تشجيع الحوار بين دمشق والقامشلي، نقطة ثانية يتوافق عليها الأميركيون والروس، إضافة إلى بند إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين، ما يرجح عقد جولة تفاوضية جديدة بين الكورد والحكومة السورية، بعد زيارة وفد من «مجلس سوريا الديمقراطية» الكوردي – العربي برئاسة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، وبعد لقاء مبعوثي الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف في 10 من الشهر الجاري.
هذه الجولة، التي تجري بـ«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية وسط توقعات مختلفة من دمشق والقامشلي وموسكو إزاء مستقبل الوجود العسكري الأميركي، يتوقع أن تتناول قضايا كبرى مثل مستقبل «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«الإدارة الذاتية»، وأخرى عملياتية تخص المساعدات والخدمات، والانتشار العسكري لـ«ردع» بشأن توغل تركي جديد، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
خلفية المفاوضات
جرت جولات تفاوضية عدة بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووفود كوردية، بينها وفد سياسي برئاسة إلهام أحمد وعضوية سيهانوك ديبو، ووفد عسكري ضم قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أو قائد «وحدات حماية الشعب» سيبان حمو، في نهاية 2016 و2017، وفي 26 يوليو (تموز) 2018 و8 أغسطس (آب) 2018، وأكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبعد قرار الرئيس دونالد ترمب سحب قواته من قسم شرق الفرات، وتوغل تركيا بين رأس العين وتل أبيض، زار حمو القاعدة الروسية في حميميم، ثم دمشق، والتقى بحضور قادة في الجيش الروسي مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع العماد علي أيوب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. كما زار حمو العاصمة الروسية في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019، والتقى وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف ورئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان سيرغي رودسكوي.
وسلم الوفد الكوردي الجانب الروسي مبادرة تضمنت 11 بنداً، 6 منها تلبي مطالب دمشق، وهي أن «سوريا دولة موحدة، والاعتراف بحدودها الدولية وأنها دولة مركزية وعاصمتها دمشق»، وأن «الرئيس المنتخب، أي الرئيس بشار الأسد، هو رئيس كل السوريين»، وأن «الثروات الطبيعية هي ثروة وطنية لكل السوريين». وتناول البند الرابع الاعتراف بـ«السياسة العامة للبلاد المسجلة في الدستور»، والخامس الاعتراف بـ«علم واحد» للبلاد، وهو العلم الرسمي لسوريا بموجب الأمم المتحدة، إضافة إلى بند سادس يقر بـوجود «جيش واحد» للدولة.
كما تضمنت المبادرة 5 بنود «تلبي مطالب الجانب الكوردي»، أولها إلغاء «قانون الطوارئ» بموجب تعديل الدستور، وإصلاح دستوري يؤدي إلى دستور توافقي، وقانون أحزاب وقضاء نزيه ومستقل، و«الاعتراف بالإدارة الذاتية» شمال شرقي البلاد، و«إلغاء جميع إجراءات التمييز تجاه الشعب الكوردي»، وتجاوز «الإجراءات الظالمة»، وبينها الإحصاء الاستثنائي للعام 1962 وحرمان آلاف من الجنسية، إضافة إلى إلغاء «الضغط الأمني» ضد الكورد. وتضمن البند الرابع «اعتراف الدولة المركزية بالكورد مكوناً رئيسياً من مكونات الشعب السوري» مثل باقي المكونات، إضافة إلى بند خامس نص على «تحديد المالية – الموازنة لكل المناطق، بما فيها المناطق الكوردية».
واستند الموقف الكوردي إلى «أدوات ضغط»، بينها وجود الجيش الأميركي، وسيطرة حوالي مائة ألف مقاتل من «قوات سوريا الديمقراطية» على ثلث البلاد (المساحة الإجمالية 185 ألف كلم مربع) ومعظم الثروات الاستراتيجية من نفط وغاز ومياه وزراعة شرق الفرات، إضافة إلى دعم روسي ظهرت معالمه في تسليم وزارة الدفاع مسودة دستور للأطراف السورية في 2017، نصت على «جمعية مناطق» إلى جانب البرلمان، فيما اعتبر قبولاً للإدارة الذاتية واللامركزية في سوريا.
يضاف إلى ذلك أنه بعد قرار ترمب في نهاية 2019، وقع عبدي وسيبان ومملوك مذكرة تفاهم تضمنت نشر قوات من الجيش وحرس الحدود في مناطق عدة على الحدود وشرق الفرات، وهي المنطقة التي تقلصت حصة الكورد وأميركا فيها لصالح توسع حصص دمشق وأنقرة وموسكو.
فجوة عميقة
أظهرت المفاوضات الكوردية – السورية عمق الفجوة بين الطرفين. ذلك أن دمشق ترفض ضم «قوات سوريا الديمقراطية» ككتلة عسكرية في الجيش، وتقترح حلها وذوبانها في الجيش، كما أنها تتمسك برفع العلم الرسمي في كل أنحاء البلاد، وبأن الأسد هو الرئيس السوري، إضافة إلى رفض «تقديم تنازلات دستورية» للكورد أو الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية»، مع استعداد لقبول مبدأ الإدارات المحلية بموجب القانون 107 وتخصيص حصص مدرسية للغة الكوردية.
أما بالنسبة إلى الثروات الاستراتيجية الموجودة شرق الفرات، فإن دمشق تريد أن يكون قرارها مركزياً، مع إعطاء حصة أكبر من عائداتها للمنطقة. يضاف ضمناً إلى ذلك أن دمشق تريد أن يكون الحوار مع الجانب الكوردي باعتباره طرفاً وليس الطرف الوحيد الذي يمثل الكورد.
وإزاء التشدد السياسي الاستراتيجي، هناك مرونة في دمشق في الوصول إلى صفقات عملياتية، إذ لم تمنع التوصل إلى اتفاقات وصفقات مثل تمرير نفط خام إلى مصفاة حمص أو بانياس لتكريره وإعادة جزء منه، أو تشغيل سدود للطاقة وللمياه، واتفاقات اقتصادية تخص المحاصيل الرئيسية.
من جهتها، بقيت «الإدارة الذاتية» تراهن على الجانب الروسي. وفي صيف العام الماضي، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين «مجلس سوريا الديمقراطية»، برئاسة إلهام أحمد و«حزب الإرادة الشعبية»، بقيادة قدري جميل. وفسر مراقبون كورد المذكرة بأنها تضمنت الاعتراف بـ«وحدة سوريا أرضاً وشعباً»، وأن «الإدارة الذاتية جزء من النظام الإداري»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» جزء من جيش سوريا الوطني.
وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أبدى «استعداد بلاده لمواصلة العمل من أجل تهيئة ظروف ملائمة للتعايش المنسجم والتقدم لكل المكونات الدينية والعرقية في المجتمع السوري». كما أكد أن «الوثيقة» التي لم تكن روسيا «طرفاً فيها»، ووقعت في موسكو «أكدت الالتزام بمبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية». لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفضها، وقال رداً على هذه المذكرة إن «أي اتفاق يتعارض مع الدستور السوري لا ندعمه». وكانت دمشق رفضت «مسودة روسية» للدستور تضمنت تأسيس «جمعية مناطق» يشارك فيها الكورد.
جولة جديدة
منذ لقاء القمة بين بوتين وبايدن في جنيف منتصف يونيو (حزيران) الماضي، عقدت ثلاث جولات غير علنية بين مبعوثي الرئيسين في سويسرا. وتمثل الهدف الرئيسي في الاتفاق على تمديد قرار دولي للمساعدات الإنسانية «عبر الحدود» و«عبر الخطوط» في بداية يوليو الماضي. لكن، في هذه المنصة ومنصات أخرى، كان بينها زيارات بواسطة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، تجددت الدعوات إلى استئناف الحوار بين دمشق والقامشلي. وأظهرت هذه المناقشات أن هناك رغبة روسية – أميركية باستئناف الحوار السوري – الكوردي، بحيث تشجع واشنطن الكورد على ذلك بـ«رعاية» روسية. وهناك قناعة واسعة بأن مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك من أكثر المتحمسين لذلك.
وهناك مستويان للجولة الجديدة من المفاوضات بين دمشق والقامشلي:
- مستوى عملياتي، مثل تشغيل معبر اليعربية على حدود العراق، بإدارة سورية – كوردية، لإيصال المساعدات الإنسانية، وتنسيق ميداني عسكري بما يحول دون توغل تركي إضافي، باعتبار أن عدم حصول ذلك هو نقطة تفاهم أميركية – روسية حالياً، إضافة إلى صفقات خدمية واقتصادية لصالح الطرفين.
- مستوى سياسي، يخص نقاطاً رئيسية تتعلق بمستقبل «الإدارة الذاتية» وعلاقتها مع الدولة المركزية، و«قوات سوريا الديمقراطية» ودورها في الجيش، والقومية الكوردية حيث لاتزال الفجوة كبيرة حولها، مع جسر الفجوة إزاء قضايا أخرى مثل وجود العلم السوري والرئيس السوري والموقف من الكورد عموماً.
ولا شك أن النظرة إلى مستقبل الوجود العسكري الأميركي من جهة والتفاهمات الأميركية – الروسية من جهة ثانية والتفاهمات التركية – الروسية – الأميركية، تخيم على الموقف التفاوضي لكل من دمشق والقامشلي.