من المقرر أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الواقعة على البحر الأسود غداً الأربعاء.
وستكون القمة فرصة لأردوغان للتهدئة مع روسيا في وقت تعاني فيه بلاده من شبه عزلة بسبب المواقف الأوروبية – الأميركية الرافضة لسياسات أنقرة التوسعية، كما ترفض هذه القوى التحركات التركية المهددة لعمليات التنقيب التي تقوم بها دول عديدة في شرق المتوسط، لاسيما قبرص واليونان.
وبحسب تقرير لصحيفة العرب، لم تكن العلاقات سهلة يوماً بين تركيا وروسيا المتنافستين لفرض نفوذهما على منطقتي البحر الأسود والشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يبحث الطرفان التصعيد الأخير في التوترات العسكرية بشمال غرب سوريا.
وأفادت تقارير بأن القوات الروسية كثّفت غاراتها الجوية على موقع للمتمردين في إدلب في أيلول/سبتمبر، مما أثار مخاوف في أنقرة من حدوث المزيد من زعزعة الاستقرار على الحدود الجنوبية لتركيا.
وقال أردوغان الجمعة الماضي، إن “النظام في سوريا يشكل تهديدا في جنوب تركيا. لذلك، وبصفتي صديقا لروسيا، أتوقع من بوتين وروسيا نهجا مختلفا، كأحد متطلبات التضامن”.
ومن جانبه، يرى مارك إيبيسكوبوس مراسل الأمن القومي لمجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية، في تقرير نشرته المجلة الأميركية، أن قمة سوتشي تأتي في أعقاب ما وصفه أردوغان بالمحادثات الثنائية المخيبة للآمال مع الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث قال “في المناقشات التي كنت أتوقعها مع بايدن، لم تكن هناك النتيجة المرغوب فيها”، مضيفا “نحن كدولتين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، نحتاج إلى أن نكون عند نقطة مختلفة”.
ومضى أردوغان في انتقاد الدعم الأميركي المستمر لقوات سوريا الديمقراطية، موضحا أنه يسعى إلى دفع العلاقات التركية – الروسية “إلى أبعد من ذلك بكثير” في اجتماعه المقبل مع بوتين.
وأكد الرئيس التركي التزامه بقرار أنقرة المثير للجدل بشأن شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي المتقدم، “تريومف أس-400″، مؤكدا تقارير سابقة أفادت بأنه يعتزم استيراد وحدة ثانية من منظومة الدفاع الروسي بحلول نهاية العام الجاري.
ويرى إيبيسكوبوس أنه من غير المتوقع أن يتوصل الطرفان إلى أي نوع من التسوية الدائمة وطويلة الأجل بشأن مصير إدلب.
ويقول الخبير السياسي الروسي فيودور لوكيانوف، إن المصالح الروسية والتركية في المنطقة “متعارضة تماما”، مضيفا أن “جميع الاتفاقيات التي تم التوصل إليها -بشأن انسحاب المسلحين (من شمال غرب سوريا)، وعن قيام تركيا بنقلهم إلى مكان آخر، لأن لديها وحدة كبيرة هناك- لا يتم تنفيذها”. وعلى الرغم من المأزق الروسي – التركي المستمر بشأن المسائل الأكبر المتعلقة بالدولة السورية، من الممكن أن تكون القمة بمثابة قفزة إلى الأمام بالنسبة للجهود القائمة من أجل تجنب النزاعات، والتي تهدف إلى التخفيف من خطر التصعيد العسكري بين المسلحين المدعومين من جانب تركيا وقوات الحكومة السورية برعاية روسيا.
ولكن بالنسبة للبعض في موسكو، فإن أجندة القمة المتعلقة بالشرق الأوسط اصطبغت بتطورات أكثر قربا من الوطن. وكانت وزارة الخارجية التركية أصدرت في وقت سابق من الأسبوع الماضي، بيانا يرفض جزئيا الاعتراف بنتيجة انتخابات الدوما الروسية التي جرت في سبتمبر الجاري.
كما أكد أردوغان شخصيا موقف حكومته في وقت لاحق، مشيرا في خطابه أمام الأمم المتحدة إلى أن تركيا لا تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وأكد من جديد على التزام أنقرة بـ”الدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها”.
ويقول إيبيسكوبوس “إن تعليقات أردوغان تسببت في إثارة توبيخ سريع وقوي، إن لم يكن متوقعا، من جانب الكرملين”.
وأجج إحياء تركيا الذكرى السنوية لتهجير تتار القرم والشركس من قبل روسيا الشهر الماضي غضب موسكو، التي هددت بالردّ على أنقرة في حال مواصلة خطابها “المغرض” تجاهها، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن “تركيا تعرف جيدا أن شبه جزيرة القرم هي جزء يتمتع بسيادة من الاتحاد الروسي، وتعلم جيدا أننا لا نتجاهل أبدا مثل هذه التصريحات”.
وأضاف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف “نحن لا نقبل بمثل هذه التصريحات ونقول ذلك علانية لزملائنا الأتراك… القرم هي قضية تختلف فيها مواقفنا بشكل كبير. إننا نعرب عن أسفنا في ما يتعلق بهذا الموقف، ولكننا نأمل أن تظهر الإرادة السياسية بمرور الوقت وأن تغير تركيا هذا الموقف، وأن تعترف -ببساطة- بالحقيقة والواقع الراهن للأمور”.
ويوضح إيبيسكوبوس أن الكرملين وحزب روسيا الموحدة الحاكم، قد كرّسا الكثير من رسائلهما قبل إجراء الانتخابات وبعدها، لتسليط الضوء على المخاطر المزعومة للتدخل الأجنبي في العملية الانتخابية في روسيا.
من ناحية أخرى، هاجم المنتقدون والمعلقون والسياسيون الروس، الاتحاد الأوروبي بسبب تقرير سابق للبرلمان الأوروبي جاء فيه أن أوروبا يجب أن ترفض الاعتراف بنتيجة انتخابات مجلس الدوما في حال “تم اعتبارها مزورة”.
ومن جانبه، وافق الاتحاد الأوروبي على مسار أكثر اعتدالا، حيث رفض فقط الاعتراف رسميا بانتخابات مجلس الدوما التي أجريت في تلك الأجزاء من الأراضي الأوكرانية المحتلة.
ويقول إيبيسكوبوس “إن تداعيات رفض أردوغان الجزئي للاعتراف بانتخابات الدوما، تسلط الضوء مجددا على العلاقة المعقدة -والمتأرجحة في بعض الأحيان- بين موسكو وأنقرة”.في المقابل، قد توفر العلاقات المتوترة بين تركيا والغرب فرصة لكسر جمود العلاقات بين تركيا وروسيا تغليبا للمصالح العملية المشتركة بالتزامن مع التغيرات الإقليمية الكبرى