فاقم فشل أنقرة في ضبط الجماعات المتطرفة الموالية لها في إدلب الخلافات مع موسكو وأعاد التصعيد مجدداً إلى المنطقة التي باتت مفتوحة على عملية عسكرية واسعة النطاق، وهو ما عمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تلافيه خلال لقائه مؤخرا بنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
ويعكس تحشيد قوات الحكومة السورية في إدلب استعداداً لشن هجوم على الفصائل المسلحة الموالية لتركيا فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تثبيت التهدئة في المنطقة بعد لقائه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً في سوتشي، فيما يفاقم فشل أنقرة في إنهاء سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) على المحافظة الخلافات مع موسكو، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وحذر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عمر جليك الثلاثاء من أن أي توتر ينجم في محافظة إدلب سيؤدي إلى موجات هجرة ومآسٍ إنسانية جديدة، مؤكدا أن بلاده مهتمة اهتماما بالغا بالحفاظ على السلام والاستقرار بشكل دائم في إدلب (شمال غرب) ومناطق أخرى من سوريا.
وفي مايو 2017 أعلنت تركيا وروسيا وإيران التوصل إلى اتفاق على إقامة “منطقة خفض تصعيد” في إدلب، ضمن اجتماعات أستانة المتعلقة بالشأن السوري. إلا أن قوات الحكومة السورية وداعميها يهاجمون المنطقة بين الحين والآخر، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في الخامس من مارس 2020.
ويرى محللون أنه لا يمكن لقوات الحكومة السورية شن هجمات في إدلب دون ضوء أخضر روسي، وهو ما يؤشر على تغيير موسكو لاستراتيجيتها في المنطقة حيث توفر مقاتلات روسية غطاء جويا لقوات الحكومة خلال هذه الهجمات.
ويشير هؤلاء إلى أن تكثيف الهجمات الجوية الروسية على مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا في شمال غربي سوريا يعد عاملاً مهماً في تفاقم الجدل حول تنفيذ كل من أنقرة وموسكو للاتفاقيات الموقعة بينهما بشأن شمال سوريا. وتخضع محافظة إدلب في شمال غربي سوريا إلى حد كبير لسيطرة هيئة تحرير الشام التي تعتبرها الأمم المتحدة إرهابية، وهو ما يشكل اختلافا خطيرا للغاية بين تركيا التي تدعم هذه الكيانات وروسيا.
وترى أنقرة أنها نفذت بنود الاتفاق الموقع بخصوص إدلب وامتثلت لكافة ما توجب عليها، بما في ذلك إزالة التنظيمات المتطرفة عن الممر الآمن، في حين تعتبر موسكو أنها تستهدف الإرهابيين فقط.
وتنتقد روسيا تركيا لعدم تنفيذ البنود المتعلقة بالجماعات المتطرفة وفتح الطرق السريعة، بينما تنتقد تركيا روسيا لخرقها وقف إطلاق النار وعدم وفائها بالتزاماتها في تل رفعت ومنبج، ما يشير إلى وجود مأزق متبادل بين مواقف البلدين.
ويهدف اتفاق سوتشي الموقع في 2018 بين تركيا وروسيا وإيران بشكل رئيسي إلى الحفاظ على حالة عدم الصراع في إدلب، بحيث تتعهد روسيا بلجم الحكومة السورية من أجل الامتثال لوقف إطلاق النار مقابل ردع تركيا للجماعات المسلحة المتطرفة الموالية لها.
ويؤكد متابعون أن تركيا اتخذت بعض الخطوات على الأرض، إلا أنها لا تزال تواجه صعوبات كبيرة، من بينها أنشطة العناصر المتطرفة الخارجة عن السيطرة.
والاثنين أكدت وسائل إعلام روسية أن الحكومة السورية دفعت بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى مناطق التماس مع الفصائل السورية الموالية لتركيا بريف محافظة إدلب الجنوبي في شمال غربي سوريا.
ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن مصدر ميداني مسؤول (لم تسمه) قوله إن “قوات الحكومة أرسلت تعزيزات عسكرية ضخمة ونوعية إلى جبهات ريف إدلب الجنوبي، شملت دبابات ومدرعات وآليات عسكرية وجنودا، كما شملت عربات عسكرية ومعدات لوجستية وفرق اقتحام”.
وأضاف المصدر أن “التعزيزات تأتي ضمن خطة لرفع كامل الجاهزية على محاور الاشتباك مع فصائل المعارضة في جبل الزاوية وسهل الغاب وريف اللاذقية الشمالي الشرقي”.
وبخصوص احتمال شن عمل عسكري أشار المصدر إلى أن المعطيات السياسية والميدانية كافة تشير إلى عدم قدرة تركيا على ضبط فصائل المعارضة التي تنفذ هجمات منسقة ضد مواقع قوات الحكومة والقرى والبلدات الآمنة على طول خطوط التماس، ما يتناقض مع الاتفاقات بين موسكو وأنقرة.
وذكر أن بلدات وقرى ريف حماة الشمالي الغربي تتعرض لهجمات يومية، لافتاً إلى أن قوات الحكومة معنية بإبعاد خطر فصائل المعارضة الموالية لتركيا، وهذا “لن يتم إلا من خلال عمل عسكري واسع النطاق”.
وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الاثنين عن قلقه من أن التهديد “الإرهابي” مستمر في إدلب ويتزايد في بعض المناطق الأخرى، داعياً تركيا إلى تطبيق الاتفاقيات الموقعة مع روسيا حول عزل الإرهابيين، وخاصة هيئة تحرير الشام.
وتركز روسيا عادة على استهداف مجموعات تنتمي إلى هيئة تحرير الشام عند كل مطب تشهده العلاقات الروسية – التركية في سوريا منذ التوصل إلى اتفاق الهدنة.
وتحولت الأزمة السورية إلى مأساة إنسانية عصية على الحل، جراء المصالح والمواقف المتناقضة للفاعلين الكثر المؤثرين فيها؛ فبينما تقف الولايات المتحدة الحليف السابق لتركيا في جبهة ضدها بسوريا -وخصوصا في ما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية- تحولت روسيا العدو السابق لتركيا إلى شريك استراتيجي لها. وفي مقابل ذلك هناك خلاف تركي – روسي حول كلّ من إدلب ومنبج وشرق الفرات، وهناك تناقض آخر بين الطرفين، حيث تدعم موسكو حكومة دمشق عسكرياً، في حين تعارضه أنقرة بقوة.
وتزداد الأهمية الاستراتيجية لإدلب من موقعها المجاور لمحافظة اللاذقية، التي تعدّ من أهم معاقل الحكومة السورية وخزانها البشري، والتي تتضمن أيضا القاعدة العسكرية الروسية في حميميم.
ويشير الخبير السياسي الروسي فيودور لوكيانوف إلى أن المصالح الروسية والتركية في المنطقة “متعارضة تماما”، مضيفا أن “جميع الاتفاقيات التي تم التوصل إليها -بشأن انسحاب المسلحين من شمال غرب سوريا، وقيام تركيا بنقلهم إلى مكان آخر لأن لديها وحدة كبيرة هناك- لا يتم تنفيذها”.
وتخشى أنقرة أن يؤدي تفجر الوضع في إدلب إلى موجة هجرة جديدة. ومن شأن أي عملية عسكرية جديدة في المنطقة أن تسفر عن تداعيات كارثية بالنسبة إلى المدنيين المحليين الذين يقدر عددهم بنحو 4 ملايين شخص.
وتقول السلطات التركية إنها استقبلت على أراضيها حوالي 3.5 مليون لاجئ من سوريا وقد تجاوزت طاقاتها في هذا المجال.
وأكد أردوغان ذلك قبل لقاء بوتين بالقول “لم نعد نستطيع تحمل موجات هجرة جديدة”. وتحتضن تركيا قرابة 4 ملايين سوري.
مشاركة المقال عبر