لأول مرة منذ عام 2011، تلقى العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري، بشار الأسد، في خطوة أخرى تعكس تقارب العلاقات بين دمشق وعمان بعد الإعلان عن فتح معبر جابر الحدودي واستئناف الرحلات البرية والجوية بين البلدين.
ويرى المحلل السياسي الأردني، زيد النوايسة، في حديثه مع موقع “الحرة” أن هذا “التقارب” في العلاقات يأتي في ظل رغبة الأردن بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بلاده.
لكن الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، يقول لموقع “الحرة” إن تطور العلاقات بين البلدين لن يذهب إلى ما هو أبعد من المجال الاقتصادي، إلا برد فعل من النظام السوري.
ويقول النوايسة إن “الأردن يؤمن بضرورة عودة سوريا إلى الصف العربي لأنه خلال العشر سنوات الماضي، تم ملء هذا الغياب من قبل قوى إقليمية ودولية، فضلا عن أن الأردن لديه مصالح اقتصادية وتجارية ومائية مع الطرف السوري وهو معني بانسياب بضائع عبر الموانئ السورية وأيضا عودة خط النقل السوري عبر الأردن إلى الخليج العربي”.
والحدود مع سوريا شريان مهم لاقتصاد الأردن، إذ تصدر عبرها بضائع أردنية إلى تركيا ولبنان وأوروبا وتستورد عبرها بضائع من سوريا وتلك الدول أيضا.
ويوضح النوايسة أن “الأردن كان يحقق أكثر من 800 مليون دينار واردات عبور عبر المعابر الحدودية، هذه الموارد المالية خسرها وهو يعاني من أزمة اقتصادية خانقة ومديونية مرتفعة، وكذلك الأردن يخسر حصته المائية المشترك مع سوريا نتيجة الأزمة، وبالتالي فالأردن معني بأن يبحث عن مصالحه”.
المحلل السياسي الأردني، عريب الرنتاوي، أوضح أيضا، في مقال الأحد، في موقع “الحرة” أن “للأردن مصالح كبرى في سوريا ومعها، منها: رفع مستوى وسوية التبادل الاقتصادي والتجاري والسياحي مع سوريا وعبرها لجوارها… ملف المياه وحوض اليرموك المشترك… ملف الحرب على الإرهاب… حاجة الأردن لإبعاد الميليشيات المقربة من إيران عن حدوده… الحرب على المخدرات، التي تشهد تجارتها وعمليات تهريبها تزايداً ملحوظاً على حدوده الشمالية… ملفات الطاقة والغاز المصري والربط الكهربائي الذي يوفر للأردن فرصة لتسويق فائض انتاجه منها إلى لبنان، وربما إلى سوريا”.
ويرى بربندي أن تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين كان متوقعا من قبل عمّان “التي كانت قد تحدثت سابقا أنه سيكون هناك انفتاح اقتصادي، لأن المنطقة وخاصة الأردن ومصر بحاجة لدعم وتنمية، لكن السؤال إن كان ما يحدث من خطوات في المسار الاقتصادي سيقودنا إلى التطبيع الكامل والعودة إلى جامعة الدول العربية”، معتبرا أن “الأمر في يد النظام السوري”.
ويوضح أنه “عندما سألوا وزير الخارجية المصري، سامح شكري، عن هذا الأمر وعودة سوريا إلى الجامعة العربية وإعادة تطبيع العلاقات معها فقال إنه يتم البحث مع السوريين في خطوة إلى الأمام، مع النظام السوري بمعنى يكون هناك مسارات اقتصادية وسياسية متوازية”.
ويعتبر الأردن من بين دول عربية قليلة أبقت على علاقاتها واتصالاتها مع سوريا عقب اندلاع النزاع السوري العام 2011، لكن هذه الاتصالات كانت محدودة.
ويقول النوايسة: “صحيح أن المعابر أغلقت خلال السنوات الماضية، بسبب سيطرة بعض الفصائل المصنفة إرهابيا والتي استهدفت الأردن أكثر من مرة، إلا أن الأردن بحكم مصالحه الاستراتيجية مع دول الجوار العربي: سوريا والعراق والسعودية، حريص على أمنها واستقرارها، لأن أي قلاقل في سوريا ستمتد إلى الأردن الذي استطاع أن يستوعب مليون و300 ألف لاجئ سوري وهو يمر بأزمة اقتصادية صعبة ومديونية كبيرة جدا”.
وكان رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، اجتمع نهاية الشهر الماضي، بوفد من الحكومة السورية، ضم وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، محمد سامر الخليل، ووزير الموارد المائية، تمام رعد، ووزير الزراعة والإصلاح الزراعي، محمد قطنا، ووزير الكهرباء، غسان الزامل.
وبحث الطرفان حينها، مجالات النقل والتجارة البينية والمياه والزراعة والطاقة، مؤكدين أن “هناك حالة ارتياح لدى الشعب السوري بسبب عودة الزيارات والعلاقات بين البلدين الشقيقين”، وفقا لبترا.
وسبق ذلك بين لقاء وزير الدفاع في الحكومة السورية، العماد علي أيوب، مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني، يوسف الحنيطي، في العاصمة عمّان.
ويضيف النوايسة أن الملك عبدالله عندما زار الولايات المتحدة الأميركية والتقى بالرئيس الأميركي، جو بايدن، في يوليو الماضي، قدم “مقاربة أردنية جديدة” ربما تساهم في استيعاب الحكومة السورية.
ويوضح أن السبب في تلك “المقاربة” هو “أن هناك أمر واقع جديد، حيث تسيطر الحكومة السورية حاليا على 90 في المئة من الجغرافيا السورية، وهناك هدوء مقبول وهناك إحساس بأنه لا خيار إلا التعامل مع الحكومة السورية الحالية حتى نضمن حالة الهدوء في المنطقة، وأنه لابد من الحوار مع دمشق تجنبا لأن تكون دمشق عرضة للاستهداف والتأثير من قبل أطراف وقوى إقليمية أخرى”.
ويرى بربندي أنه نتيجة لهذه الزيارة، قام الأميركيون “بغض النظر أو وافقوا على الطلب الأردني المصري في موضوع الغاز من الناحية المبدئية على أمل أن يكون هناك تحالف عربي حليف لواشنطن يساعد على حل مشاكل المنطقة”.
ويوم الثلاثاء، أعلن الأردن إعادة فتح حدوده البرية إلى جانب استئناف الحركة الجوية مع سوريا، كما ظهرت مؤخرا دعوات من مسؤولين عرب تحث الدول على الانفتاح مع دمشق والتعاون معها.
لكن المواقف الأميركية، بعد فتح المعابر الأخير، تراوحت ما بين الترحيب الفوري، والتحفظ و”إخضاع المسألة للمراجعة والدراسة”.
ووسط هذه التطورات، أكدت وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء، أن واشنطن لا تملك أي خطط من أجل “تطبيع أو تطوير” العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية، ولفتت إلى أنها لا تشجع الآخرين على القيام بالأمر.
لكن بالرغم من ذلك، فإن النوايسة يقول إن الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتغيير طبيعة مهامها في العراق قد يدفعها لأن تكون “غير متحمسة تجاه البقاء في شمال شرق سوريا، وبالتالي من مصلحة الجميع أن يكون هناك استقرار في سوريا”.
ويتفق معه بربندي في أن واشنطن عادت إلى استراتيجية الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، “التي تستند على ثلاثة أمور، هي: الانسحاب من مشاكل العالم بقدر الإمكان، واحتواء إيران، ومساعدة الدول الإقليمية في حل مشاكلها مع بعضها والقيادة من الخلف، ولذلك هي تشجع التحالف الجديد الذي تشكله مصر والأردن والعراق”.
ويضيف “أعتقد أن التكتل العربي الإقليمي الجديد الموالي للولايات المتحدة والذي قد يتطور ويضم دولا أخرى، له بعد سياسي رغم أنه اقتصادي في الأساس من خلال خط الغاز الذي سيمر عبر سوريا. هذا التحالف مهم لواشنطن لأنه سيزيل عنها بعض العبء فضلا عن أنه قد يساعد في احتواء إيران، ولذلك يساعده حتى وإن كان الثمن هو رفع جزء من العقوبات”.
لكن رغم كل ذلك، فإن بربندي يعتقد أنه من الصعب أن تسمح واشنطن بأن يقدم الأردن على انفتاح مع الحكومة السورية بأكثر من المجال الاقتصادي، لأن “الأردن يعيش على المعونات ويخشى من أن تطاله العقوبات إذا تمادى أكثر مع النظام السوري إن لم يقدم الأخير تنازلات جدية”.
ويقول بربندي إن “العقدة بسوريا ليس الاقتصاد، لأنه أمر يسهل التغلب عليه، لكن الأزمة سياسية في الأساس، بمعنى أن الأمر بعد هذه الخطوات من جانب الأردن يتوقف على رد فعل النظام السوري، وإن كان سيعتبر الخطوات الجارية والموافقة الأميركية، بادرة حسن نية وسيتجاوب معه سياسيا وبالتالي يعيد إصلاح ما خربه مع الدول وشعبه أم أنه سيعتبر أن هذا انتصارا له وأنه ليس مضطرا أن يقدم أي تنازلات سياسية أو اقتصادية”.
يرى النوايسة أن “النظام السوري، استطاع أن يفرض وجوده من خلال تحالفه مع قوى دولية وإقليمية بالتحديد روسيا وإيران وبالتالي هناك أمر واقع، والأردن يعتقد أنه لا بديل عن التعامل مع دمشق، ويشاركه هذا الرأي كل من مصر والعراق والجزائر التي لن تقبل انعقاد قمة عربية على أرضها بدون وجود سوريا ضمنها وبالتالي عودتها إلى جامعة الدول العربية”.
وشهدت الأيام الأخيرة تصريحات واجتماعات لمسؤولين من دول عربية مع مسؤولين سوريين، حملت رسائل ضمنية وقعت جميعها في إطار تطبيع العلاقات مجددا مع الحكومة السورية.
وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قد أكد عمل بلاده بهدف عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وذلك على هامش اجتماعه بنظيره السوري، فيصل المقداد، خلال الدورة 76 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.
كما التقى المقداد، الأسبوع الماضي، بنظيره المصري، سامح شكري، على هامش الاجتماعات ذاتها، حيث تم استعراض العلاقات ما بين البلدين وتطورات الأزمة السورية، ما يعكس الانفتاح المصري على هذه الحكومة.
وجاء لقاء المقداد مع شكري عقب يوم من اجتماع الأول مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، في نفس المحفل الدولي.
لكن بربندي يرى أن “الموضوع أكثر من اتصال هاتفي بين بشار الأسد والملك عبدالله وإن كان تطورا مهما جدا، لكن يبني عليه إن كان هناك تجاوب لحل المشاكل العالقة”، مضيفا أن “الأمر متوقف على رد فعل النظام السوري إن كان سيتجاوب مع خطوات الأردن إيجابيا أم لا، خاصة وأن هناك مئات الآلاف من السوريين في الأردن، فهل بشار الأسد أو النظام مستعد أن يعطي ضمانات للاجئين بأنهم يستطيعون أن يعودوا إلى البلاد بدون محاسبة وبدون سجن وأنه سيعيد لهم أملاكهم”.
ويوضح أن “مصر كانت قد طلبت مرارا وتكرارا من النظام السوري أن يقدم أي تنازل سياسي أو حتى إنساني مثل موضوع المفقودين حتى تسوق لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، ولكن النظام دائما ما كان يرفض وكان يصر على عودته بشروطه”.
ويدلل على كلامه بأن “مصر، رغم تأييدها لعودة سوريا لجامعة الدول العربية، إلا أن القاهرة نفسها لم تقدم على تطبيع العلاقات مع النظام السوري”.