منذ وقوع عفرين تحت سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها، ومسلسل الأزمات الإنسانية والانتهاكات والفلتان الأمني يتفاقم شيئًا فشيئًا، فلا يكاد يمر يوم بدون انتهاك أو استهداف أو تفجير وما إلى ذلك من حوادث.
ويسلط المرصد السوري لحقوق الإنسان في التقرير الآتي، الضوء على الأحداث الكاملة التي شهدتها تلك المناطق خلال شهر أيلول/سبتمبر 2021.
فقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان خلال شهر أيلول، مقتل 16 شخص، توزعوا على النحو التالي: 11 قتيلاً من فرقة الحمزة بقصف جوي روسي استهدف مقر ومعسكر للفرقة في قرية براد ضمن منطقة جبل الاحلام بريف عفرين، وشخص جراء انفجار عبوة ناسفة بسيارة في حي الأشرفية بمدينة عفرين، وقائد عسكري في فرقة الحمزة واثنان من مرافقيه في انفجار عبوة ناسفة بسيارة كانوا يستقلونها بناحية راجو، وعنصر من الشرطة العسكرية قضى متأثراً بجراح أصيب بها جراء اندلاع اشتباكات بين الشرطة العسكرية وفرقة السلطان مراد في ناحية بلبل بريف عفرين بتاريخ 29 آب/أغسطس المنصرم.
ورصد المرصد السوري في منطقة عفرين خلال شهر أيلول، 4 تفجيرات، الأول في الخامس من الشهر حين انفجرت عبوة ناسفة بسيارة من نوع “سانتافيه” أمام محل لبيع المحروقات، على طريق ترندة بحي الأشرفية في مدينة عفرين، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 4 آخرين، والثاني كان بتاريخ 13 الشهر حين انفجرت عبوة ناسفة بسيارة كانت تقل قائد عسكري في “فرقة الحمزة” الموالية لأنقرة واثنين من مرافقيه بناحية راجو، ما أدى إلى مقتلهم على الفور.
التفجير الثالث كان في 14 الشهر، حين انفجرت عبوة ناسفة في حي الأشرفية بمدينة عفرين، ما أدى لأضرار مادية، أما آخر تفجيرات الشهر فكان في 23 أيلول حين انفجرت عبوة ناسفة بسيارة في حي الأشرفية بمدينة عفرين ما أدى لأضرار مادية أيضاً.
كما شهدت المنطقة في أيلول، 3 اقتتالات، الأول كان مطلع أيلول، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين فصيل فرقة الحمزة من جهة، وفصيل صقور الغاب بقيادة “معتز عبدالله” من جهة أخرى في قرى معراته وفقيران وجولاقان بريف عفرين، في محاولة من قبل “معتز عبدالله”، استعادة كافة المقرات التي خسرها، قبل شهر.
واستقدم فصيل فرقة الحمزة تعزيزات عسكرية إلى قرى معراته و جولقان وفقيران في محاولة منهم استعادة هذه القرى بعد أن خسرها، في حين أرسل فصيل العمشات ونور الدين الزنكي تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لمساندة فصيل فرقة الحمزة ضد مجموعة “معتز عبدالله”.
وفي الثاني من الشهر، تجددت الاشتباكات بوتيرة متفاوتة العنف بين فرقة الحمزة من جانب، وفصيل صقور الغاب بقيادة “معتز عبدالله” من جانب آخر، في قرية معراتة بريف عفرين وامتدادها إلى طريق عفرين-جنديرس، قبل أن تتدخل فصائل عسكرية أخرى لفض النزاع.
أما آخر اقتتالات الشهر فكان في 22 أيلول، حين اندلعت اشتباكات عنيفة بين فصيلي “جيش النخبة” من جهة، و”صقور الشمال” من جهة أُخرى، في قرية عبودان التابعة لناحية بلبل بريف عفرين شمال غرب حلب، على خلفيّة رفض عناصر فصيل “صقور الشمال” التوقف على حاجز تابع لفصيل “جيش النخبة”، وامتدت الاشتباكات العنيفة إلى قرية شيخورزة المجاورة لقرية عبودان، واستخدم الطرفان الأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة، ما أسفر عن إصابة أربعة عناصر من فصيل “صقور الشمال” وإصابة عدد آخر من مسلحي جيش النخبة، وسط استقدام كلا الطرفين لتعزيزات عسكرية كبيرة باتجاه ناحية بلبل.
في حين لاتزال الفصائل الموالية للحكومة التركية تتفنن بارتكاب الانتهاكات اليومية بحق أهالي المنطقة الذين رفضوا التهجير منها واختار البقاء في مناطقهم، بالإضافة لانتهاكات تطال المهجّرين إلى المنطقة أيضاً، وقد أحصى المرصد السوري خلال الشهر الفائت، قيام الفصائل الموالية لأنقرة بخطف واعتقال أكثر 57 مدني بينهم 7 نساء، وذلك في مدينة عفرين ومناطق ضمن نواحي بلبل وراجو وشيخ الحديد ومعبطلي وشران وجنديرس التابعة لعفرين، جرى الإفراج عن قسم منهم بعد دفع ذويهم لمبالغ مادية، بينما البقية لا يزال قيد الاعتقال والخطف.
وفي خضم الحديث عن الانتهاكات يسلط المرصد السوري الضوء على سلسلة من الانتهاكات التي وثقها في شهر أيلول، حيث قام عناصر ضمن فصيل جيش النخبة المسيطر على قرى ناحية شران مطلع أيلول على سرقة الأنابيب الحديدية من 6 آبار ارتوازية في قرية” عمر سمو “والتي تغزي حوالي 16 عشرة قرية في ناحية شران، بالإضافة إلى سرقة الأنابيب الممتدة تحت الأرض بين هذه القرى بعد حفرها بالجرافات والآليات الثقيلة، بحيث يتم تجميع هذه الأنابيب في مقرات “جيش النخبة” في قرية عمر سمو، ليتم لاحقاً نقلها إلى الأراضي التركية، وإلى الآن تم نقل ما يزيد عن 5 شاحنات إلى الأراضي التركية، فيما تنقل باقي المواد المسروقة من غطاسات والفونت المكسي إلى مدينة إعزاز وبيعها كخردة.
وفي الثامن من أيلول، أقدم عناصر من “لواء السمرقند” الموالي لتركيا، على مداهمة منزل في ناحية جنديرس واعتقال شاب كوردي من أبناء قرية كفرصفرة بناحية جنديرس عقب عودته إلى عفرين قادمًا من مدينة حلب، حيث جرى اقتياد الشاب إلى أحد مقرات الفصيل والاعتداء عليه بالضرب المبرح والتعذيب الشديد، وذلك بعد مطالبة الشاب باستعادة منزله في قرية كفرصفرة وتسوية وضعه، إلا أن “لواء السمرقند” رفض إخلاء المنزل وقام عناصره بالاعتداء عليه بعد اعتقاله، ليتم إطلاق سراحه بعد ساعات من اعتقاله بعد دفعه مبلغ 10 آلاف دولار أمريكي، ولا يزال الشاب طريح الفراش جراء ما تعرض له من تعذيب شديد.
وفي القسم الثاني من الشهر قام عناصر من السلطان مراد بالاستيلاء على منزل مواطن مُهجر من أهالي قرية كفرجنة التابعة لناحية شران والمقيم بمدينة حلب، حيث يقع منزل المواطن جانب “مسجد الشيخ شواخ” في حي عفرين القديمة بمدينة عفرين، وفقًا لنشطاء المرصد السوري، فإن شقيق صاحب المنزل الذي جرى الاستيلاء عليه من قِبل عناصر “السلطان مُراد” هو من كان مسؤول عن المنزل، ويقوم بتأجيره، إلا أن عناصر “السلطان مراد” عمدوا خلال الأيام الأخيرة إلى تكسير أبواب المنزل والاستيلاء عليه بقوة السلاح وتحويله إلى مقر عسكري بعد خروج المستأجر.
وفي 14 الشهر، أصدر “فيلق الشام” المقرب من المخابرات التركية قرارًا جديدًا يمنع بموجبه أهالي قرية براد بناحية شيراوا من التوجه لجني محاصيلهم الزراعية تحت طائلة الاعتقال ودفع الغرامة المالية، حيث يتوجب على الأهالي أخذ موافقة أمنية من الفصيل المسيطر على القرية ودفع إتاوة مالية غير محددة مقابل السماح لهم بالذهاب إلى حقولهم وجني محاصيلهم، حيث يسعى “فيلق الشام” إلى التضييق أكثر وأكثر على سكان المنطقة الأصليين، عبر إصدار قرارات تعجيزية هدفها دفع الأهالي إلى الهجرة والاستيلاء على ممتلكاتهم بذريعة أن الأمر يهدف إلى الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.
وفي تاريخ 29 أيلول، اعتقل قيادي من فصيل “الجبهة الشامية” يدعى “علاء حسن صقر” مواطن من أهالي قرية ماملي التابعة لناحية جنديرس بريف عفرين، قبل أيام، واعتدى عليه برفقة عناصره بالضرب المبرح، على خلفية تقديم المواطن شكوى ضده بسبب استيلائه على فيلا على طريق كفرجنة لدى ما يسمى” لجنة رد الحقوق ” بالإضافة إلى تقديم شكوى ضد القيادي لدى المحاكم المشكلة من قبل تركيا ، الأمر الذي استفز القيادي وأقدم على اعتقال المواطن واقتياده إلى سجن “الجبهة الشامية” في قرية كفرجنة بناحية شران والاعتداء عليه بالضرب المبرح، ما أدى لإصابته بجروح وكدمات، بالإضافة إلى تهديده بالخطف وقتل عائلته في حال مواصلته تقديم الشكاوي.
وبالانتقال إلى ملف التغيير الديمغرافي، فقد فتتح “المجلس المحلي” في مدينة عفرين بتاريخ 30 آب/أغسطس المنصرم، قرية جديدة تحت مسمى “كويت الرحمة” لتسكين النازحين والمهجرين من مختلف المناطق السورية بها، وذلك بهدف تغيير التركيبة السكانية ضمن عملية التغيير الديموغرافي التي تعمل عليها الحكومة التركية من خلال دعم والسماح للمنظمات والهيئات المدنية ببناء وحدات سكنية ضمن بلدات وقُرى جرى تهجير أهلها بعد تدمير منازلهم بفعل عملية “غصن الزيتون” في قُرى وبلدات عفرين شمالي غرب حلب، وتقع قرية “كويت رحمة” الجديدة بين قريتي قيبار وقرية الخالدية بناحية شيراوا بريف عفرين، وتعود الأراضي التي جرى بناء وحدات سكنية عليها لمواطنين من أتباع الديانة الإيزيدية، وتضم القرية الجديدة نحو 380 وحدة سكنية، بالإضافة إلى وجود مسجد ومدرسة ومستوصف و معهد لتدريس القرآن الكريم وسوق تجاري، حيث جرى بناءها من قبل جمعية كويتية فلسطينية ” شام الخيرية ” بمشاركة بعض المنظمات التركية العاملة في الشمال السوري.
الجدير ذكره أن قرية الخالدية والتي تم بناء الوحدات السكنية على أنقاضها عقب تدميرها بشكل شبه كامل من قبل الطائرات الحربية التركية في يناير/كانون الثاني من العام 20218، وتهجير سكانها بفعل عملية “غصن الزيتون” هي إحدى قرى ناحية شيراوا في جبل ليلون وتقع على أعلى الجبل ومحاطة بعدة قرى منها مريمين شرقاً و قيبار غرباً، وكان عدد سكانها نحو 100 نسمة وعدد المنازل فيها حوالي 20 منزلاً، سكانها يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي قبل تدمير القرية بشكل كامل من قبل الطائرات الحربية التركية.
وخلال الأيام الأولى من شهر أيلول، قام قيادات عسكرية ضمن الفصائل بشراء عقارات من المهجرين بأسعار زهيدة، حيث عمدوا خلال الفترة الأخيرة إلى التواصل مع أصحاب منازل ومحال وأراض من أبناء عفرين المهجرين بفعل عملية “غصن الزيتون” وشراء بعض من عقاراتهم بأسعار أقل عن سعرها الأساسي، وذلك عبر وسطاء من أصحاب المكاتب العقارية أو أشخاص من أقرباء لأصحاب الممتلكات أو من خلال توكيل أشخاص متواجدين في عفرين لبيع عقاراتهم، ويستغل قادة “الجيش الوطني” أوضاع المهجرين العفرينيين من خلال الحديث معهم وإعطائهم رسائل مبطنة مفادها بأن ممتلكاتهم سيتم الاستيلاء عليها عاجلًا أم آجلًا وأن المنطقة أصبحت تحت إمرة القوات التركية والفصائل، مما يدفع الكثير من مهجري عفرين إلى بيع ممتلكاتهم بأسعار بخسة، خوفًا من خسارتها بشكل كامل.
كما حصل المرصد السوري لحقوق الإنسان في 20 آب، على قائمة تضم أسماء 65 مدنيًا من أهالي ناحية بلبل استولى فصيل سلطان مراد على منازلهم بقوة السلاح، ونهبوا أثاثها ومنعوا المدنيين من العودة إليها، لتوطين عائلات المسلحين الموالين لأنقرة في تلك المنازل، مما أجبر الأهالي على استئجار المنازل في عفرين بمبالغ باهظة، أو نزولهم ضيوفًا عند أقربائهم أو نزوحهم إلى القرى المجاورة للسكن هناك.
وبالرغم من تقديم عدة شكاوى ضد الفصيل إلى لجنة ما يسمى ” رد الحقوق “، لم تثمر شكواهم إلا خيبة الأمل.
وأقدم عنصر من فصيل الجبهة الشامية على بيع منزل مواطن كوردي مهجر مقابل 1400 دولار أمريكي، في حي الأشرفية، كما استولى عنصر آخر من فرقة الحمزة، على منزل مواطن بقوة السلاح رغم تقديم المواطن شكوى رسمية لدى لجنة ما تسمى بـ”رد الحقوق”.
بينما واصلت روسيا تصعيدها العسكري على مناطق نفوذ القوات التركية وفصائل غرفة عمليات “غصن الزيتون” خلال شهر أيلول، فقد شنت المقاتلات الروسية غارات جوية مرتين خلال يوم 25 أيلول، مستهدفة محاور قرى باصوفان وبراد، وأخرى طالت نقاط تابعة لفصيل “الجبهة الشامية” الموالي لتركيا في منطقتي باصوفان وباصالحية في ناحية شيراوا جنوب غرب عفرين.
أما 26 أيلول، فقد شهد مقتل 11 عنصر من فرقة الحمزة وإصابة نحو 13 آخرين بجراح منهم، جراء استهداف جوي روسي على مدرسة تتخذها الفرقة مقرًا ومعسكرًا لها في قرية براد ضمن منطقة جبل الأحلام بريف عفرين، شمال غربي حلب، ووفقًا لنشطاء المرصد السوري، فإن غالبية القتلى من أبناء الغوطة الشرقية ومناطق أُخرى في ريف دمشق.
ومما سبق يتضح جليًا أن مسلسل الانتهاكات في مناطق “غصن الزيتون” لن تتوقف حلقاته، طالما تستمر القوات التركية والفصائل التابعة لها في مخالفة كل الأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان دون رادع لها يكبح جماح الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها بحق الشعب السوري في تلك المناطق، رغم التحذيرات المتكررة من قبل المرصد السوري مما آلت إليه الأوضاع الإنسانية هناك.