العالم والشرق الاوسط

مناورات مضللة للناخبين في العراق: مرشحون مستقلون اليوم وغدا حزبيون

وسط حملة مقاطعة يقودها نشطاء انتفاضة تشرين في العراق للانتخابات التشريعية المؤمل إجراؤها يوم الأحد المقبل، يقدم عدد من المرشحين أنفسهم على أنهم مستقلون، في محاولة لتشكيل كتلة ضاغطة على الأحزاب والكتل الكبيرة التي تسيطر عليها الأحزاب المستحوذة على المشهد السياسي.
ومع أن نظرة الشارع العراقي متباينة لهؤلاء المستقلين، فأغلبهم سبق وأن قدم نفسه مرشحا ضمن الأحزاب المتهمة بالفشل السياسي والفساد، إلا أنه يسعى في هذه الانتخابات لإقناع الناخب العراقي بأنه مرشح لا يمتّ بصلة لتلك الأحزاب، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وبعد مرور عامين على انطلاق احتجاجات شعبية غير مسبوقة شهدها العراق، كان يفترض بالانتخابات التشريعية أن تعزز موقع المرشحين غير التقليديين أو “المستقلين”، لكن قد ينتهي المطاف بهؤلاء بالالتحاق بالأحزاب التقليدية التي كان بعضهم جزءا منها سابقاً.
ويسيطر اليأس والإحباط على العراقيين الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية التي قوبلت بحملة قمع دامية خلفت المئات من القتلى والآلاف من الجرحى، ما يعني أن العديد منهم قد يقاطعون الانتخابات، وهي الخامسة منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.
ووسط هذا السياق وعلى خلفية أزمة اقتصادية حادة يرجح بعض المراقبين بأن تكون المقاطعة واسعة من الناخبين الذين يقدر عددهم بـ25 مليونا، ما قد يصبّ في صالح الأحزاب السياسية الكبيرة.
ففي ظل التنافس الحاد بين الأطراف السياسية لاسيما الكتل البرلمانية الكبيرة داخل البرلمان الحالي، خصوصاً تحالف “سائرون” الذي يمثل التيار الصدري وتحالف “الفتح” الذي يضم مرشحين عن المجموعات الشيعية المدعومة من إيران، يسعى الفرقاء السياسيون إلى الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان البالغة 329.
وتشكّل هذه الانتخابات التي كان موعدها الطبيعي العام 2022، واحدةً من التنازلات القليلة التي قدّمتها السلطة إلى الشارع إثر الموجة الاحتجاجية غير المسبوقة في العام 2019 التي خرجت ضدّ الفساد وهدر المال العام، وطالب مشاركون فيها بإسقاط النظام كاملاً.
وتجرى الانتخابات وفقاً لقانون انتخابي جديد قائم على نظام دائرة الفرد الواحد، فيما رفع عدد الدوائر إلى 83 وقلّص حجمها بما يزيد من حظوظ مرشحين ذوي شعبية محلية كشيوخ العشائر.
ومن بين أكثر من 3240 مرشحاً، قدّم كثر أنفسهم على أنهم “مستقلون” عبر حملات انتخابية انطلقت في مطلع شهر يوليو. لكن العديد من العراقيين يشككون في تخلّي هؤلاء فعلا عن انتماءاتهم السياسية الأصلية.
واعتبر الناطق الرسمي باسم تجمع قوى المعارضة باسم الشيخ التعويل على أن تكون للمستقلين حظوظ كبيرة في الانتخابات المقبلة هو نوع من الاستخفاف بموازين اللعبة الديمقراطية التي ترسمها القوى التقليدية على وفق أهوائها وبالطريقة التي تضمن لها الحفاظ على مكتسباتها الانتخابية السابقة.
وقال الشيخ في تصريح لـ”العرب”، “قدمت هذه القوى شخصيات ذات صفة مستقلة لتضليل الناخب وحصد أكبر قدر من المقاعد البرلمانية ثم تعود هذه الشخصيات بعد الفوز بثقة الناخبين لتضع ما حصلت عليه من بيض الأصوات في سلال تلك القوى”.
وأشار إلى أن المستقلين الحقيقيين لا بواكي لهم وهم يضربون بحصرم خيبتهم لطغيان جماعة الضغط المجتمعية لرسم حصص الفائزين عقائدياً وقومياً وإثنياً وعشائرياً لتقف قدرة المدنيين والتشرينيين والموهومين بنزاهة الانتخابات واستقلاليتها عاجزة عن مجاراة الآلة الضخمة لقوى ومافيات السياسة، فيكشفون بعد فوات الأوان أنهم أسهموا بمنح شرعية إضافية إلى هؤلاء من دون قصد أو تعمد.
وأكد على أن الآلية المعتمدة في الانتخابات لا يمكن أن تفسح المجال أمام المستقلين ليكونوا قوة نافذة ومتحكمة في برلمان تسيطر عليه قوى المحاصصة.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن “لجوء المرشحين إلى مصطلح شخصيات مستقلة يهدف إلى النأي بأنفسهم عن إخفاقات أحزابهم، وهم يحاولون بذلك تقديم صورة جديدة عنهم غير مسؤولة عن الفساد وسوء الإدارة”، واصفا التصرف بـ”المناورة السياسية”.
وتبدو ظاهرة المرشحين “المستقلين” الذين لديهم تبعية حزبية سابقة واسعة الانتشار وتشمل أطرافا وكتلا سياسية مختلفة، مثل التيار الصدري بزعامة رجل الدين النافذ مقتدى الصدر، والقائمة الوطنية التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق أياد علاوي الذي يقاطع الانتخابات، وتحالف دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وكانت مثلاً إيناس المكصوصي، المرشحة في مدينة الكوت في وسط البلاد، مرشحة مع التيار الصدري في الانتخابات الأخيرة.
وتقول المكصوصي “كنت عضواً مستقلاً في التيار الصدري وأرشح اليوم كمستقلة”، من دون أن تستبعد انضمامها إلى كتلة سياسية عند دخولها البرلمان المقبل، “إذا كان هناك توافق رؤية مع تيارات سياسية أو نواب بما يخدم جمهورنا”.
ولم تفسر المكصوصي كيف كانت مستقلة وهي تمثل التيار الصدري المعروف بدعواته الدينية الجامعة للطائفة الشيعية.
وتجري العادة قبل كل انتخابات في العراق وبعدها أن تخوض الكيانات السياسية مفاوضات متواصلة بهدف تشكيل التحالفات النهائية عند دخول البرلمان والتي قد تتغير في اللحظة الأخيرة. ولحجم التحالفات السياسية النهائية وتشكيلاتها أهمية تتخطى الفوز، كونها ترسم الشكل النهائي للاعبين الأبرز في تشكيل الحكومة.
وبين التيارات الأوفر حظاً للفوز، التيار الصدري، صاحب القاعدة الجماهيرية الواسعة والذي يملك أكبر عدد من مقاعد البرلمان الحالي. ويضاف إليه كذلك تحالف “الفتح” الذي يضم مرشحين عن الحشد الشعبي، تحالف الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
وترجح الباحثة لهيب هيجل من مجموعة الأزمات الدولية أن “تحتفظ الأحزاب الموالية لإيران بالنسبة نفسها تقريباً من مقاعد البرلمان”.
وفي نظام سياسي تهيمن عليه الزبائنية ستجد الأحزاب الكبيرة والتقليدية العديد من الوسائل لاستقطاب المستقلين.
ويرى الشمري أن “لدى القوى والأحزاب التقليدية قدرة على المناورة لاستقطاب المستقلين”، مضيفا “لا أستبعد لجوء جزء من المستقلين إلى الأحزاب الكبيرة في البرلمان”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن “بقاءهم دون أيّ تحالف لن يمكنهم من تنفيذ برامجهم”، ووعودهم للناخبين.
ويقول إن الأحزاب الكبرى ستلجأ إلى “عمليات الترغيب من خلال وعودها لهؤلاء المستقلين بوزرات ومناصب وأموال”

مشاركة المقال عبر