سوريا

السجون رهان تنظيم الدولة الإسلامية الاستراتيجي لاستعادة حضوره الميداني في الشرق الأوسط

يثير الهجوم الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية على سجن في مدينة الحسكة، المخاوف من بروز التنظيم مجدداً واستعادته لقدراته وحضوره الميداني.
ويسلط هجوم تنظيم الدولة الإسلامية الذي بدأ قبل أيام على سجن خاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، الضوء على صعوبة تأمين السجون التي تعد مرتعًا للجهاديين، فيما بات التحالف الدولي الذي حاربهم من مخلفات الماضي، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وشكّل الهجوم الأخير للتنظيم على سجن في مدينة الحسكة العملية العسكرية الأكبر لمقاتليه منذ إسقاط “دولة الخلافة” التي أقامها، وأثار مخاوف من بروزه مجدداً واستعادته لقدراته وحضوره الميداني.
وعملت قوات سوريا الديمقراطية يوم الإثنين على مداهمة أقسام يتحصن فيها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية داخل سجن غويران في شمال وشرق سوريا، وسط مخاوف على مصير المئات من القصّر المقاتلين السابقين في التنظيم المتطرف المعتقلين فيه.
وأعلنت الإدارة الذاتية “الحظر الكلي” اعتباراً من الاثنين حتى نهاية الشهر الحالي على منطقة الحسكة حيث تجري المعارك التي أدت إلى موجة نزوح واسعة من الأحياء المحيطة بالسجن. وأوضحت أن الهدف من الإجراء هو “منع الخلايا الإرهابية من أي تسلل خارجي”.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان الإثنين بإدخال وحدات من قوات الأمن وقوات مكافحة الإرهاب في قوات سوريا الديمقراطية “عربات مدرعة إلى ساحة سجن غويران” بعد رفض “غالبية عناصر التنظيم الذين يتحصنون في مبان بالسجن الاستسلام”.
وقال المتحدّث باسم قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن فرهاد شامي “داهمت قواتنا أحد المهاجع حيث كان يتحصّن معتقلو داعش ويواصلون عمليات العصيان”.
وسلّم “العشرات من عناصر التنظيم أنفسهم داخل السجن وفي محيطه”، وفق ما قال مدير المرصد رامي عبدالرحمن، لافتاً إلى أن “سجناء التنظيم باتوا محاصرين في الجزء الشمالي من السجن”.
وبحسب منظمات دولية والأمم المتحدة فإن أكثر من 700 من الأطفال والقصّر ممن انضووا سابقاً في صفوف التنظيم، كانوا معتقلين في السجن المكتظ.
وكانت الإدارة الذاتية تحتجز فيه 3500 عنصر على الأقل من مقاتلي التنظيم. واتهمت قوات سوريا الديمقراطية التنظيم مساء الأحد باستخدام “الأطفال من أشبال الخلافة المرتبطين بداعش كدروع بشرية”، موضحة أن هؤلاء “كانوا موجودين في مهاجع خاصة منفصلة” داخل السجن.
وعملت قوات سوريا الديموقراطية “على نحو جيد” في السنوات الأخيرة من أجل تأمين هذه السجون.
وقال كولن كلارك مدير البحث في مركز صوفان في نيويورك إن “قوات سوريا الديمقراطية تحتاج إلى استراتيجية للتعامل مع هذا التهديد. حتى الآن، كانت الاستراتيجية (التي اتبعها الغرب) تقوم على التهرب من مواجهة الأمر. أين المساعدات؟”.
ودأبت الإدارة الذاتية على التحذير من أنها لا تتمتع بالقدرة الكافية على احتجاز الآلاف من مقاتلي التنظيم، ناهيك عن محاكمتهم. ولم تتضح بعد الملابسات الدقيقة لما حدث. هل كان نتيجة عمل تم تنسيقه على مستوى قيادة تنظيم الدولة الإسلامية، أم نتيجة مبادرة من الخلية المحلية للتنظيم؟
وقال جيروم دريفون المحلل في مجموعة الأزمات إن تنظيم الدولة الإسلامية “ليس في الوضع نفسه الذي كان عليه عندما كان يسيطر على منطقة واسعة ويتخذ قراراته بطريقة هرمية”.
وأضاف دريفون أن العملية نُفِّذت “إما لإرسال إشارة على عودة التنظيم. أو قد تكون ذات بعد محلي ونفذتها خلية تريد إطلاق سراح عناصر من هذا السجن بالتحديد”.
وعلى أي حال يمكن لهذا الحادث أن يتكرر، إذ يتفق المحللون والمسؤولون العسكريون والسلطات المدنية منذ سقوط التنظيم على الاعتراف بأن هذه السجون ليست إلا أرضًا خصبة لتفريخ الجهاديين نظرًا إلى أنها تؤوي عناصر محلية ومقاتلين أجانب.
ومن خلال احتجازهم معًا، يتواصلون في ما بينهم ويخططون للتحرك بمجرد مغادرتهم السجن وتدريب الأجيال الشابة على القتال ويستعدون لمعارك قادمة.
وقال كلارك، مشيرا إلى خطاب ألقاه أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في 2012 “سيعود تنظيم الدولة الإسلامية إلى هذا التكتيك، ببساطة لأنه ناجح. سيعملون من جديد على هدم الجدران”. وقال البغدادي ذلك قبل أن يسيطر التنظيم تدريجيًا على مساحات شاسعة من العراق وسوريا ويعلن “الخلافة” التي استمرت خمس سنوات (2014 – 2019).
وهي قراءة تحققت من خلال الهجمات والاعتداءات التي نفذها التنظيم حول العالم وفق ما رصدته شركة جهاد أناليتكس المتخصصة في تحليل الأنشطة المتطرفة.
وقال مؤسس الشركة داميان فيريه “منذ عام 2013، نفذت الجماعة 22 هجوماً على سجون في العراق وأفغانستان والفلبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا والنيجر وطاجيكستان ومن ثم في سوريا”.
وأضاف أنه على الرغم من تكتم التنظيم المتطرف نسبيًا في الأشهر الأخيرة “تُظهر هذه العملية أنه ما تزال لديه القدرة على تنفيذ هجمات كبيرة وأن إطلاق سراح العشرات من السجناء بمن فيهم بعض القياديين سيسمح له بتعزيز صفوفه”.
وفي تصريحاتهم الرسمية يقر الأميركيون والأوروبيون والعرب بأن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية وسائر التنظيمات المتطرفة بشكل عام لم ينته بعد، كما يتضح من نشاط العديد من فروعه وفروع تنظيم القاعدة المنافس له. لكن هذه التصريحات لا تخفي انعدام أي عمل ملموس على الأرض.
ومنذ إعلان خسارة التنظيم لكل مناطق سيطرته في سوريا في مارس 2019، يشنّ الجهاديون بين وقت وآخر هجمات ضد أهداف حكومية وكردية في منطقة البادية الممتدة بين محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق) عند الحدود مع العراق التي انكفأوا إليها.

مشاركة المقال عبر