غير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تكتيكه؛ فبعد أن كان تحت الضغط لإيجاد توافقات تفضي إلى التصويت على رئيس جديد للعراق ولاحقا على رئيس حكومة، نقل الضغط إلى خصومه في الإطار التنسيقي ممن سماهم جماعة الثلث المعطل وطلب منهم أن يشكلوا الحكومة وأمهلهم أربعين يوما، على أن تلعب الكتلة الصدرية دور الثلث المعطل.
وقالت أوساط سياسية عراقية إن الصدر يريد أن يبدو وكأنه غير راغب في تشكيل الحكومة، وهو يتحدى خصومه إن كانوا قادرين على إنشاء تحالف يتيح لهم توفير النصاب القانوني، لافتة إلى أن هذه المغامرة تخفي هروبا من الضغوط وعدم قدرة على تحمل المسؤولية التي أناطه بها الناخبون لقيادة العراق، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وأضافت أن الصدر الذي تعوّد على مراقبة العملية السياسية من فوق وتوجيه الانتقادات إلى خصومه بات الآن في قلب المشاورات وفي مرمى الانتقادات وانكشفت محدودية قدراته في التفاوض والمناورة، ووجد نفسه مجبرا على أن يكون جزءا من منظومة المحاصصة والترضيات، ولأجل ذلك يحاول الهروب واستعادة دوره الأول كناقد للجميع ومنزّه عن النقد.
ودعا الصدر مساء الخميس قوى الإطار التنسيقي الشيعي وحلفاءها الذين يشكلون الثلث المعطل في البرلمان إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية دون الكتلة الصدرية.
وقال في تغريدة على حسابه الشخصي في تويتر “لكي لا يبقى العراق بلا حكومة فتتردى الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية، ها أنا ذا أعطي الثلث المعطل فرصة للتفاوض مع جميع الكتل بلا استثناء لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من دون الكتلة الصدرية ابتداء من الأول من شهر رمضان المبارك (أبريل) إلى غاية التاسع من شهر شوال (مايو)”.
ودعا الكتلة الصدرية إلى “عدم التدخل في ذلك، لا إيجابا ولا سلبا”.
وفي أول رد فعل على مناورة الصدر بدأ الإطار التنسيقي اتصالاته لأجل “حوار تفاوضي” يمهد للحصول على الكتلة الأكبر، ما يسمح له بانتخاب رئيس جديد ورئيس حكومة.
واعتبر مراقبون أن الصدر وفر لنوري المالكي زعيم تحالف دولة القانون فرصة لم يكن يتوقعها ليقود بنفسه مفاوضات تشكيل الحكومة، خاصة أن لديه خبرات في استقطاب الكتل والمستقلين بتقديم إغراءات الحقائب والوظائف الحكومية، وهو ما يختلف فيه مع الصدر الذي انخرط في لعبة المحاصصة دون أن يتقن طريقة توظيفها للحصول على النصاب القانوني.
ولفت المراقبون إلى أن المالكي يمكن أن يستقطب جزءا لا بأس به من النواب الذين شكل بهم الصدر تحالفه الثلاثي (إنقاذ الوطن)، وأن لديه شبكة علاقات سابقة مع السنة والأكراد يمكنه تحريكها لتفجير التحالف الثلاثي من الداخل، خاصة إذا قدم عروضا أكثر وضوحا للكتل التي يسعى للتحالف معها.
وقال النائب عن دولة القانون ثائر مخيف إن “زعيم التيار الصدري الصدر حدد مدة 40 يومًا لتشكيل الحكومة من قبل الإطار وبالتوافق مع بقية الأطراف، وبالتالي فإن الإطار سيبدأ اتصالاته مع القوى السياسية الأخرى لمعرفة موقفها أو توجهاتها، سواء كانت بالدخول في المفاوضات مع الإطار وتشكيل الحكومة أو الذهاب كثلث معطل، وحتى الآن لم نعرف توجهاتها وقد يكشف ذلك قريبا”.
وتابع “هناك احتمال كبير أن تغير هذه العملية الخارطة السياسية بشكل واسع وأعتقد أن الكرد قد يتفقون على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية”.
واستدرك “سبق أن أوضحنا كإطار أنه لا إقصاء لأحد في الحكومة القادمة، وبالتالي نسعى لعدم إقصاء أحد، ونأمل أن تكون للصدر مشاركة في الحكومة، وسنسعى للتواصل معه إزاء ذلك”.
ويرى المراقبون أن الإطار التنسيقي سيسعى لاستثمار تذبذب أداء الصدر وعجزه عن توسيع تحالفه لتحقيق النصاب الذي يمكّنه من تصعيد مرشحه الحكومي، وأن المالكي سيملأ الفراغ ويتصرف كأنه الفائز فعلا في الانتخابات، وسيستفيد من دعم إيران والميليشيات الموالية لها لربط تحالفات أمتن تقود إلى تحييد الصدر وإخراجه من المشهد.
وكان الإطار التنسيقي كشف الأربعاء الماضي عزمه على طرح مبادرة للحوار الوطني من أجل الخروج من حالة الانسداد السياسي التي عرقلت عقد جلسة للبرلمان العراقي لانتخاب رئيس جديد واستكمال العملية السياسية في البلاد.
وقاد الصدر تحالفا ضم الكتلة الصدرية وكتلة السيادة بزعامة محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني من أجل تشكيل الكتلة الأكثر عددا في البرلمان لإنشاء حكومة أغلبية وطنية، وهو ما أغضب التيارات الشيعية المكونة للإطار التنسيقي الشيعي.
وجدد تحالف “السيادة” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الجمعة، في بيان صحافي مشترك، التمسك بالشراكة مع الكتلة الصدرية لتشكيل حكومة عراقية قوية.
وثمن الجانبان في بيان صحافي مشترك وزع الجمعة دعوة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إلى الإسراع في تشكيل حكومة عراقية قوية تعمل على إيجاد حلول للملفات المعقدة.
ودعا الطرفان إلى الحوار الوطني مع الجميع بعيدا عن التدخلات الخارجية، وإلى ضرورة أن يتفق البيت الشيعي على تسمية مرشح الكتلة الصدرية لرئاسة الحكومة العراقية ضمن برنامج يحظى بتأييد مختلف المكونات والقوى السياسية.
ومن المنتظر أن يعقد البرلمان العراقي يوم السادس من الشهر الجاري جلسة حاسمة لانتخاب رئيس جديد للعراق، وإذا تعذّر ذلك سيدخل العراق في حالة الفراغ الدستوري لمنصب رئيس الجمهورية.