خسر أردوغان الورقة الاقتصادية التي ساهمت في صعوده إلى السلطة منذ نحو 20 عاماً، وهذا ما زاد من غضب التجار وأصحاب رؤوس الأموال منه، ولكن يبقى خوف أردوغان الأكبر هو تخلي المؤسسة الأمنية والعسكرية عنه وانحيازهم إلى جانب المعارضة، إلى جانب الاستياء منه داخل حزبه الذين يتهمونه بخوض معركته الشخصية على حساب سمعة الحزب وانضمامهم للمنشقين.
ويعيش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أياما صعبة في ظل أزمة اقتصادية حادة تعيشها البلاد مع استمرار تهاوي الليرة إلى أدنى مستوياتها واستمراره بالتمسك بتخفيض الفائدة غير عابئ بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأتراك بسبب سياساته الاقتصادية التي لا تحتكم إلى أيّ منطق.
ورغم أن أردوغان يتمسك بنظرية المؤامرة وتحميل أزمة الليرة لـ”أياد خارجية”، ويعد بحرب “معركة استقلال” جديدة، إلا أن ما يهم الأتراك هو النتيجة، وهي التي تحدد النجاح من الفشل، حيث قاد ارتفاع التضخم إلى حدود 20 في المئة إلى زيادة الأسعار. كما ارتفعت البطالة إلى 14 في المئة، بالإضافة إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ويقول مراقبون، بحسب صحيفة العرب، إنّ الرئيس التركي الذي استمر في السلطة لأكثر من عشرين عاما خسر الورقة التي ساهمت في صعوده، وهي المكاسب الاقتصادية، وإنّ سياسته خلال السنوات الأخيرة قد هدمت كل دعم قد يأتيه من المواطنين العاديين أو من رجال الأعمال الذين باتوا أكثر المتضررين من سياسة تراكم العداوات ووضعت أمامهم عراقيل في تركيا كما في المحيط الإقليمي سواء في أوروبا أو في المنطقة العربية، وخاصة في دول الخليج.
وانضم رجال الاقتصاد والمال، الذين بقوا يراقبون الوضع لسنوات لاختبار قدرة حكومة حزب العدالة والتنمية على إصلاح الاقتصاد وفتح مجالات جديدة أمامه، إلى المعارضة الواسعة التي تطالب بالتغيير، خاصة بعد أن فشلت وعود أردوغان التي هدفت إلى تبرير مغامراته الخارجية في ليبيا وشرق المتوسط بجلب فرص الاستثمارات والمشاريع لرجال الأعمال الأتراك.
وتوفر الأزمة الاقتصادية الحادة مبررا قويا لأحزاب المعارضة من أجل الضغط نحو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة وعدم انتظار الانتخابات العامة المقررة في 2023. وينتظر أن تلاقي هذه الدعوة دعما واسعا لدى الطبقة السياسية والمجتمع المدني وغالبية الشارع التركي، على أمل ربح الوقت من أجل إجراء إصلاحات عاجلة تعيد التوازن للاقتصاد التركي وتخفف من تأثيرات الأزمة على الفئات الضعيفة.
وقد تعمد المعارضة إلى الضغط من خلال النزول إلى الشارع في مظاهرات كبيرة تطالب بالتغيير، مستفيدة من الارتباك الحكومي بسبب أزمة الليرة. لكن خبراء يحذرون من أن أردوغان قد يرد بعنف أكبر على استفزاز المعارضة.
وقال سليم كورو المحلل بمركز أبحاث السياسة الاقتصادية التركية تيباف ومقره أنقرة إن أردوغان سيستخدم القوة إذا خرجت أعداد أكبر إلى الشوارع. وتابع “مؤيدوه أقلية الآن، وهم يفقدون قوتهم وسوف يخافون الاحتجاجات أكثر فأكثر”.
ولا يستبعد سياسيون أتراك أن يقود استمرار أردوغان في أسلوبه المتشدد تجاه الأزمة الاقتصادية إلى اهتزاز الائتلاف الحالي بين العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الذي يرأسه دولت بهجتلي، متوقعين انسحاب الحزب الأخير من التحالف للحيلولة دون تحميله مسؤولية فشل سياسات أردوغان ومعاقبته شعبيا كما حصل في الانتخابات البلدية، وفي أكبر المدن التركية.
ويشير محللون سياسيون أتراك إلى أن عدم الرضا عن سياسات أردوغان امتد إلى مراكز النفوذ القوية داخل الدولة العميقة، وأن قيادات في الجيش لم تعد راضية عن التدخلات الخارجية للمؤسسة العسكرية، وتعتبر أن التدخل في أذربيجان أو ليبيا لم يجلب أيّ مكاسب لتركيا، وعلى العكس فهو يرفع من منسوب المخاطر الأمنية ويوتر العلاقات الإقليمية والدولية للبلاد في الوقت الذي تحتاج فيه إلى المزيد من الشراكة للخروج من الأزمة.
ويلفت هؤلاء إلى أن المؤسسة العسكرية أو الجهاز الأمني قد يضطران إلى سحب الثقة من التحالف الحاكم، وينضمان إلى صفوف المعارضة في الدعوة إلى الانتخابات المبكرة التي لن تكون نتائجها كما يأمل أردوغان، خاصة في ظل حالة العداء المستحكم بينه وبين وسائل الإعلام المختلفة بعد سياسة التضييق والإغلاق ضدها واعتقال الصحافيين وحبسهم.
لكن الضربة القوية التي يمكن أن يتلقاها أردوغان ستكون من حزب العدالة والتنمية وسط تزايد التقارير عن غضب داخلي من أداء رئيس الحزب الذي يتهم بأنه خاض معاركه الشخصية والعائلية على حساب سمعة الحزب الذي تراجعت شعبيته وينتظر أن يتعرض إلى نكسة جديدة أقوى من نكسة الانتخابات المحلية وخسارة أهم مواقعه وأكبرها.
وتشير تقارير من محيط العدالة والتنمية إلى أن الحزب قد يشهد موجة جديدة من الاستقالات أسوة بالاستقالات السابقة التي قادت إلى خروج أسماء بارزة من وزراء ونواب وقياديين ميدانيين تركوا الحزب بسبب سيطرة أردوغان ومحيطه على القيادة وحلول الدكتاتورية مكان الديمقراطية الداخلية.
وما يزيد من الغضب في صفوف الحزب أن أخطاء السلطة القاتلة في الملف الاقتصادي ستقلل من فرص الأعضاء وخاصة القيادات المتوسطة والعليا في الفوز في أيّ انتخابات قادمة، لأجل ذلك سيفكر الكثيرون بالالتحاق بحزب رئيس الوزراء الأسبق والمنشق عن حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو، أو وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان.
وقال جان سيلجوكي مدير وكالة استطلاعات الرأي تركيا رابورو “قيادات الحزب لا ترغب في أن تكون عضوا في البرلمان عندما تغرق السفينة، خاصة إذا لم تكن في الدائرة المقربة”.
وفي الوقت الذي يخسر فيه الرئيس التركي شعبيته وثقة الناس حتى داخل حزبه، فإنه يجد نفسه في وضع صعب في علاقاته الخارجية، وهذا بسبب مواقف متشنجة سابقة كان اتخذها في الكثير من الملفات خاصة في العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ولم يتدخل أحد من الغرب حتى الآن لإنجاد أردوغان. وفيما كان الرئيس التركي ينتظر أن يوفر لقاؤه بالرئيس الأميركي جو بايدن الفرصة التي يبحث عنها لنزع فتيل الأزمة مع واشنطن، فإن الموقف الأميركي لا يبدو أنه تغير أو خرج من دائرة البرود عقابا لأنقرة لأجل إصرارها على شراء منظومة أس – 400 الروسية، وتحدي التزاماتها بالانتماء إلى حلف شمال الأطلسي.