رغم الانهيار المتواصل للعملة التركية أمام الدولار، ما تزال السياسة النقدية التركية تعتمد على تخفيض أسعار الفائدة في البلاد من أجل تحقيق نمو اقتصادي.
وعلى وقع تخفيض البنك المركزي مرة أخرى لسعر الفائدة رغم ارتفاع التضخم، انهارت العملة التركية إلى أدنى مستوى جديد على الإطلاق مقابل الدولار الجمعة.
وفقدت العملة التركية 55 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام، ودفع هبوط الليرة البنك المركزي للتدخل ببيع المزيد من العملات الأجنبية، وهذا هو التدخل الخامس للبنك في الأسابيع الأخيرة لمحاولة دعم الليرة.
وسجلت الليرة أدنى مستوى قياسي جديد عند 17.14 مقابل الدولار.
وأعلن البنك المركزي التركي الخميس، عن خفض سعر الفائدة الرئيسي من 15 في المئة إلى 14 في المئة على الرغم من أن التضخم يسير عند مستوى يبلغ 21 في المئة، وخفض البنك الآن أسعار الفائدة بمقدار 5 نقاط مئوية منذ سبتمبر حتى مع قيام معظم البنوك المركزية الأخرى برفع أسعار الفائدة لتخفيف التضخم المرتفع.
سياسات إردوغان
أستاذ الاقتصاد، مسلم طلاس، قال في رد على استفسارات “الحرة” إن “تدخل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في السياسة النقدية هي ما أوصلت الليرة التركية إلى ما هي عليه الآن”.
وأضاف ” من الطبيعي جدا في إطار المنطق الاقتصادي، أنه إذا خفض معدل الفائدة، سيحدث نوع من الذعر وقد يبتعد الناس عن التعامل أو شرائها ما يعني زيادة في العرض، وانخفاض سعرها بالضرورة”.
وأوضح أن هناك تشكيكا “في جدوى السياسيات النقدية الرسمية، خاصة مع ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات قياسية في البلاد”.
ويرى طلاس أن لدى تركيا “منطقا سياسيا إيدولوجيا يغلب على المنطق الاقتصادي، وهو أمر مرتبط بصندوق الانتخابات”.
وأشار إلى أن إردوغان أمام استحقاقات انتخابية، وهو يريد تحقيق ” نمو سريع من خلال خفض معدلات الفائدة، بتوفير تمويل سهل، لكسب أصوات الناس”.
وزاد أن إردوغان يتبع سياسة “شيطنة معدلات الفائدة” ويروج لأن خفض أسعار العملة سيعني جاذبية أكثر للصادرات التركية، وما يعني تحقيق نمو اقتصادي.
ولم يستبعد طلاس وجود جماعات ضغط من كبار المقترضين والذين من مصلحتهم استمرار التضخم وخفض معدلات الفائدة.
مغامرة كبرى
الخبير الاقتصادي، وائل نحاس، قال في حديث لموقع “الحرة” إن “الرئيس التركي، إردوغان دخل في مغامرة كبرى، خاصة وأن كل سياساته تدفع بخفض أسعار صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية”.
وأضاف أن إردوغان يروج خاصة لداعميه في الانتخابات أنه يريد اقتصادا إسلاميا، وأن خفض أسعار العملة سينعكس إيجابا على قطاعات التصدير والسياحة.
وأشار إلى أن المعلومات تشير إلى العديد من أصحاب الثروات في البلاد قاموا بتحويل الأموال التي يمتلكونها إما لـ”العملة الذهبية التركية، أو بشراء عملات مشفرة، أو العملات الأجنبية”.
ولم يستبعد نحاس من أن الصادرات التركية ستزيد جاذبيتها من تراجع أسعار صرف الليرة التركية.
ويؤكد أن ما يواجهه الاقتصاد التركي يتماشى مع أهداف إردوغان مع الاستحقاق الانتخابي.
ويرى أن إردوغان يراهن على نجاة الاقتصاد التركي من ارتفاع التضخم في البلاد، وتحريك عجلة الإنتاج وتخفيض تكاليف التمويل.
قرار انتحاري
وقال المحلل لدى “كابيتال إيكونوميكس”، جايسن توفي، لوكالة فرانس برس إن “الرئيس إردوغان يواصل إملاء سياسته الخارجة عن المألوف على بنك مركزي قام بتطهيره بشكل فادح” من كل الأصوات المخالفة، معتبرا أن “تطورا نحو فرض ضوابط على رأس المال يبدو مرجحا بشكل متزايد”.
ويرى تيموثي آش، المحلل المتخصص في تركيا لدى “بلوباي أسيت ماناجمنت” أن هذا التخفيض الجديد لمعدلات الفائدة “قرار انتحاري بالنسبة لليرة”.
السياسة النقدية التركية والتضخم
وتسببت سياسة إردوغان النقدية وعدم استقلالية البنك المركزي الذي أقال الرئيس ثلاثة من حكامه منذ 2019، بانهيار قيمة العملة الوطنية، وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس.
ويبدو أن إردوغان الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها بعد 19 عاما في السلطة، يراهن على النمو أيا كان الثمن قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 2023.
وتدفع سياسات إردوغان الذي طالما جادل بأن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم، إلى خفض تكاليف الاقتراض لتحفيز الاقتصاد التركي وتعزيز النمو والصادرات والتوظيف، وفق تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس.
ودفعت الليرة الضعيفة بارتفاع الأسعار، مما يجعل الواردات والوقود والسلع اليومية أكثر تكلفة، حيث يكافح الكثير من سكان البلاد التي يزيد عدد سكانها عن 83 مليون نسمة من أجل شراء الطعام وتلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى.
وأظهرت مشاهد لقيت انتشارا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وحصدت تعليقات كثيرة في الأيام الأخيرة في تركيا، صفوف انتظار طويلة جدا أمام مستودعات الخبز التي تديرها بلديتا المعارضة في أنقرة وإسطنبول، حيث يباع 250 غراما من الخبز بـ1.25 ليرة، أي أقل بمرتين من السعر في معظم المخابز.
وهذا الفارق في سعر الخبز بات مهما للعديد من الأتراك، في وقت ارتفعت أسعار بعض المواد الأساسية مثل زيت دوار الشمس بنسبة 50 في المئة خلال عام.