظام الداخلي للمجلس وعدد من التشريعات النافذة الأخرى نصت على عبارة هيئة الرئاسة) ولم تلغ أو تعدل منذ إقرارها ولغايته”.
وتابع “لذا أوجه سيادته بسحب إعمامكم المشار إليه آنفا لمخالفته النظام الداخلي لمجلس النواب والتشريعات الناقلة الأخرى. وبضرورة توخي الدقة في إصدار الإعمامات المهمة واستحصال موافقة السادة أعضاء هيئة الرئاسة مجتمعين عليها، وبخلافه يتعرض المقصر للمساءلة القانونية”.
ووفقا للدستور العراقي، فإنه لا وجود لتسمية “هيئة رئاسة” البرلمان، بل رئيس المجلس ونائبيه، لكن القوى السياسية في العراق دأبت على اختراق الدستور وتأويل نصوصه، حتى تلك التي لا لبس فيها وفق ما تقتضيه مصلحتها السياسية.
ويقول خبراء دستور إن القوى العراقية تجاوزت تأويل النصوص وتكييفها بما يتلاءم وحساباتها الضيقة، إلى خلق أعراف وبدع جديدة، الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا على الدولة وصيرورة مؤسساتها.
ويلفت الخبراء إلى أن الحديث عن هيئة رئاسة المجلس هي إحدى تلك البدع التي يحاول من خلالها التيار الصدري إفراغ رئاسة البرلمان من صلاحياتها، وهذا الأمر دفع على ما يبدو الحلبوسي إلى التحرك في سياق الدفاع عن منصبه.
ويشير الخلاف بين الحلبوسي والزاملي إلى أن تشكيل تحالف “إنقاذ وطن” لم يكن مستندا على مواقف مبدئية مثلما روج لذلك، بل لمصالح سياسية ضيقة، وأنه سينتهي بمجرد انقضائها.
وقال النائب عن تحالف عزم السني مشعان الجبوري في تغريدة الاثنين على تويتر، إن “تنازع الزاملي مع الحلبوسي، وإصراره على أنه جزء من هيئة رئاسة وليس نائبا للرئيس، يهدد تحالف ‘إنقاذ وطن’ بالتصدع إن لم يتدخل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر”. وأشار الجبوري إلى أن “وصف هيئة الرئاسة لم يرد مطلقا في الدستور، و المحكمة الاتحادية أكدت عدم وجود شيء اسمه هيئة رئاسة مجلس النواب، وإنما رئيس ونائباه”.
ويعيش العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، أزمة سياسية خانقة جراء غياب التوافق بين الفرقاء السياسيين على رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وبات العراق مهددا بالوقوع في فراغ دستوري، بعد السادس من أبريل الجاري في حال عدم انتخاب رئيس للبلاد، الأمر الذي لا يبدو أن القوى السياسية المتمترسة خلف مواقفها، مدركة لحجم خطره.
ويرى مراقبون أن الكرة حاليا في ملعب الإطار التنسيقي، لتجنب هذا المسار الدراماتيكي، مشيرين إلى أن الإطار تبدو حظوظه أوفر من تحالف “إنقاذ وطن” لتحقيق ذلك.
ويوضح المراقبون أن التحالف الذي شكله التيار الصدري هو تحالف مصلحي، وفي حال استشعرت القوى المنضوية ضمنه، أي ائتلاف السيادة والحزب الديمقراطي الكوردستاني، بأن الأمور تنساب في غير صالحها فإنها بالتأكيد ستعيد مراجعة تحالفها الحالي.
ويلفت المراقبون إلى أن ذلك يبقى رهينة قدرة الإطار التنسيقي على إدارة العملية التفاوضية التي يجريها حاليا، والمتوقع أن تلقى دفعا جديدا من إيران.
مشاركة المقال عبر