لقد فشلت أربيل في منع طهران من “تعنيفها” بوحشية رغم سنوات التقارب على جميع الأصعدة بين الطرفين، لكن لا يزال بإمكان بغداد وأربيل كسب الصراع الأكبر لإنقاذ إقليم كردستان من التبعية الإيرانية والتركية وإنقاذ بغداد كذلك.
كشف الهجوم الإيراني الهمجي على أربيل بـ12 صاروخا باليستيا عن الفجوة بين التطلعات التنموية والاقتصادية والسياسية المتصاعدة لأربيل والموارد المتواضعة جدا التي خصصتها عاصمة الإقليم للدفاع عن هذه التطلعات.
أعلنت أربيل أنها بيضة القبان والفيصل السياسي بين القوى الشيعية المتنافسة على السلطة في بغداد، لكنها لم تكسب من هذا الدور أي استثمارات أو منافع مادية أو اقتصادية أو سياسية بل وأمنها بات يتعرض للتهديد. وحتى الآن فشلت عاصمة الإقليم في استدعاء الحلفاء الداخليين والإقليميين المناسبين الذين يدعمون دورها كقوة مساهمة في استقرار العراق بدلا من استغلالها من قبل إيران وتركيا في إضعافه وإضعاف الإقليم. وربما تتمكن أربيل أخيرا من لعب هذا الدور بما يخدم مصالحها، وقد يكون الرد الأمثل على قصف طهران لأربيل الإسراع في إعلان تحالف سياسي يضم جميع القوى الرافضة للسلوك الإيراني في العراق و يشكل الكتلة الأكبر في البرلمان.
لكن رب ضارة نافعة، قدمت إيران بقصفها الصاروخي لأربيل عن غير قصد خدمة للإقليم والقوى العراقية غير المقربة من إيران في التركيز على أمنهما المشترك بدلا من الانجرار وراء الصراعات المصلحية الضيقة. وهي فرصة تاريخية لإعادة تجميع صفوف الفريقين والظهور كمنافسين أشداء للمصالح الإيرانية في العراق ومن يمثلها من أحزاب. وليس فقط مع هؤلاء ولكن أيضا مع الجماعات التركية المهددة لأمن الإقليم، والعمل على إعادة بناء النظام الداخلي للعلاقة بين العرب والأكراد في العراق التي لطالما عاشت على حافة الانهيار.
أربيل لا تزال قادرة على معاقبة إيران، وشركائها الشيعة والسنة العرب لا يزالون قادرين على التخلص من الهيمنة الإيرانية التي باتت تزعجهم، صرح بذلك على نحو متواضع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في أكثر من مناسبة، وكذلك العرب السنة الذين دمرت محافظتهم الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران.
لقد خلق عدوان طهران فرصة استراتيجية للمعترضين على سياساتها في العراق للتحالف معا ويصادف بأن هؤلاء فازوا في الانتخابات وهم قادرون على تشكيل حكومة في بغداد قد تتسبب بصداع كبير لإيران.
لكن كيف ينجح ذلك؟
إعادة التحالف الدفاعي مع واشنطن: رغم أن واشنطن تريد الابتعاد عن مشاكل الشرق الأوسط، لكن على أرض الواقع لا يبدو أنها مستعدة فعلا للتخلي عن الأكراد. ففي أربيل تقع واحدة من أكبر القواعد الأميركية في العراق. أبدت واشنطن استعدادها لتعزيز قدرات العراق الدفاعية وعلى بغداد وأربيل عدم تفويت الفرصة. يجب أن تتعلم طهران أن كل انتهاك وتصعيد أمني في العراق سيقابله تقارب أكبر مع واشنطن على عكس ما تطمح إليه.
لكن على الإقليم إقناع شركائه في تعزيز قوتهم الدفاعية مع الولايات المتحدة على نحو يصب في مصلحة العراق بدلا من الضرر بها. الحكومة العراقية المقبلة إن شكلتها “كتلة الأغلبية الوطنية” يمكنها أن تسهم بخلاص كردستان من ضغوط إيران وكذلك العراق. على الإقليم في المقابل الاندفاع نحو تكامل أعمق في العراق ليقلل خطر تحوله إلى ساحة مواجهة إقليمية.
إن تعزيز قدرات العراق الدفاعية في بغداد أو أربيل يجب أن يصبح هدفا رئيسيا للولايات المتحدة والحكومتين في الإقليم والمركز، إعادة تسليح رئيسي متعدد الأطراف ضد أي موجة قادمة من العدوان الإيراني.
يجب على القوى السياسية المتحالفة مع أربيل استغلال الأزمة الحالية لإضعاف قدرة النفوذ الإيراني في التخريب والإكراه والتدخل في إدارة الدولة. لن تكون للعراق، بضمنه الإقليم، فرصة أفضل من هذه لتهيئة نفسه للتخلص من النفوذين الإيراني والتركي.
استمالة السليمانية: تسعى إيران لمواجهة التدخل التركي المتزايد في شمال العراق، التقارب العميق بين أربيل وأنقرة يستنفر طهران، وترد عليه بتعميق التقارب مع الاتحاد الوطني الكردستاني الممتعض من هيمنة غريمه الديمقراطي على المكاسب السياسية، ما يهدد بتدمير التحالف الكردي الهش والعودة إلى سنوات الصراع المسلح بين الحزبين الكرديين البارزين والمنتفع الأكبر من هذا الصراع هما أنقرة وطهران.
يجب على أربيل استمالة السليمانية وإشراكها في المكاسب السياسية مقابل أن يتخلص الطرفان الكرديان شيئا فشيئا من تبعيتهما التركية والإيرانية والتركيز على شراكة حقيقية مع بغداد ولكن المهمة ليست بهذه السهولة، الأكراد بحاجة أيضا لشركاء عرب موثوقين يمتلكون رغبة ونية صادقة في التخلص من التبعية الإيرانية والتركية المؤثرة في سائر القوى السياسية العراقية بمختلف أطيافها على حد السواء بالسلب أو بالإيجاب. ردة فعل مقتدى الصدر تبدو متوافقة مع هذا الاتجاه وكذلك القوى السنية العربية التي أدانت القصف الصاروخي الإيراني.
البحث عن شركاء اقتصاديين جدد: تتراوح صادرات إيران للإقليم من 4 إلى 5 مليارات دولار سنويا وفق تقديرات عام 2019، بالمقارنة فإن صادرات إقليم كردستان إلى إيران لا تكاد تذكر. هناك عدد من كبير من الشركات الإيرانية في الإقليم بالإضافة إلى المنافذ غير المرخصة. في حين أن استثمارات تركيا في العراق تتركز بشكل أساسي في إقليم كردستان، فإن استثمارات إيران ومجال نفوذها العام يقعان في جنوب العراق وتفوق صادراتها 9 مليارات دولار سنويا في المنطقة ذات الأغلبية الشيعية التي لا تبدو اليوم راضية عن السلوك الإيراني. ويصادف أن الأطراف الشيعية والكردية الممتعضة من السلوك الإيراني متفقة على تشكيل حكومة مشتركة. يمكن لهذه القوى بسهولة إلحاق ضرر بالغ بالاستثمارات التركية والإيرانية داخل العراق في حال استمرت سياسات الطرفين بإلحاق الضرر بمصالح بغداد وأربيل. وبالتزامن يجب أن تسعى الأخيرتان لتنويع شراكتهما الاقتصادية بمعزل عن التأثير التركي – الإيراني والبحث عن شركاء اقتصاديين جدد.
رشا العزاوي – صحافية عراقية – صحيفة العرب
مشاركة المقال عبر