اختُتمت، أمس، الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف بمشاركة الوفد “المسمى من الحكومة” برئاسة أحمد الكزبري ووفد “هيئة التفاوض” المعارضة، برئاسة هادي البحرة، وشخصيات تمثل المجتمع المدني موالية للطرفين، على وقع خلافات كبيرة، إذ ركزت الجولة عل هوية الدولة التي اعتبروها عربية فقط وكذلك رموزها التي لم تخلو أيضاً من التركيز فقط على العروبة وكأن سوريا لا يعيش فيها سوى العرب.
وقدم المشاركون في اليوم الأخير من الجولة السابعة من “الدستورية”، مقترحات وتعليقات خطّية إلى مكتب المبعوث الأممي غير بيدرسن، الذي يسهّل المناقشات بين الكزبري والبحرة لإجراء إصلاحات دستورية بموجب القرار 2254.
وتطلب الاتفاق تقديم مقترحات خطّية في اليوم الأخير من أعمال الجولة، وهي جولة مكوكية من بيدرسن إلى دمشق وموسكو وعواصم أخرى، لأن الوفد “المسمى من الحكومة” رفض ذلك في جولات سابقة.
وبموجب اتفاقات سابقة رعاها بيدرسن، كان على كل وفد أن يقدم ورقة خطّية عن مبدأ دستوري إلى رئاسة الجلسة، لتتم مناقشته بين المشاركين من وفود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني.
وكان بيدرسن قد قال أمام أعضاء مجلس الأمن إن “هناك اختلافات كبيرة” بين وفدي الحكومة والمعارضة، داعياً الطرفين إلى القيام بالمزيد من الجهود “الجادة” لإيجاد أرضية مشتركة تُفضي إلى تطبيق القرار 2254.
واستمع أعضاء مجلس الأمن إلى إحاطة عبر الفيديو من بيدرسن، الذي أشار أولاً إلى اجتماعات الجولة السابعة للجنة المصغرة التابعة للجنة الدستورية، مكرراً أن “سوريا لا تزال واحدة من أخطر الأزمات في العالم”، وأن “هناك حاجة واضحة إلى التقدم نحو حل سياسي يتمشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254” بعد “المَعلم الكئيب المتمثل في 11 عاماً من الحرب”.
وأفاد بأن أعضاء اللجنة ناقشوا في جنيف مسودات نصوص دستورية في أربعة عناوين ضمن المبادئ الدستورية، وهي: أساسيات الحكم وهوية الدولة ورموز الدولة وتنظيم السلطات العامة ومهماتها، مقراً بأن “هناك اختلافات كبيرة” بين وفدي الحكومة والمعارضة، لكنه استدرك أنه من “الممكن إيجاد النقاط المشتركة والبناءة”، مطالباً بالقيام “بمحاولات جادة للبدء في ذلك”.
وكشفت الأوراق والمداخلات التي قُدّمت في الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وحصلت صحيفة الشرق الأوسط على نصّها، أن الورقة التي قدّمها الوفد “المسمى من الحكومة” عن “رموز الدولة” فجّرت خلافاً مع وفد هيئة التفاوض.
هوية الدولة
وقدم ممثلو المجتمع المدني القادمون من دمشق مقترحاً حول “”هوية الدولة”، جاء فيه التمسك باسم “الجمهورية العربية السورية” وأن “العروبة هوية ثقافة حضارية يحكمها الانتماء التاريخي والجغرافي والمصالح والآلام المشتركة للشعب العربي، وأن الجمهورية العربية السورية جزء من الوطن العربي، والشعب السوري جزء من الأمة العربية” وأن العروبة “وعاء حضاري جامع وحاضن لجميع الثقافات بتنوعها وغناها، تتفاعل في إطارها مكونة حضارة هذا الوطن التي أسهمت في إغناء الحضارة الإنسانية، وسوريا دولة ديمقراطية، ويكفل القانون التعددية السياسية والحزبية التي تقود الحياة السياسية” وأن “اللغة الرسمية هي العربية”.
خلال المناقشات، حذّر بعض المشاركين من ضرورة “ألا تطغى العروبة على هويات من هم ليسوا عرباً، وأن الاعتراف بدور للعروبة في النص لا يجب أن يكون على حساب هويات وثقافات ولغات مكونات أخرى”. وقال أحد المشاركين: “نقاط الخلاف الأساسية بالنقاش هي بين العروبة كهوية مكون ثقافي محدد، مقابل المكونات الأخرى، أو الهوية كمشروع حضاري جامع”.
رموز الدولة
في اليوم الثالث، قدّم وفد الحكومة برئاسة الكزبري، في جلسة برئاسة البحرة، مقترحه حول “رموز الدولة”، ونص: “تمثل رموز الجمهورية العربية السورية قيماً وطنية عليا وحضارية راسخة، وتعبر عن تاريخها وتراثها ووحدتها، وهي كل غير قابل للتعديل…
1 – علم الجمهورية العربية السورية الذي يتألف من 3 ألوان؛ الأحمر والأبيض والأسود، وفيه نجمتان.
2 – “حماة الديار عليكم سلام” هو النشيد الوطني للجمهورية العربية السورية.
3 – اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية العربية السورية.
4 – الليرة السورية هي عملة الجمهورية العربية السورية ووحدة قياس نقدها.
5 – شعار الجمهورية العربية السورية هو ترس عربي نقش عليه العلم الوطني للجمهورية العربية السورية بألوانه، ويحتضن الترس عقاب يمسك بمخالبه شريطاً كتب عليه بالخط الكوفي “الجمهورية العربية السورية” وفي أسفل الترس سنبلتا قمح، ويكون العقاب والشريط وسنبلتا القمح باللون الذهبي، وتكون الكتابة وخطوط الأجنحة باللون الفاتح البني.
في المناقشات، أثير جدل موسع حول عبارة “غير قابل للتعديل” في بداية الورقة الرسمية. كما جرى نقاش “أي مواد في الدستور محصنة أم لا”. وقال معارضون إن “هذه الرموز اليوم موضع خلاف، وإن إدراجها في الدستور سيكون مرفوضاً أيضاً من أجزاء كبيرة من الشعب”. وقدمت مقترحات معاكسة حول معاني وتسلسل الأعلام والرموز السورية، مع اقتراح “تأجيل إدراج الرموز إلى القوانين بعد إقرار الدستور واختيار أول برلمان سوري منتخب بشكل شفاف وعادل”.
واستمرت النقاشات مساء اليوم الثالث (الأربعاء)، حول “رموز الدولة”؛ حيث قدمت مداخلات عن تاريخ الرموز الوطنية في الدساتير السورية وفي الثقافة السورية، فيما قال أعضاء من وفد الحكومة إن “المساس بالرموز في هذه المرحلة لا يهدد فقط شعور المواطنين بالأمان، بل يصبّ في صالح المؤامرة القائمة على وحدة البلاد، التي تستهدف الرموز لاستهداف الوطن”.
في المقابل، قال معارضون: “الرموز استخدمت أحياناً كثيرة لتشرعن العنف ضد الشعب، وإن عملية كتابة الدستور يجب أن تراعي حساسيات كل الأطراف وحاجتها إلى التطمينات الأساسية لكي يصار إلى عملية إعادة توحيد البلاد شعباً وأرضاً، وإلا فإن الدولة مهددة بالتقسيم”.
السلطات العامة
وعرض الكزبري والبحرة صباح أمس (الخميس)، للمشاركين منهجية العمل لليوم الأخير (الجمعة)؛ حيث يمكن لجميع الأعضاء الأفراد تقديم مقترحات تعديلية للمبادئ إلى مكتب المبعوث الخاص، ثم قدّم وفد “الهيئة” مقترحه حول “عمل السلطات العامة”، الذي نص على أن “تُنظم السلطات العامة في الدولة على أساس الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتمارس المؤسسات والهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية سلطاتها ضمن الحدود التي يقرها الدستور، وتخضع في تنظيمها وأداء مهامها لأحكام القوانين والتشريعات، بما لا يتعارض مع أحكام الدستور. كما تلتزم باحترام وإنفاذ الحقوق والحريات الأساسية، المنصوص عليها في الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة السورية”.
واعتبر مشاركون “فصل السلطات مفهوماً فلسفياً مجرداً” وأنه في “القانون الدستوري العملي تداخلات كبيرة بين السلطات”. وقُدّمت مداخلات حول ضرورة التمييز بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبينهما وبين السلطة القضائية، والتوازن بين السلطات”. وقال أحد المشاركين: “احتدم النقاش في بعض الأوقات، لكنه بقي مهذباً، وفي بعض الأحيان تم تبادل أفكار عملية”.