اكتفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتعبير عن حزنه لبلوغ التضخم السنوي في بلاده نسبة 36.1 في المئة عام 2021، في موقف قال مراقبون إنه يظهر الإحساس بالعجز في مواجهة أزمة الليرة وفشل فلسفة الرئيس التركي في تخفيض نسبة الفائدة بدل الرفع منها، لكنه يستمر في المكابرة.
وأشار المراقبون إلى أن أردوغان بات يعتمد على مشاعر الحزن كسياسة للتعاطي مع الأزمة الاقتصادية بدلا من اتخاذ قرارات تعتمد على نصائح الخبراء والمختصين في المجال. وقبل أن يعبر عن حزنه لما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية كان قد حث الأتراك على الصبر وانتظار الفرج من وراء سياسة اقتصادية يجمع الخبراء على أنها غير منطقية ولن تزيد التضخم إلا ارتفاعا.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه نسبة التضخم بشكل مطرد يستمر الرئيس التركي في إطلاق الوعود والتأكيد على أن “حكومته ماضية في طريقها من أجل خفض التضخم إلى خانة الآحاد”، وأن تركيا أخيرا وجدت حلا لأزمتها، وهو ما يثير سخرية الخبراء الاقتصاديين.
وأكد أردوغان الثلاثاء أن الحكومة قضت على فقاعة سعر صرف العملات الأجنبية من خلال حزمة التدابير الاقتصادية التي اتخذتها مؤخرا.
ولفت في الكلمة التي ألقاها خلال اجتماع رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية في مقره بأنقرة إلى أن تركيا تجاوزت المرحلة الأصعب، مضيفا “تركنا الأسوأ خلفنا، من الآن فصاعدا حان وقت جني ثمار جهودنا لنظهر لشعبنا أننا كنا نقترب من هدفنا خطوة بخطوة”.
وتابع “عازمون على ألا نترك مواطنينا تحت ضغوط تقلّب سعر الصرف والارتفاع الفاحش في الأسعار”.
ويعتقد المراقبون أن تعبير أردوغان عن شعوره بالحزن ناجم عن فشل آخر أوراق الحكومة في إعادة إحياء الليرة التي ارتفعت قيمتها أياما قليلة قبل أن تعاود النزول، وهي الورقة التي كان الرئيس التركي يراهن عليها لتأكيد صواب السياسة التي يعتمدها في معالجة أزمة الليرة.
ويشير المراقبون إلى أن أردوغان يعالج أزمة ذات بعد اقتصادي بعقلية السياسي الذي يسعى للخروج عن السرب وتسليط الأضواء عليه، كما يفكر في الانتخابات المقررة في 2023، وأن هذا يجعل من الصّعب التوصل إلى حل يخفف الأعباء عن المواطنين الأتراك.
ومن شأن هذا الارتباك أن يزيد من الشكوك الداخلية والخارجية في جدوى الإصلاحات التي يلجأ إليها أردوغان لمعالجة ملف الليرة وغيرها من المواضيع.
ومن الواضح أن الرئيس التركي الذي استمر في السلطة لأكثر من عشرين عاما سيخسر الورقة التي ساهمت في صعوده، وهي المكاسب الاقتصادية، وأنّ سياسته خلال السنوات الأخيرة قد هدمت كل دعم قد يأتيه من المواطنين العاديين أو من رجال الأعمال الذين باتوا أكثر المتضررين من سياسة تراكم العداوات ووضعت أمامهم عراقيل في تركيا كما في المحيط الإقليمي، سواء في أوروبا أو في المنطقة العربية، وخاصة في دول الخليج.
وانضم رجال الاقتصاد والمال -الذين بقوا يراقبون الوضع لسنوات من أجل اختبار قدرة حكومة حزب العدالة والتنمية على إصلاح الاقتصاد وفتح مجالات جديدة أمامه- إلى المعارضة الواسعة التي تطالب بالتغيير، خاصة بعد أن فشلت وعود أردوغان التي هدفت إلى تبرير مغامراته الخارجية في ليبيا وشرق المتوسط بجلب الاستثمارات والمشاريع إلى رجال الأعمال الأتراك.
وتطالب أحزاب المعارضة الرئيس أردوغان برفع يده عن الملف الاقتصادي وترك القرار بيد الخبراء -سواء منهم الذين تستعين بهم الحكومة أو الموجودون في البنك المركزي- لتقديم حلول عاجلة تنقذ الاقتصاد مما آل إليه بفعل السياسات الرسمية.
وبالنسبة إلى العديد من الاقتصاديين إذا ارتفع التضخم يمكنك التحكم فيه عن طريق رفع أسعار الفائدة. لكن أردوغان يرى أن أسعار الفائدة “شرٌ من شأنه أن يزيد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً”.
وقضى هذا النهج غير التقليدي على قيمة مدخرات الناس وألقى بشرائح من المجتمع التركي تحت خط الفقر الرسمي.
مشاركة المقال عبر