يؤشر انفتاح واشنطن على رفع جزء من عقوبات قانون قيصر على الحكمة السورية من أجل تسهيل تمرير المحروقات إلى لبنان على تحول تدريجي في السياسة الخارجية الأميركية تجاه دمشق قد ينتهي بإعادة تدوير حكومة الأسد، وهو هدف تسعى له دول إقليمية.
يعكس توجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لرفع جزء من عقوبات قانون قيصر على الحكومة السورية من أجل استجرار الوقود إلى لبنان، تغييرا في السياسة الخارجية الأميركية قد ينتهي بتعويم حكومة الأسد وعودتها إلى الأسرة الدولية، وهو ما تدفع باتجاهه عدة دول على رأسها الأردن الذي يقود مبادرة مدعومة من مصر في هذا الشأن.
وقد يبدو رفع جزء من العقوبات الأميركية على الحكومة السورية للوهلة الأولى خدمة للبنان الذي يعاني من أزمة وقود خانقة تضعه على حافة الانهيار، إلا أن المستفيد الأكبر من هذه الخطوات هو الحكومة السورية في المقام الأول.
ورغم أن الخطاب الرسمي للولايات المتحدة يؤكد على عدم الاعتراف بحكومة الأسد ومواصلة الضغوط عليها بشتى السبل، يرجح مراقبون تغيّرا وشيكا في السياسة الأميركية. ويرى هؤلاء أن رفع جزء من عقوبات قيصر على حكومة الأسد مقدمة للرفع الكلي لها وبالتالي “التغاضي” عن إعادة تدويرها إقليميا وعربيا دون الاعتراف بها.
وأعلنت مرشحة بايدن لمنصب مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة باربرا ليف عن انفتاح واشنطن على فكرة رفع بعض العقوبات المرتبطة بقانون قيصر عن الحكومة السورية لتسهيل مرور الطاقة إلى لبنان عبر سوريا، بحسب ما نقلته صحيفة العرب.
وخلال جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي للمصادقة على تعيينها قالت ليف إن “هذا حل مطروح من قبل دول المنطقة، تعاون عليه كل من الأردن ومصر للتطرق إلى مشكلة الطاقة ونقلها عبر سوريا إلى لبنان”.
وأوضحت أن “البنك الدولي يدعم هذه الخطة، ولهذا تدرس وزارة الخارجية حالياً بحذر أطر القوانين الأميركية وسياسة العقوبات، وبما أن الخطة تظهر بوادر جيدة فإن الخارجية الأميركية تتشاور حالياً مع وزارة الخزانة للمضي فيها قدما”. واعتبرت ليف أن هذه الخطة تقدم حلاً معقولاً قصير الأمد، لما يبدو أنه مشكلة ضخمة ومرعبة في لبنان.
ومن جانبه تحدث رئيس اللجنة الديمقراطي بوب منينديز عن انفتاحه على الموافقة على بعض الإعفاءات من عقوبات قانون قيصر، لتسهيل مرور الطاقة عبر سوريا إلى لبنان. وشدد على أنه من داعمي قانون قيصر الشرسين، وأنه لا يود إصدار إعفاءات عن الحكومة السورية، لكن إذا رأت وزارة الخارجية أن هذه هي الطريقة الوحيدة لوصول الطاقة إلى لبنان فمن المهم إيجاد طريقة للمضي فيها قدما.
ويرى محللون أن الضوء الأخضر الأميركي من أجل استجرار الطاقة إلى لبنان من مصر مرورا بالأردن وسوريا جزء من مبادرة يقودها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لعودة دمشق إلى الحضن العربي وتطبيع العلاقات معها.
وعرض العاهل الأردني على بايدن خلال لقائهما في البيت الأبيض الشهر الماضي الانضمام إلى فريق عمل يضم كلاً من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن ودولاً أخرى للاتفاق على خارطة طريق لحل الملف السوري بما يضمن “استعادة السيادة والوحدة السورية”.
وأوضح الملك عبدالله الثاني للوفد الإعلامي المرافق له في زيارته إلى واشنطن أن “الأردن يسعى لتقديم الحلول للأزمة السورية بالتعاون مع الأشقاء العرب والمجتمع الدولي لعودة سوريا إلى الحضن العربي”.
ويعتبر الأردن أن التوصل إلى حلول لمساعدة سوريا سيساعد المنطقة بأكملها والمملكة على وجه الخصوص التي تعاني أزمة اقتصادية عمّقها إغلاق المعابر التجارية مع دمشق والتي تمثل متنفسا اقتصاديا هاما. وكانت الإدارة الأميركية قد بعثت بإشارة إلى حلفائها العرب تفيد بأن لا مشكلة لديها في التقارب مع دمشق طالما أن الولايات المتحدة لا تتأثر بذلك.
ويؤكد العارفون بالسياسة الخارجية الأميركية أنه لا شيء ثابتا لدى واشنطن وأن غير القابل للتغيير الآن قد يصبح أولوية في مراحل قادمة، ولعل انسحاب واشنطن من أفغانستان والذي كان خطا أحمر في وقت سابق أضحى أولوية استراتيجية الآن.