يحذر المراقبون من أن صعوبة الحصول على إمدادات القمح خلال الأشهر القادمة بسبب الحرب في أوكرانيا قد تؤثر بشكل كبير على دول عربية كثيرة خاصة منها التي لا يكفي مخزونها لأشهر محدودة بالرغم من تطمينات الجهات الرسمية، وأن ذلك قد يقود إلى احتجاجات شبيهة بثورات الخبز.
وفي وقت يستعر فيه النزاع في أوكرانيا بعد الغزو الروسي، قد يجد المصريون واللبنانيون واليمنيون ومواطنون من دول عربية أخرى، صعوبة في توفير الخبز على طاولة الطعام كون روسيا وأوكرانيا أول موردي القمح بالنسبة إليهم.
ويقول معهد الشرق الأوسط للأبحاث إنه “إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح” للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، “قد تؤدي الأزمة إلى تظاهرات جديدة وعدم استقرار في العديد من الدول”.
ويبدو أن السودان الذي يعاني من تراجع في احتياطاته النقدية منذ توقف المساعدات الدولية رداً على الانقلاب العسكري في أكتوبر، سيكون أول المتضررين. فعندما اندلعت الحرب، كان الرجل الثاني في السودان في زيارة إلى موسكو من أجل البحث في المبادلات التجارية مع روسيا، أكبر مصدّر للقمح في العالم.
ولم ينسَ الجنرالات الذين يسيطرون على الحكم في السودان أن واحدا منهم، الرئيس السابق عمر البشير، سقط في 2019 بعد احتجاجات أشعلها ارتفاع سعر الخبز ثلاثة أضعاف.
ويأسف الموظف في العاصمة اليمنية صنعاء وليد صلاح الذي يتأخر راتبه بانتظام، لتحوّل الخبز إلى سلعة فاخرة بالنسبة إلى الملايين من اليمنيين الذين يعانون من الجوع في بلد نخرته الحرب.
ويوضح صلاح لوكالة الصحافة الفرنسية “الناس حاليا بالكاد يستطيعون توفير الغذاء الأساسي، وأعتقد أن الحرب الروسية – الأوكرانية ستلقي بظلالها على الشعب اليمني وستزيد الطين بلّة”.
ويقول المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الموجود أيضا في اليمن ديفيد بيسلي “كنّا نظن أننا وصلنا إلى القاع، لكن لا، الحال أسوأ (…) نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، سيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي”.
ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، تتسبّب حرب أخرى في سوريا في تجويع 12.4 مليون سوري. بينما كان هذا البلد مكتفيا ذاتيًا من القمح حتى عام 2011، تاريخ اندلاع النزاع فيه، واضطر، بعد سنوات من الحرب التي ساعدت فيها روسيا الحكومة السورية عسكريًا، “إلى شراء 1.5 مليون طن من القمح في عام 2021، معظمها من موسكو” ، وفقًا للموقع المتخصص “ذي سيريا ريبورت”.
وتقول دمشق إنها تعمل الآن على توزيع المخزونات لاستخدامها على مدى شهرين.
أما في لبنان المجاور حيث أدى انهيار النظام المصرفي إلى إفقار 80 في المئة من السكان وانفجار مرفأ بيروت إلى تدمير إهراءات القمح، فالمخزون أقل.
وقال ممثل مستوردي القمح في لبنان أحمد حطيط “لدينا خمس بواخر في البحر حالياً محملة بالقمح، جميعها من أوكرانيا. المخزون الحالي بالإضافة إلى البواخر الخمس يكفي لشهر ونصف”.
وأضاف “لبنان يستورد بين 600 و650 ألف طن سنوياً، 80 في المئة منها من أوكرانيا”، عبر بواخر تصل لبنان خلال سبعة أيام.
ويضيف أما “البديل عن أوكرانيا فهو الولايات المتحدة، إلا أن الفرق يكمن في أن الشحنة تحتاج إلى 25 يوماً من الولايات المتحدة (…) لبنان قد يدخل في أزمة”.
وفي المغرب العربي حيث يعتبر القمح أساسيا لصناعة الخبز أو الكسكسي، قررت الحكومة المغربية زيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، وعلّقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.
لكن تونس غير قادرة على فعل ذلك. ففي ديسمبر، رفضت البواخر تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها، وفق ما ذكر الإعلام في تونس حيث يتزايد الدين مع ذوبان احتياطات العملات الأجنبية.
وتستورد تونس 60 في المئة من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولديها مخزون يكفي حتى يونيو القادم، كما أكد عبدالحليم قاسمي من وزارة الزراعة.
وذكرت وزارة الزّراعة التّونسية، في منشور عبر فيسبوك إنّ “حاجيات البلاد من الحبوب مؤمَنة حتى نهاية مايو المقبل بالنسبة إلى القمح الصلب والشعير، وإلى نهاية يونيو بالنسبة إلى القمح الليّن”.
وقالت الوزارة في بيانها إن تونس “ستكون خلال هذه المرحلة في منأى عن الاضطرابات الناتجة عن الصراعات بمنطقة حوض البحر الأسود، باعتبار أن المُزوّدين قاموا بالتحول إلى مصادر أخرى مثل الأرجنتين والأوروغواي وبلغاريا ورومانيا بالنسبة إلى القمح اللّين أساسا، وفرنسا بالنسبة إلى شعير العلف”.
وأكد البيان على أن “كل الجهود متجهة خلال هذه الفترة لتأمين وصول الشحنات المتعاقد عليها إلى الموانئ التّونسية”.
ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 ملايين طن (1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللّين، ومليون طن شعير)، وفق ديوان الحبوب (حكومي).
وفي الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم، يكفي المخزون ستة أشهر على الأقل.
وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، واشترت 3.5 مليون طن من القمح حتى منتصف يناير، وفقًا لشركة “أس أند أس غلوبال”.
وحتى بعد أن بدأت القاهرة في السنوات الأخيرة، بشراء القمح من موردين آخرين، لاسيما من رومانيا، فقد استوردت في عام 2021 50 في المئة من القمح من روسيا و30 في المئة من أوكرانيا.
وأكدت الحكومة أن لديها “مخزونا استراتيجيا يكفي الدولة فترة تقرب من تسعة أشهر” لتغذية 103 ملايين نسمة يتلقى 70 في المئة منهم خمسة أرغفة خبز مدعومة.
لكنها أضافت “لن نستطيع شراء القمح بالسعر الذي كنا نحصل عليه قبل الأزمة الروسية – الأوكرانية”، خصوصا أن أسعار القمح بلغت أعلى مستوى في شيكاغو منذ 14 عامًا، إذ وصلت إلى 344 يورو للطن.
وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم، تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره.
وفي عام 1977، رفّع الرئيس أنور السادات في سعر الرغيف، وعلى الفور اندلعت “انتفاضة الخبز”، ولم تتوقف حتى عاد الرغيف إلى سعره القديم.
مشاركة المقال عبر