إن إفشال هجمات تنظيم الدولة الإسلامية على سجن الصناعة في مدينة الحسكة، أظهر العديد من الحقائق التي كانت لا تزال مجهولة حتى الآن، وفي مقدمتها أن الشعب المنظم الذي يدافع عن نفسه قادر على الوقوف بوجه أعتى الأعداء والمتربصين.
كشفت قوات سوريا الديمقراطية وفي مؤتمر صحفي يوم الاثنين، أحداث ما جرى في سجن الصناعة بمدينة الحسكة بعد أن شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً عليه في الـ 20 من كانون الثاني.
البيان كشف العديد من الحقائق، منها مشاركة قوى إقليمية في الإعداد والتخطيط للهجوم ودعم عناصر تنظيم الدولة الإسلامية خلال هجومهم على السجن الذي يضم الآلاف من عناصر التنظيم الذين اعتقلوا بعد القضاء عليه جغرافياً في آذار/مارس عام 2019 بآخر معاقله في بلدة الباغوز بريف دير الزور، وفي مقدمة هذه الدول تركيا.
كما كشف البيان أيضاً عن بعض أماكن قدوم عناصر التنظيم وقال: “وفق المعلومات التي بين أيدينا، واعترافات المرتزقة المُهاجمين الذين تَمَّ اعتقالهم، قسمٌ من المرتزقة المهاجمين قَدِموا من المناطق المحتلّة مثل سري كانيه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض، وقسمٌ آخر قَدِمَ من العراق كمؤازرة لهم. لكن أساس المخطّط وإدارة الهجوم “أي غرفة العمليّات”، ووفق الوثائق، تَمَّ الإعداد لها خارج الحدود السُّوريّة”.
وبدون أدنى شك فأن الطرف الوحيد في المنطقة المعروف بدعمه اللامحدود لتنظيم الدولة الإسلامية هو النظام التركي الذي يقوده رجب طيب أردوغان، إذ سبق وقد قتلت قوات التحالف الدولي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي بالقرب من الحدود التركية في محافظة إدلب حيث السيطرة المطلقة للجيش التركي.
كما سبق وقد انتشرت مقاطع فيديو لعناصر من التنظيم أثناء سيطرتهم على المناطق الحدودية من سوريا مع تركيا، وهم يلوحون بأيديهم للجنود الأتراك ويرد الجنود التحية لهم. ولا ننسى أن تنظيم الدولة الإسلامية أعاد 49 عاملاً في القنصلية التركية بالموصل إلى تركيا من بوابة مدينة تل أبيض/كري سبي عام 2014 بعد شن التنظيم الهجمات على الموصل، والمعروف عن التنظيم بأنه كان يقطع رؤوس الخاطفين ويهدد دولهم بهم، ولكنه لم يفعل ذلك مع الرهائن الأتراك بل أعادهم سالمين وعبر الأراضي السورية إلى تركيا. وهذا ما يؤكد الترابط الوثيق بين النظام التركي وتنظيم الدولة الإسلامية.
وفي النصف الثاني من عام 2021 شنت طائرات التحالف الدولي عدة غارات على المناطق التي تسيطر عليها تركيا (بلدة سلوك وريف سريه كانيه وإدلب) حيث مناطق سيطرة القوات التركية وقتلت عدداً من قيادات تنظيم الدولة الإسلامية هناك.
المخطط كان كبيراً جداً ولكن قوات سوريا الديمقراطية وبحنكتها وسرعة تحركها استطاعت إفشال المخطط الذي لم يكن يستهدف الكرد فقط، بل كل مكونات المنطقة والمكتسبات التي حققوها طيلة السنوات السابقة وكان يخدم تركيا بالدرجة الأولى والحكومة السورية وداعميها روسيا وإيران بالدرجة الثانية. فلو كان الهجوم قد نجح لكان فتح الباب أمام مجازر وإراقة دماء الكرد والعرب والسريانيين والآشوريين في الحسكة ولما كان قد أبقى على احد ولأعلن التنظيم عودة ما يطلق عليها “الخلافة” مرة أخرى.
صحيح أن قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي تحركت بسرعة في التصدي للهجمات وإفشال المخطط، لكن يجب أن لا ننسى موقف سكان مدينة الحسكة، وعلى وجه الخصوص المكون العربي الذي أبلى بلاء حسناً في إفشال المخطط.
فالتنظيم وداعموه كانوا يراهنون على خداع المكون العربي في محيط سجن الصناعة المعروف بوجوده في حي الغويران الذي يقطنه غالبية عربية مطلقة، وكانوا منذ زمن ينفثون النار في الرماد ويحرضون العرب على الإدارة الذاتية عبر نعتها بالإدارة الكردية، ولكنهم لم يكونوا يعلمون أن العرب شركاء في هذه الإدارة مثلهم مثل الكرد والسريان والآشور والتركمان.
وقوف أبناء أحياء الغويران والزهور والنشوة إلى جانب القوى العسكرية وإرسال المعلومات لها عن تحركات عناصر التنظيم الذين تحصنوا بين المنازل، كان له الدور الحاسم في وصول القوات إلى تلك الخلايا المختبئة ومواجهتها والقضاء على تهديداتها، هذا الالتفاف من قبلهم حول قوات سوريا الديمقراطية أكدته قسد في بيانها وشكرتهم على هذا الموقف النبيل.
في المحصلة؛ الهجوم كان مدروساً ومخططاً وكان له غايات كثيرة، وإفشاله أثبت العديد من الحقائق. أول هذه الحقائق إن قوات سوريا الديمقراطية هي قوة عسكرية محترفة وقادرة على مواجهة التحديات والمخططات التي تستهدف منطقة شمال وشرق سوريا.
ثاني الحقائق، خاب ظن المتربصين بالمنطقة والذين يعملون على إثارة النعرات الطائفية والساعين لخلق فتنة عربية كردية، فالعرب والكرد معاً حملوا السلاح للدفاع عن حريتهم وأمنهم واستقرارهم وكان لهم الدور البارز في إفشال المخطط، إخوة الشعوب التي خلقتها ثورة شمال وشرق سوريا كانت أكبر من المخططات التي تستهدفها.
الحقيقة الثالثة، أظهرت الهجمات أهمية الدفاع الذاتي والتنظيم، فلو لم يكن شعب الحسكة منظماً لما استطاع قطع الطريق أمام هذا المخطط، كما أن حمل نساء الحسكة قبل شبابها ورجالها للسلاح وحمايتهم لأحيائهم كان له الدور الحاسم في إفشال المخطط وقطع الطريق أمام ما لا يحمد عقباه، فلو اجتمع التنظيم والدفاع الذاتي معاً، وبوجود قوات عسكرية متدربة ومحنكة، فأن المنطقة ستنجو من جميع المخاطر التي تحدق بها.
مشاركة المقال عبر