حط “قطار التسويات” التي تفرضها الحكومة السورية في ريف دمشق بمنطقة القلمون الغربي التي تعدّ منطقة نفوذ “حزب الله” اللبناني؛ إذ بدأت العملية في مدينة التل، وسط حالة استغراب من قبل الأهالي؛ لأنه سبق للحكومة أن فرضت “اتفاق تسوية” في المنطقة استعادت من خلاله السيطرة عليها.
وبدأت “عملية التسوية” في مدينة التل وما حولها بريف دمشق يوم الثلاثاء المنصرم، وادعت وكالة سانا الناطقة باسم الحكومة أن المركز الذي افتتحته “الجهات المختصة” (الأجهزة الأمنية) شهد “إقبالاً كثيفاً من الراغبين بتسوية أوضاعهم والعودة لحياتهم الطبيعية؛ سواء مدنيين مطلوبين أو عسكريين فارين، وأيضاً (المتخلفين) عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية”.
والتل تتبع إدارياً محافظة ريف دمشق، وهي مركز منطقة في القلمون الغربي، وتتبعها بلدات وقرى: منين ومعربا والدريج وبدا وتلفيتا وحلبون ومعرونة وصيدنايا ومعرة صيدنايا ورنكوس وعكوبر وحوش عرب والتواني وحلا وعسال الورد.
وخلال سنوات الحرب الأولى سيطرت “جبهة النصرة”؛ التي كان يتزعمها هناك “أبو مالك التلي”، على أغلبية بلدات وقرى القلمون الغربي إلى أن شنت قوات الحكومة السورية بمساندة “حزب الله” بداية عام 2016 عملية عسكرية هناك انتهت باتفاق على تهجير مسلحي المعارضة إلى شمال البلاد وسيطرة دمشق و”حزب الله” عليها. وأكدت مصادر أهلية لصحيفة “الشرق الأوسط” أن مسلحين من “الحزب” لا يزالون يوجدون حتى الآن في القلمون الغربي؛ خصوصاً في المناطق القريبة من الحدود مع لبنان.
وقوبل الإعلان الرسمي عن بدء “عملية التسوية” في مدينة التل، باستغراب من قبل مصادر محلية في القلمون الغربي تحدثت لـ”الشرق الأوسط”، وأوضحت أنه عند فرض الحكومة “اتفاق التسوية” السابق في المنطقة قبل 6 سنوات، انضم قسم من مسلحي فصائل المعارضة الذين كانوا فيها إلى مجموعات مسلحة موالية للحكومة وأخرى مقربة من روسيا وإيران الداعمتين لدمشق، على حين جرى تهجير القسم المتبقي إلى إدلب. لكن المصادر لم تستبعد وجود أعداد قليلة من الشبان في المنطقة متخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية في الجيش النظامي، وأن الحكومة قد تكون تستهدف هؤلاء من وراء “التسوية الجديدة”.
وبعدما ربطت مصادر متابعة لملف “التسويات” ما تقوم به دمشق من “تسويات جديدة” بمحاولاتها إعادة العلاقات مع دول في المنطقة التي يوجد فيها مغتربون سوريون من أهالي القلمون ومحافظة درعا جنوب البلاد، وصفت لـ”الشرق الأوسط”، الترويج الذي تقوم بها دمشق عبر وسائل إعلامها للعملية بأنه “مجرد كلام إعلامي”، وعدّت أن حديث دمشق عن “إقبال كثيف” على “التسويات” غير صحيح وأنه “مجرد كلام إعلامي”، ولفتت إلى أن المعلومات تفيد بأن من طلبت الأجهزة الأمنية تسوية أوضاعهم في داريا جميعهم متخلفون عن الخدمة الإلزامية وعددهم لا يتجاوز بضع عشرات. وتؤكد المصادر أن مشاهد التجمعات أمام مراكز “التسويات” في أرياف دمشق وحلب والرقة ومدينة دير الزور، والتي تنشرها وسائل إعلام الحكومة، معظم من فيها جرى “إيهامهم” من قبل شخصيات موالية للحكومة تعمل على تسويق تلك “التسويات” (رجال دين، وجهاء، مخاتير وتجار) بأنهم “مطلوبون”.
واللافت، أن بدء تنفيذ “التسوية الجديدة” في التل يأتي بعدما توقفت العملية في مناطق ريف دمشق منذ انتهاء تنفيذها بداريا في 12 فبراير (شباط) الماضي.
وبدأ فرض “التسويات الجديدة” بريف دمشق في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، في بلدة الكسوة ومحيطها بريف دمشق الجنوبي (الغربي).
وكان معظم مناطق ريف دمشق انضم إلى الحراك السلمي الذي اندلع منتصف مارس (آذار) 2011 ومن ثم ما لبث أن تحول بعد أشهر إلى حرب طاحنة بين فصائل المعارضة المسلحة والجيش النظامي وحلفائه. وقد استعادت دمشق، بمساندة روسيا وإيران، السيطرة على مناطق ريف دمشق.
ويأتي فرض “التسويات الجديدة” بعدما كانت الحكومة أجرت في سنوات سابقة “اتفاقات تسوية” في مناطق ريف دمشق مع فصائل المعارضة المسلحة ومنها أكثر من مرة، والتي أفضت إلى استعادتها السيطرة على تلك المناطق وترحيل الرافضين الاتفاقات إلى الشمال السوري، كما حدث في التل بداية عام 2016، وداريا ومعضمية الشام أواخر أغسطس (آب) من العام نفسه، وكناكر أواخره، وقرى وادي بردى في بداية 2017. وبلدات يلدا، وببيلا، وبيت سحم، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، ودوما (في الغوطة الشرقية) في أبريل (نيسان) 2018.
وفي وقت سابق، رأى متابعون لملف “التسويات” لـ”الشرق الأوسط” أن الحكومة بفرضها “تسويات جديدة” في مناطق سبق أن استعادت السيطرة عليها تريد “ترسخ سيطرتها بشكل كامل على تلك المناطق، ومن ناحية أخرى تريد فرض رؤيتها لـ(الحل)، والقول إن هذه (التسويات) هي الحل، وليست (التسوية السياسية)، خصوصاً بعد فرضها التسوية أواخر العام الماضي بمساندة من حليفها الروسي في درعا”
مشاركة المقال عبر