في 20 كانون الثاني عام 2018 بدأت تركيا والفصائل الموالية لها شن الهجمات على عفرين، واليوم مع مرور 4 سنوات على بدء هذه الهجمات، قتل الجيش التركي والفصائل التابعة له أكثر من 650 مواطناً من عفرين، 90 منهم تحت التعذيب، واختطفوا أكثر من 8 آلاف مواطن، واعتدوا جنسياً على 70 امرأة، ودمروا نحو 60 موقعاً أثرياً، كما تسببوا بتهجير 300 مدني وتوطين حوالي 400 ألف في منازلهم.
يوم 20 كانون الثاني، ليس يوماً عادياً بالنسبة لأبناء عفرين الذين طالما تميزوا بكرمهم واحتضانهم للسوريين طيلة سنوات الأزمة السورية التي بدأت عام 2011. في مثل هذا اليوم من عام 2018، بدأت 72 طائرة تركية بشن هجمات عنيفة عليها واستهدفت دفعة واحدة 185 موقعاً في مختلف أرجاء عفرين التي تبلغ مساحتها 3.850 كم2. ومع هذه الهجمات الجوية بدأت فصائل ما يسمى الجيش الوطني السوري الذي أسسته المخابرات التركية وبدعم من المدفعية والدبابات التركية هجوماً برياً على طول الحدود التركية مع عفرين.
الهجمات على عفرين لم تكن مصادفة، فقبل عام منها وتحديداً في كانون الثاني عام 2017 شكلت كل من روسيا وتركيا وإيران ثلاثياً في العاصمة الكازاخية آستانا (سميت نور سلطان لاحقاً)، رغم أن روسيا وإيران كانتا تدعمان الحكومة السورية في حين كانت تركيا تدعم المسلحين.
الأطراف الثلاثة هذه بدأت بالمقايضات على حساب مصلحة الشعب السوري، وذلك عبر تشكيل 4 مناطق خفض تصعيد سقطت الواحدة تلو الأخرى بيد الحكومة السورية بفضل هذه المقايضات. وعفرين أيضاً كانت جزءا من هذه المقايضة، إذ أمرت تركيا فصائلها بالانسحاب من الغوطة الشرقية والتوجه إلى إدلب وبالمقابل منحت روسيا الضوء الأخضر لتركيا بشن الهجمات على عفرين واستخدام الطيران والسيطرة على المنطقة.
نزوح 300 ألف نسمة وتوطين 400 ألف مكانهم
وكان يعيش في عفرين قبل هجمات 20 كانون الثاين 2018 ما يزيد عن 500 ألف نسمة أكثر من 350 ألف منهم سكان المنطقة الأصليين وحوالي 150 ألف نازح من مناطق سورية مختلفة فروا من المعارك بين الحكومة السورية والفصائل المسلحة.
ومع بدء الهجمات التركية على عفرين واستمرارها لمدة شهرين (58 يوماً)، اضطر 300 ألف نسمة للهجرة نتيجة القصف الجوي والبري الشديد الذي شنته تركيا وفصائلها على القرى والنواحي ومدينة عفرين، وبعد سيطرة تركيا وفصائلها على المدينة، استمرت المضايقات والاعتقال والاختطاف وفرض الاتاوات على المواطنين والتضييق عليهم، ما أجبر آخرين على الهجرة من ديارهم. وبذلك تقلصت نسبة الكورد في عفرين إلى أقل من ربع العدد الذي موجوداً قبل الهجمات التركية.
كما وطنت تركيا وفصائلها قرابة 400 ألف مستوطن في عموم قرى ونواحي عفرين من المستقدمين من مناطق النزاع في سورية منهم ما يزيد عن 500 عائلة من عرب فلسطين 48 ونظراً للاكتظاظ السكاني تم انشاء أكثر من 30 مخيم وأكثر من 30 مستوطنة في عموم منطقة عفرين وذلك لتوطين العائلات السابقة الذكر وعوائل المسلحين الذين رفضوا عمليات التسوية مع الحكومة السورية في بقية المنطقة، وبذلك غيرت تركيا الطبيعة الديموغرافية لعفرين.
ومنذ سيطرتها على عفرين، لم تتوقف تركيا عن مساعيها في تغيير هوية عفرين ومعالمها وصبغها بالهوية التركية عبر تغيير أسماء الشوارع والميادين والمرافق العامة والمستشفيات ورفع العلم التركي فوق المدارس والمرافق العامة ومنها تغيير اسم دوار نيروز إلى صلاح الدين وفيما بعد تمت ازالته بالكامل.
ورافق تغيير أسماء الأماكن الاستراتيجية والكردية إلى أسماء عثمانية ووضع العلم التركي وصور أردوغان في كل مكان وعلى لوحات الدلالة في كل قرية وناحية ومركز المدينة، فضلاً عن تعليم اللغة التركية في المدارس ووضع العلم التركي على ألبسة التلاميذ في المدارس.
وإلى جانب ذلك كتب اسم مشفى آفرين باللغة التركية، بعدما كان مكتوباً باللغتين الكردية والعربية، ناهيك عن تغيير اللوحات التعريفية للمحلات والشوارع وكتابتها بالتركية فقط، تزامناً مع ذلك عبث الجيش التركي بالأماكن المقدسة ودمر المزارات الدينية للإيزيديين في القرى الإيزيدية.
واستكمالاً لعملية التغيير الديمغرافي، أرغم الجيش التركي الأهالي على اصدار هويات تعريفية تركية للمدنيين السوريين ضمن الأراضي السورية التي تسيطر عليها.
عمليات خطف مستمرة
ومن أكثر الممارسات التي قام بها الجيش التركي والفصائل التابعة له بحق أهالي عفرين الباقين فيها، هي زيادة عمليات الخطف والقتل وأغلبها كانت بغاية طلب الفدية المالية ولدوافع انتقامية حيث باتت عفرين أشبه بمعتقل كبير لا يسود فيه سوى شريعة الغاب في ظل عدم محاسبة الفصائل ودعم المخابرات التركية لهم لتهجير من تبقى من أهالي عفرين.
وفي هذا السياق وثقت منظمة حقوق الإنسان في عفرين، منذ سيطرة تركيا على منطقة عفرين حتى نهاية عام 2021، اختطاف أكثر من 8063 مدني.
وقالت المنظمة إن مصير أكثر من ثلث هذا العدد ما يزال مجهولاً، في حين من تم إطلاق سراحه حصل بعد أن دفعوا فديات مالية.
ويتعرض الكورد في عفرين لاختطاف متكرر بغية الفدية المالية، والذي أصبح تجارة مربحة للفصائل الموالية لتركيا.
وفيما يخص النساء، وثقت المنظمة خلال الفترة ذاتها 84 حالة قتل منها ست حالات انتحار من النساء و(70) حالة اعتداء جنسي، فضلاً عن اختطاف النساء وإيداعهن في أكثر من 20 سجن أنشأته القوات التركية والفصائل في مدينة عفرين ونواحيها السبعة، من أجل اغتصابهن والحصول على فدية مالية لقاء اطلاق سراحهن.
جرائم الجيش التركي وفصائله بالأرقام
ومنذ أن بدأ الجيش التركي هجماته على عفرين في 20 كانون الثاني عام 2018، فقد قتل أكثر من (655) مدنياً حتى الآن، منهم 498 قتلوا نتيجة القصف التركي والفصائل التابعة له و90 قضوا تحت التعذيب، كما أصيب أكثر من 696 مدنياً نتيجة القصف التركي والفصائل التابعة له ومنهم حوالي 303 طفلاً و 213 امرأة.
ووثقت منظمة حقوق الإنسان في عفرين قطع الجيش التركي والفصائل التابعة له ما يزيد عن 333900 شجرة زيتون وأشجار حراجية أخرى وذلك للإتجار بحطبها، وحرق أكثر من 12 ألف شجرة زيتون وأشجار حراجية متنوعة، وحرق ما يزيد عن ثلث المساحة المخصصة للزراعة والتي تقدر بأكثر من (11) ألف هكتار منذ سيطرته لعفرين وحتى الآن والاستيلاء على الآلاف من منازل المدنيين المهجرين قسراً وتحويل العشرات منها إلى سجون ومعتقلات ومقرات تابعة للفصائل المسلحة التابعة له والمتاجرة بها بيعاً وشراءً.
ولم تتوقف جرائم تركيا وفصائلها على هذه الممارسات، بل استولت على محصول الزيتون ونقلته إلى تركيا عبر معبر قرية حمام الحدودية بناحية جندريسه، والذي انشأته تركيا العام الماضي لتسهيل عملية نقل محصول الزيتون والمسروقات وبيعه كمنتج تركي في الأسواق العالمية مثل إسبانيا وأميركا.
تدمير الآثار
ومن الجرائم التي ارتكبتها تركيا أيضاً في عفرين هو التدمير الممنهج للمواقع والأوابد الأثرية، حيث دمرت تركيا وفصائلها أغلب الأماكن والمواقع الاثرية المدرجة على لائحة اليونيسكو خلال الهجمات على عفرين، مثل “معبد عين دارا، النبي هوري، كهف الدودرية، قبر مار مارون ” وغيرها العديد من المواقع الاثرية.
وبحسب ما أكدته مديرية آثار عفرين فإنه يوجد في منطقة عفرين حوالي (75) تل أثرى، وقام الجيش التركي وفصائله بحفر معظم التلال وتنقيبها بحثاً عن الاثار واللقى الاثرية.
وبحسب إحصائية مديرية آثار عفرين تم تخريب وتدمير أكثر من (59) موقع وتل أثرى ومستودع وأكثر من (28) مزار ديني لمختلف المذاهب والأديان بالإضافة الى تجريف العديد من المقابر وتحويل إحداها إلى سوق للماشية.
بناء مستوطنات
ومن أجل إكمال عملية التغيير الديموغرافي في عفرين، لجأت تركيا وبمساعدة بعض الجمعيات العربية بإنشاء مستوطنات في عفرين، وفي هذا السياق تم بناء أكثر من 30 مستوطنة أبرزها (مستوطنة كويت الرحمة والقرية الشامية وقرية بسمة) وتم دعم هذه المستوطنات عن طريق جمعيات تركية وقطرية وكويتية (جمعية البيان القطرية-التركية وجمعية العيش بكرامة فلسطين 48 وجمعية الاحسان الخيرية”.
ورغم هذه الجرائم التي ارتكبها الجيش التركي والفصائل التابعة له، ما زالت الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها صامتة حيالها، كما ما تزال روسيا والحكومة السورية صامتة حيال هذه الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.