جددت أنباء مرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد مقاطع الفيديو التي أظهرت عجزه عن السير طبيعياً، النقاشات داخل تركيا حول امكانية ترشّحه للانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2023 وأسماء الشخصيات التي قد تخلفه في منصبه من داخل منظومته وسيناريوات تداول السلطة المحتملة.
وعجّت آلاف حسابات التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي بأنباء تدهور حالة أردوغان الصحية ودخوله المستشفى، حتى أن بعض الإشاعات ذهب إلى إعلان وفاته، ما أجبر المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي التركي إلى نشر مقطع فيديو جديد، يظهر أردوغان مرة أخرى خلال ممارسته رياضة كرة السلة مع عدد من الشبان في إحدى ضواحي إسطنبول بعيد ادائه صلاة الجمعة، بحسب تقرير لصحيفة النهار العربي.
أما المفاجأة الأكبر فتمثّلت في القنبلة التي فجّرتها الصحافية التركية المتخصصة في الشأن الأميركي بهار فيزان، والتي تحدّثت عن معلومات لكواليس اللقاء الذي جمع الرئيس التركي بنظيره الأميركي على هامش مؤتمر دول الـ20 في روما مؤخراً.
وكشفت فيزان من جملة هذه المعلومات أن الرئيس الأميركي جو بايدن نصح أردوغان بالانسحاب من الترشّح للانتخابات القادمة قائلاً له “تحجج بسوء وضعك الصحي وعدم امكانية استمرارك في مزاولة العمل السياسي”.
وأضافت فيزان أن “هذه النصيحة لم تكن صادرة عن بايدن فقط، وإنما تم تكرار الجملة ذاتها على مسامع أردوغان من قبل أكثر من مسؤول أوروبي خلال اجتماع روما”، معتبرة أن “الضغط الذي تعرّض له الرئيس التركي قد يكون السبب في تدهور حالته الصحية بشكل مفاجئ وعدم تمكّنه من حضور قمة غلاسكو للمناخ في اليوم التالي” رغم أن مشاركته في القمة كانت معلنة ضمن جدول سفره مسبقاً.
ويرى الصحافي التركي أحمد عزيز نيسين أن “المسألة لم تعد في رفض بايدن أو بعض الزعماء الأوروبيين لأردوغان، بل أن النظام العالمي لم يعد يحتمله، وهو النظام الذي يدير الحكومات في العالم”، مبيّناً أن “تركيا أيضاً تخضع بطريقة ما لهذا النظام حيث أنه في الوضع التركي ليست الحكومات هي التي تدير الدولة بل الدولة هي التي تدير الحكومات”.
ويؤكد نيسين في تصريح لـ “النهار العربي” أن “أردوغان لن يترشّح للانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك ليس بسبب عدم رغبة بايدن أو غيره، بل لأنه يعلم تماماً بأنه لن ينجح في تلك الانتخابات”، وهو الرأي السائد لدى الغالبية العظمى من الأحزاب والشخصيات المعارضة في تركيا اليوم استناداً على نتائج استطلاعات الرأي المتتالية في الأشهر الستة الأخيرة، والتي تشير وضمنها شركات مقرّبة من السلطات التركية، إلى تراجع شعبية أردوغان وبشكل خاص في فئة الشباب التركي.
ويشرح نيسين في حديث مطول لـ “النهار العربي” 3 سيناريوات محتملة للفترة الرئاسية القادمة.
ويستند السيناريو الأول إلى اتفاق بين كل من أردوغان والرئيس التركي السابق، وشريكه في تأسيس حزب “العدالة والتنمية” عبدالله غول على تقاسم السلطة، حيث يقوم الحزب مجدداً بترشيح غول للرئاسة، في حين يخوض أردوغان الانتخابات النيابية وفي حال حصول حزبه على أكبر كتلة برلمانية، وهو المحتمل حسب نيسين، يتم تكليفه من قبل غول لتشكيل الحكومة.
ويرى نيسين أن غول لديه فرصة أكبر من أردوغان للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك لأنه يحظى بشعبية كبيرة لدى القاعدة الشعبية لـ”العدالة والتنمية”، وستتعزز هذه الشعبية بطبيعة الأحوال حينما يتحالف مع أردوغان، كما أنه يحظى بشعبية جيدة أيضاً لدى ناخبي الحزبين المنشقين عن “العدالة والتنمية”: “المستقبل” و”الديموقراطية والتقدم”، اللذان يحظيان بنسبة 5 في المئة من أصوات الناخب التركي حسب معظم استطلاعات الرأي.
ويعلل نيسين سعي أردوغان إلى دخول البرلمان التركي، برغبته في الحصول على حصانة تبعد عنه شبح تعرّضه للمحاكمة في حال فوز المعارضة التركية بالرئاسة، “بخاصة في ظل عدم امكانية حصوله على ضمانات بعدم تعرّضه لدعاوى قضائية، لأن الدستور التركي لا يمنح مثل هذه الحصانة للرؤساء”.
ما يعزز سيناريو تقاسم أردوغان السلطة مع غول، أكثر من غيره من السيناريوات، هو اللقاء الذي جمع بين “الشريكين اللدودين” في منزل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، حيث علم “النهار العربي” من برلماني في حزب “الشعب الجمهوري” المعارض اشترط عدم الكشف عن اسمه أن “اللقاء بين الرئيسين الحالي والسابق في منزل وزير الدفاع ركّز بشكل رئيسي على العودة إلى نظام الحكم البرلماني وتشكيل تحالف انتخابي جديد مكون من أحزاب العدالة والتنمية، والسعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم من أجل الحصول على الغالبية البرلمانية المخولة لتشكيل حكومة”.
في المقابل، على الرغم من المناقشات السائدة في تركيا حول السيناريو المذكور في الآونة الأخيرة، إلا أن الرئيس التركي الحادي عشر عبدالله غول لا يزال يلتزم الصمت حيال هذه الادعاءات، ممتنعاً عن تأكيد أو نفي ما يتم تداوله في سياسة يفسّرها البعض باستمرار المناقشات والمفاوضات الرامية للوصول إلى حل نهائي.
أما السيناريو الثاني، حسب نيسين، فهو انسحاب أردوغان من الترشّح للرئاسة التركية لصالح وزير الدفاع خلوصي أكار أو وزير الداخلية سليمان سويلو. لكن يستدرك نيسين في سياق مناقشة هذا السيناريو حقيقة أن “شعبية صويلو تراجعت كثيراً بفعل الادعاءات التي أوردها المافيوزي التركي الشهير سيدات بيكير في فيديواته حينما أثار عشرات ملفات الفساد في حق وزير الداخلية، من دون أن يتمكّن الأخير حتى الآن من تقديم حجج مقنعة تثبت عدم صحة هذه الادعاءات”.
أما بالنسبة لأكار فيرى نيسين أنه “يعتبر أكثر شعبية لدى جمهور العدالة والتنمية، لكن من الصعب إقناع هذه القاعدة بانتخاب شخصية عسكرية لرئاسة البلاد، ما يضعف من احتمالات نجاحه في الانتخابات الرئاسية”.
أما السيناريو الأكثر خطورة برأي نيسين فيتمثّل بفوز مرشح المعارضة التركية (زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كليتشدار أوغلو في الغالب) بالرئاسة، وبالتالي اقدام أحد الشخصيتين السابقتين، أكار أو سويلو، على ضربة عسكرية للاستيلاء على السلطة.
لكن في المقابل، ما يضعف من احتمالات تحقق هذا السيناريو، هو حالة اللاثقة أو ضعف التنسيق بين وزيري الدفاع والداخلية، حيث توصف العلاقة بينهما بالتنافسية، وبالتالي ليس من السهل اتفاقهما على خطوة كبيرة وخطيرة كالانقلاب العسكري أو الشرطي في دولة مثل تركيا.
وتظهر حالة التنافس هذه من خلال طلب أكار من الرئيس التركي مؤخراً بإعادة الجندرما إلى هيكلية وزارة الدفاع بعد أن تم اتباعها لوزارة الداخلية، بحيث تجاوز عديد وزارة الداخلية التي تتضمن قوات الشرطة والأمن ومكافحة الإرهاب وخفر السواحل والجندرما الجيش التركي للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وتصبح قوة سويلو أكثر خطورة إذا ما أضفنا إليها شركة “سادات” الأمنية الخاصة، التي تعمل بشكل لصيق مع وزارة الداخلية والاستخبارات التابعة لها. ولم يبت الرئيس التركي في طلب وزير الدفاع بعد، حسب ما يؤكد نيسين.
رغم اختلاف السيناريوات الثلاثة المطروحة بالنسبة لفترة ما بعد انتخابات 2023، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو عدم امكانية استمرار أردوغان في حكم تركيا رئيساً جامعاً للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، في حين يبدو السيناريو الثالث الأكثر دمويّة وخطورة على مستقبل البلاد.
مشاركة المقال عبر