شكل اغتيال رجل الأعمال القبرصي المنافس للمافيا خليل فلايلي مؤخرا أحدث حلقة في الحرب الخفية التي تدور في تركيا حول الأموال غير المشروعة وتهريب المخدرات.
وكان زعيم المافيا التركي سادات بكر اتهم فلايلي العام الماضي بأنه لاعب رئيسي في تجارة الكوكايين، وبالتعاون في ذلك مع إركان يلدريم، ابن رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدريم.
وقال بكر إن تركيا صارت منذ فترة طويلة جزءا من طريق رئيسي لتجارة الهيروين ومركزا للكوكايين، وبحسب تقرير لصحيفة العرب، تثير هذه التطورات التساؤل عما إذا كانت تركيا في سبيلها إلى أن تصبح دولة مخدرات ثالثة في الشرق الأوسط، إلى جانب لبنان وسوريا؟
ويشكل ذلك محور بحث أعده الباحث والمحلل السياسي الدكتور أيكان إردمير، وهو عضو سابق بالبرلمان التركي ومدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والباحث كورسات جوك، طالب الدراسات العليا في كلية بول نيتز للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية وباحث متدرب في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
وزعم تيمور سويكان -وهو صحافي استقصائي تركي بارز- أن فلايلي المعروف بامتلاك مجموعة كبيرة من مقاطع الفيديو المشبوهة لشخصيات سياسية رئيسية في تركيا ربما استخدم أحدها لابتزاز إركان يلدريم من أجل فتح طريق لتهريب الكوكايين من أميركا اللاتينية. وقال صحافي استقصائي آخر يدعى إرك أكارير ويقيم في برلين إن فلايلي كان يبتز الساسة وموظفي الحكومة بفيديوهات “غير لائقة”.
واتهم رئيس دولة شمال قبرص (القبارصة الأتراك) السابق، مصطفى أكينجي، فلايلي بأن له علاقات غير مشروعة مع الحكومة المتشددة وأنه يدعمها. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يعقب مقتل فلايلي اندفاع العشرات من متحدثي اللغة التركية إلى موقع تويتر، معتبرين أن الهجوم عليه محاولة لإسكاته.
وقبل أسبوع من اغتيال فلايلي تحدث وزير الداخلية التركي سليمان صولو بفخر عن تزايد عمليات ضبط ومصادرة المخدرات إلى أعلى مستوى في تاريخ الجمهورية التركية. وأوضح أنه في عام 2021 فقط تم ضبط 2.8 طن من الكوكايين. ويبدو ذلك بالنسبة إلى آخرين مثيرا للفزع. وزادت عمليات ضبط الكوكايين في البلاد بشكل مطرد خلال السنوات الماضية: 1.5 طن في 2018، ثم 1.6 طن في 2019، و 1.9 طن في 2020.
وتمكنت الشرطة التركية في يونيو الماضي من ضبط 1.3 طن من الهيروين، كانت مخبأة وسط صفقة موز قادمة من الإكوادور إلى ميناء مرسين التركي على البحر المتوسط، في أكبر عملية ضبط في تاريخ البلاد. وعثرت الشرطة على نصف طن من الكوكايين في نفس الميناء في وقت لاحق.
وتعتبر هذه الأرقام قمة جبل الجليد فحسب ولا تتضمن شحنات الكوكايين التي جرى ضبطها في أميركا اللاتينية وهي متجهة إلى تركيا؛ فعلى سبيل المثال صادرت الشرطة الكولومبية في شهر يونيو الماضي 4.9 طن من الكوكايين كانت في طريقها إلى ميناء أمبارلي بإسطنبول، وقبل ذلك بشهر صادرت شرطة بنما 1.3 طن من المخدرات كانت في طريقها من أكبر ميناء في الإكوادور -بويرتو بوليفار- إلى ميناء مرسين التركي.
وبالإضافة إلى الطرق البحرية يستخدم المهربون الطيران؛ ففي أغسطس الماضي صادرت الشرطة البرازيلية 1.3 طن من الكوكايين على متن طائرة تركية خاصة كانت تملكها في السابق رئاسة الوزراء التركية، ولكن تقوم بتشغيلها الآن شركة خاصة يديرها مرشح برلماني من حزب التنمية والعدالة.
ويشتبه الكثير من المواطنين الأتراك في تورط مسؤولين في تسهيل عمليات تهريب المخدرات وحماية المهربين. وأقام يلدريم قضية ضد سادات بكر لاتهامه إياه بأنه طرف رئيسي في تهريب الكوكايين، مما دفع بكر إلى الفرار إلى دولة الإمارات حيث يعيش في منفى اختياري منذ العام الماضي.
ويقول بكر إن يلدريم الابن، الذي يمتلك شركة شحن بحري بحسب “ملفات مالطا”، زار فنزويلا مرتين في 2021 لتأسيس طريق جديد للتهريب بعيدا عن متناول وكالة إنفاذ القانون الأميركية.
وانبرى يلدريم الأب للدفاع عن ابنه، وقال إنه سافر إلى فنزويلا لتسليم أجهزة اختبارات الكشف عن فايروس كورونا وكمامات، ولكن سجلات الجمارك التركية وشهادات مواطنين أتراك في فنزويلا كذبت ذلك.
وفي الوقت نفسه كان فلايلي يواجه لائحة اتهام جنائية أمام محكمة فيدرالية بولاية فيرجينيا على خلفية غسيل أموال عائدات المخدرات عبر النظام المالي الأميركي.
ويقول إردمير وجوك في تحليلهما إن ما يثير المزيد من التساؤلات بشأن تواطؤ مسؤولين أتراك هو أن الكوكايين المتجه إلى تركيا يأتي بصورة غير متناسبة من ميناء بويرتو بوليفار، الذي فازت شركة تركية يدعمها الرئيس رجب طيب أردوغان بعقد امتياز لإدارته خمسين عاما.
ومما يلفت نظر المواطنين الأتراك بشأن إفلات الشخصيات المرتبطة بالحزب الحاكم من العقاب هو تورط الكوادر الدَنيا من الحزب في عمليات التهريب وليس عمليات المصادرة الضخمة في الموانئ البحرية والجوية.
وفي مارس عام 2021 انتشرت صور لكورسات آيفات أوغلو، المساعد البرلماني لنائب رئيس حزب العدالة والتنمية، وهو يتعاطى الكوكايين داخل سيارة فارهة، ولكنه برأ نفسه قائلا إنه كان يشم “سكر بودرة”.
وفي عام 2020 ضبط مسؤولو الجمارك التركية 100 غرام من الهيروين في سيارة المستشار الصحافي السابق لسفارة أنقرة في بروكسل، والذي كانت له صلات وثيقة بشخصيات في حزب العدالة والتنمية. وأخفت السلطات التركية النبأ عن الصحافة، ثم فرضت حظر نشر.
ويتوقع التحليل أن تجعل الأزمة المالية في تركيا وحاجة البلاد المتنامية إلى العملة الصعبةِ النخبةَ السياسية والمواطنين المكافحين أكثر عرضة لجاذبية أموال المخدرات. ويبدو أن مهربي المخدرات يتمتعون بالقدرة على الإفلات من العقاب، وأن عمليات ضبط المخدرات ما هي إلا واجهة لإخفاء الحجم الحقيقي.
وفي الختام يرى إردمير وجوك أنه إذا انضمت تركيا إلى لبنان وسوريا، كدولة مخدرات ثالثة في شرق المتوسط، فسوف يفاقم ذلك مشكلات تهريب المخدرات وغسيل الأموال التي تعاني منها المنطقة، كما سيوفر للجهات الفاعلة غير المشروعة وغير الحكومية فرصا أكبر يمكنها أن تنتهزها.
مشاركة المقال عبر