فقدت الليرة التركية نحو 45 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي مع زيادة التضخم بنسبة وصلت لـ 21 بالمئة، الأمر الذي أدى لاندثار الطبقة الوسطى في تركيا وتحولهم إلى فقراء، في حين ازداد ثراء الأغنياء، فمن يقف خلف تدهور الاقتصاد التركي.
وبعد ما يقرب من عقدين من الزمن في السلطة، طرد أردوغان كل مسؤول اقتصادي وقف في طريق آرائه غير التقليدية، الأمر الذي أسهم في وصول البلاد لأزمة اقتصادية تجعل الأتراك العاديين يواجهون صعوبة في العثور على السلع المستوردة، بما في ذلك الأدوية.
وتولى أردوغان بنفسه سيطرة واسعة على الاقتصاد في ظل عدم وجود أي شخص يعارض سياساته بعد نجاحه في الضغط على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة على الرغم من التضخم السريع، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
وترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لتشجيع الادخار وتثبيط الاقتراض وتهدئة التضخم. لكن أردوغان دعا إلى خفض أسعار الفائدة وألقى باللوم في ارتفاع التكاليف على التدخلات الخارجية.
وزاد انهيار الليرة التركية من مخاوف أن تتحول الازمة إلى عدم استقرار مالي أوسع، حيث يقول الاقتصاديون إنها أخطر اختبار واجهته المؤسسات المالية التركية منذ عقود.
وكان وزير المالية التركي، لطفي علوان، استقال من منصبه مؤخرا على خلفية الأزمة الاقتصادية، حيث كان يعتبره المحللون على أنه آخر صوت يعارض سياسات أردوغان في مجلس الوزراء.
وقال رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، وهو الحليف السابق لأردوغان: “إنه لا يفهم الاقتصاد، والناس من حوله لا يفهمون الاقتصاد. إنه على كوكب آخر”.
ولطالما كانت المؤسسات التركية تقاوم أفكار أردوغان غير التقليدية لسنوات. ففي عام 2018، عندما انهارت العملة التركية وسط أزمة في العلاقات مع إدارة ترامب، تجاهل البنك المركزي دعوات أردوغان بتخفيض أسعار الفائدة.
وفي وقت سابق من العام الحالي، قاوم محافظ البنك المركزي التركي، ناجي أغبال، ضغوط الحكومة ورفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم. ولكن في مارس تعرض أغبال للإقالة بقرار أردوغان الذي استبدله بمسؤول في حزب العدالة والتنمية.
وهذه هي المرة الثالثة خلال عامين التي يقيل فيها أردوغان محافظ البنك المركزي. ومع ذلك، قاوم البنك المركزي تخفيض أسعار الفائدة لأشهر بعد إقالة أغبال، لكن المقاومة لم تستمر بعد أن بدأ البنك في تخفيضها بالفعل خلال سبتمبر.
وأثار انهيار العملة احتجاجات أواخر نوفمبر في المدن التركية الكبرى، حيث هتفت حشود من المتظاهرين تطالب أردوغان بالاستقالة.
واصطفت شرطة مكافحة الشغب في شوارع إسطنبول. واتهم اثنان من كبار الشخصيات المعارضة، بما في ذلك أحمد داود أوغلو، الرئيس التركي بالخيانة.
واحتجزت الشرطة أكثر من 60 شخصا خلال الاحتجاجات في العديد من أحياء إسطنبول، وفقا لجمعية محامين محلية.
وقالت مريم أتالاي، وهي عاملة في مطعم صغير بإسطنبول تبلغ من العمر 58 عاما، “اعتدنا على أكل اللحوم كل يوم. الآن مرة واحدة في الأسبوع”.
وتابعت: “يذهب صوتنا دائما لحزب العدالة والتنمية. الآن دعونا نتذوق طعم شخص آخر”.
وأدى انهيار العملة إلى تفاقم قوة الأتراك الشرائية التي تتقلص تدريجيا بالفعل، حيث تقنن بعض محلات السوبر ماركت السكر والدقيق، في وقت تصطف فيه السيارات في محطات الوقود قبل ارتفاع أسعار المحروقات.
وفي استطلاع أجرته شركة “ميترو بول” التركية الرائدة لاستطلاعات الرأي في أكتوبر، قال أكثر من 80 بالمئة من الأتراك إن الحكومة تتعامل مع الاقتصاد بشكل سيئ.
بدوره، قال سليمان جيراي، 45 عاما، الذي يعمل بمقهى في حي قاسم باشا بإسطنبول، إنه دعم أردوغان منذ أن كان عمدة مدينة إسطنبول.
وأشار إلى أنه توقف في منح مصروف لأطفاله الثلاثة، كما توقف عن أكل اللحوم بسبب ارتفاع الأسعار، لافتا إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، بما في ذلك كيلو الشاي الذي أصبح بسعر 190 ليرة بدلا من 120.
وأضاف: “لا يمكننا فعل أي شيء بعد الآن. لم تعد لدينا حياة اجتماعية. الجميع هنا غاضبون الآن”.
إلى ذلك، قال تيميل كرامولا أوغلو، وهو زعيم حزب إسلامي تركي معارض، إنه أثار مسألة الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الأتراك من الطبقة الوسطى خلال اجتماع مع أردوغان قبل أحدث خفض لسعر الفائدة.
وقال كرامولا أوغلو: “إنه (إردوغان) يصر على أن الأمور الاقتصادية في تركيا ليست بالسوء الذي نعتقده. قلت إن البطالة مشكلة في تركيا. وهو لا يعتقد ذلك. قلت إن موظفي الخدمة المدنية والعمال ذوي الياقات الزرقاء غير قادرين على تلبية احتياجاتهم. وهو لا يعتقد ذلك أيضا”.