آراء وتحليلات العالم والشرق الاوسط

لماذا عاد وفد المعارضة من نيويورك وواشنطن بخفي حنين؟

كان أمراً لافتاً ما صرح به رئيس الائتلاف الدكتور سالم المسلط حول تحيّز الولايات المتحدة الأمريكية بالتعامل مع وفود المعارضة التي حضرت إلى نيويورك، ومن ثم انتقلت لواشنطن ضمن فعالية سنوية تجري بالأمم المتحدة (ويقصد التفاوت بطريقة التعامل ما بين وفد “مسد” ووفد “الائتلاف)، ويتواجد خلال تلك الفعاليات الأممية زعماء دول العالم قاطبة (193 دولة)، أو من ينوب عنهم، لإلقاء كلمات تعبّر عن سياسة كل دولة ووجهة نظرها تجاه الأحداث الدولية، وقضاياها التي تود إيصالها لبقية عناصر المجتمع الدولي، وعادة ما تتم تلك الفعالية في الثلث الأخير من الشهر التاسع أيلول/سبتمبر من كل عام، ويتم استغلال الفعالية، واستغلال زخم حضور الزعماء، من قبل ممثلي الدول الصغيرة والمنظمات وممثلي الثورات، وبالتالي كان حضور وفد الائتلاف المشترك مع هيئة التفاوض ووفد “مسد” ضمن هذا الإطار، وعادة بعد أن تعقد الوفود والبعثات لقاءات متعددة بمكاتب ودهاليز الأمم المتحدة في نيويورك، تنتقل بعض الوفود ووفق (روزنامة) معدة سابقاً لعقد لقاءات ثنائية جانبية مع بعض أصحاب القرار بالمؤسسات الأمريكية ووزاراتها والبيت الأبيض، كدولة تستفرد بقيادة العالم عبر أحادية القطب التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

أمام تصريحات رئيس الائتلاف المُحبطة (وهو أمر ليس مفاجئاً للكثير من المطلعين على أداء مؤسسات المعارضة والعارفين بطبيعة عملها وطريقة إدارة شؤونها)، كان لا بد من التوسع والاتصال والبحث عن برنامج زيارة الوفد المشترك لكل من نيويورك وواشنطن, والأسباب التي أوصلتنا لهذا الوضع (اللا مرضي) بأقل تقدير.

كان من الطبيعي أن نتواصل مع بعض المنظمات والشخصيات السورية الثورية الفاعلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وسؤالهم عن سبب ما حصل لوفد الائتلاف من تهميش أو انخفاض مستوى الموظفين الذين التقوا معهم، وعن سبب غياب الشخصيات الفاعلة وأصحاب القرار عن لقاءات الوفد المعارض، إذا ما قورن برنامجهم ببرنامج وفدي “مسد” والنظام مثلاً.

وفد “مسد” الذي ترأسته السيدة “إلهام أحمد” كان لها لقاءات جداً مهمة، إن كان في نيويورك مع الوفود الزائرة، أو في واشنطن في كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، إضافة للقاءات عقدتها بصحبة وفدها مع أعضاء غاية بالأهمية في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكيين، ونظمت لوفد “مسد” ندوات في مراكز ومعاهد الدراسات الاستراتيجية المشهورة في واشنطن ونيويورك، تلك المراكز التي تشكل عادة البوابات الأولى التي يطرقها ساسة واشنطن أثناء اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية، ووجهت لوفد “مسد” الكثير من الدعوات من الجالية السورية الكوردية هناك ومن رجال الأعمال، وكان لهم برنامج حافل وطويل، وانتقالاً إلى وفد نظام الأسد (المعزول دولياً) والذي استطاع أيضاً عقد اجتماعات مع أكثر من 22 زعيم دولة ووزير خارجية (منهم 9 وزراء خارجية عرب)، إضافة لعقده الكثير من اللقاءات الفردية مع بعثات وفعاليات مهمة، وأقيم لوفد “النظام” حفل عبر دعوة من أطباء ومهندسين ورجال أعمال سوريين موالين للأسد في مقر البعثة السورية، بل إن وزير خارجية الأسد “فيصل المقداد” أخذ تعهداً أممياً بأن تكون زوجته التي اصطحبها معه لنيويورك على رأس منظمة أممية هامة بقادمات الأيام.

أما وفد المعارضة (المنحوس) فقد اقتصرت لقاءاته في نيويورك على البعثات الدائمة للدول (وتلك اللقاءات يمكن لأي مواطن عادي الحصول عليها وقتما يشاء ودونما جهد)، دون أي لقاء لوفد الائتلاف وهيئة التفاوض مهم مع وزراء أو رؤساء دول مهمة بالشأن السوري، باستثناء لقاءين مع الأمين العام للجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة، وهو أمر بروتوكولي ملزم، ولقاءين آخرين مع وزيري الخارجية القطري والأستوني، أما من حيث لقاءاتهم مع المسؤولين الأمريكيين فقد تمت عبر موظفين من مستويات متدنية، ولا يشكلون عنصراً فاعلاً في دائرة صانعي القرار الأمريكي، لكن الأغرب كان عدم التواصل مع وفد الائتلاف وهيئة التفاوض من أي جهة سورية من معظم المقيمين بالولايات المتحدة الأمريكية، سواء من رجال الأعمال أو المنظمات السياسية والمدنية أو من أعضاء سوريين فاعلين بمراكز دراسات أمريكية، وهكذا غابت معظم الشخصيات السياسية السورية الفاعلة في الولايات المتحدة الأمريكية عن التواصل مع وفد المعارضة المشترك، ورفضوا التواصل معهم، أو زيارتهم، أو توجيه دعوة لهم حتى ولو على كأس شاي، وتلك الشخصيات السياسية السورية هي الفاعلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت لهم صولات وجولات بالتأثير على صانعي القرار الأمريكي، وكان لهم دور فاعل في صناعة وتقديم وإخراج قانون “قيصر” للوجود، وكانت لهم أيضاً اجتماعات مميزة مع أعضاء فاعلين بالكونغرس الأمريكي دعماً للثورة السورية، وشكلوا إلى حد ما لوبياً (ثوري_سوري) فاعل في معظم الولايات الأمريكية التي يعيشون فيها خلال الأعوام الأخيرة.

هذا الأمر أيضاً دفعنا للتواصل مع شخصيات سورية ومنظمات (دون ذكر اسمها) للتأكد وللسؤال عن سبب إهمالهم لوفد المعارضة المشترك والتأكد مما حصل، وتبين أن كل ما نقل لنا من انخفاض مستوى اللقاءات كان صحيحاً، وتحدثوا عن فشل وفد المعارضة بالاجتماع مع شخصيات وازنة بالبيت الأبيض أو الخارجية أو وزارة الدفاع أو الاستخبارات أو الكونغرس، وتحدثوا عن (صفعة) سفر المسؤول عن الملف السوري بريت ماكفورك دون لقاء وفد الائتلاف، بعد أن أوكل الأمر لنائبته، بينما التقى هو شخصياً مع ممثلة “مسد” إلهام أحمد.

لو عدنا لشكل الوفد المشكل من الائتلاف وهيئة التفاوض لتمثيل الثورة في فعاليات الأمم المتحدة لوجدناه يضم كلاً من:

  1. سالم المسلط: رئيس الائتلاف الوطني السوري (رئيساً للوفد)
  2. عبد الأحد اسطيفو: نائب رئيس الائتلاف لشؤون العلاقات الخارجية
  3. عبد الحكيم بشار: نائب رئيس الائتلاف
  4. ربا حبوش: نائب رئيس الائتلاف
  5. عبد المجيد بركات: أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف
  6. قتيبة إدلبي ممثل الائتلاف في واشنطن
  7. مريم جلبي ممثلة الائتلاف في نيويورك
  8. أنس العبدة: رئيس هيئة التفاوض السورية
  9. بدر جاموس: عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، رئيس مكتب العلاقات الخارجية بهيئة التفاوض
  10. إبراهيم برو: عضو هيئة التفاوض السوري
  11. فدوى العجيلي: عضو هيئة التفاوض السوري
    دون جهد أو تمحيص نجد أن طريقة تشكيل الوفد استندت لنفس نهج دولة البعث والأنظمة الديكتاتورية بحيث إن أصحاب القرار وعند الطلب منهم تشكيل أي وفد يضعون بداية أسماءهم وبالفائض يتم “دحش” البقية.

وفد الائتلاف مشكل من أسماء أعلى 5 مناصب بقيادة الائتلاف، ومضاف لهم بشكل (إلزامي) اسمان واجبان هما ممثلا الائتلاف بنيويورك وواشنطن، وبالتالي لم تراع الخبرة، ولا وجود شخصيات ذات وزن سياسي مهم لدى الدول ذات الشأن بالملف السوري، بعيداً عن أي شخصية تملك “كاريزما” دولية، ولم يتواجد أصحاب الخبرات الدبلوماسية وخبرات البروتوكول، ولا أصحاب العلاقات الخاصة مع الدول الفاعلة نهائياً، وهذا دليل على ديكتاتورية اتخاذ القرار ومصادرته بحكم المنصب، وأن طريقة اختيار أعضاء الوفد لا تخدم القضية والثورة، بل تخدم مصالح ورغبات متصدري المشهد السياسي بغض النظر عن المصلحة الثورية، وبالانتقال لوفد هيئة التفاوض ينطبق عليه تماماً ما قيل بوفد الائتلاف.

أيضاً كان ملاحظاً اشتراك هيئة التفاوض بالوفد وهي بحكم “الميت السريري” عربياً وإقليمياً ودولياً، ولديها مشكلة إقليمية كبرى من حيث التمثيل، وترفضها بعض الدول وخاصة العربية، ووجودها بشكل مشترك مع وفد الائتلاف كان عاملاً سلبياً على الأقل مع بعض الدول العربية ذات الخلاف بشأن تمثيل هيئة التفاوض، وهذا ما انعكس بلقاء وزير خارجية الأسد مع (9) وزراء خارجية عرب، بينما اقتصر لقاء وفد المعارضة (عربياً) بلقاء وحيد مع الوزير القطري فقط لا غير.

بالعودة إلى ضعف البروتوكول الأمريكي مع الوفد المعارض المشترك، برر بعض المسؤولين الأمريكيين الأمر بالقول: لا تلوموا الولايات المتحدة الأمريكية فتسعة وزراء من إخوانكم العرب التقوا مع “المقداد” وأهملوكم، أما بخصوص مستجدات الأردن فقد استجابت الخارجية لمطالبكم وأصدرنا بياناً وفق ما أردتم.

وتابعوا قائلين: الإدارة الأمريكية بحكم أنها ديموقراطية الآن، موقفهم ثابت ولا يتزحزح برفض التدخل العسكري، ورفض استخدام الجيش الأمريكي خارج أراضيها، وأيضاً لا تؤمن بمبدأ استخدام العقوبات كأداة بالسياسة الخارجية، وهذا ينطبق على سوريا.

بالعودة لموقف معظم أعضاء الجالية السورية_ الثورية في الولايات المتحدة الأمريكية، فكان موقفهم (وفق أقوالهم) ينبع من موقفهم الرافض لسوء أداء مؤسسة الائتلاف، وبسبب رفض قيادات الائتلاف المتعاقبة لكل نصائح إعادة الهيكلة التي قُدمت لهم، والنمطية بالعمل التي تسود تصرفات مؤسسات المعارضة وغياب الشفافية، والتحزبات الداخلية والخارجية القاتلة التي أساءت للثورة، وأن إعادة هيكلة كامل مؤسسات المعارضة بات أمراً ملزماً وليس ترفاً يفكرون به، وكنوع من لفت النظر كان موقف الجالية السورية برفض التعامل أو التواصل مع وفد المعارضة، متعهدين بوضع أنفسهم وجهودهم تحت تصرفات مؤسسات ثورية جديدة فاعلة بعد عملية إعادة الهيكلة.

بالمحصلة يمكن القول:
هذا ما جنيناه على أنفسنا بسوء أدائنا السياسي, وقريباً سنكون أمام سقطة بالمجال العسكري لا تقل خيبة عما وصل إليه الأداء السياسي السلبي لمؤسسات المعارضة (ائتلاف, هيئة تفاوض, لجنة دستورية, ايستانا, حكومة), لكن ومن باب الأمانة علينا عدم تحميل الدكتور سالم المسلط كرئيس للائتلاف والوفد، مسؤولية ما حصل في نيويورك وواشنطن، كونه قادم جديد لرئاسة الائتلاف، ولعلمنا المسبق أن أسباب الإخفاق تعود لسياسات الرئاسات السابقة، ولقرارات الهيئات السياسية السابقة، ولتنازل القيادات السياسية والعسكرية عن قرارنا الوطني المستقل؛ وبالتالي ما حصل هو نتيجة لتراكمات سلبية عبر أداء سلبي أوصلنا لما نحن فيه.

ختاماً نحن أمام لحظة مفصلية، تتطلب من الجميع صحوة ضمير ووقفة مع الذات، وتتطلب تقديراً حقيقياً لتضحيات حاضنة الثورة من مهجرين ولاجئين ومشردين بالمخيمات وتحت الأشجار، لحظة مفصلية تتطلب انتفاضة جماعية، تعيد هيكلة كامل مؤسسات المعارضة السياسية والعسكرية والتفاوضية، وبما ينسجم مع أهداف ثورتنا وتضحيات شعبنا ويعيد لنا قرارنا المستقل، هيكلة حقيقية تتم بعيداً عن (الأنا) وبعيداً عن المصالح الشخصية والمناصب والمحاصصات التي حرفت ثورتنا وأضاعت منجزات شعبنا.

مقال للمعارض السوري العميد أحمد رحال

مشاركة المقال عبر