أطلق الصناعيون في مناطق سيطرة الحكومة السورية صافرات الإنذار محذرين من انهيار القطاع، وتحولت خطابهم إلى نبرة أكثر حدة حينما طالبوا بالإسراع في إيجاد حلول جذرية لمشاكلهم المتراكمة والتي قوضت بث الحياة مجدداً في أعمالهم في ظل مخلفات سنوات الحرب والعقوبات الأميركية الخانقة.
ورمت أوساط قطاع الصناعة في سوريا بكل ثقلها للضغط على الحكومة لإقرار تدابير عاجلة لمساعدة الشركات الصناعية الكبيرة منها والمتوسطة والصغيرة، وذلك تجنباً للإغلاق التام.
وتعاني الشركات من فقدان الوقود لتشغيل المصانع وارتفاع تكاليف المواد الأولية والرسوم الجمركية، إلى جانب انسداد آفاق التمويل بسبب شح السيولة النقدية في البلاد وعدم قدرة دخول المستثمرين الأجانب إلى البلاد بسبب الحظر الأميركي، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
كما وجدت الشركات نفسها في ورطة ارتفاع معدل الضرائب مما فاقم الأعباء المالية عليها، والتي تشكل فاتورة أجور العمال والموظفين أحد أبرز الأحمال الثقيلة بالنسبة إلى ميزانيته الضعيفة، في وقت تشهد فيه الليرة تراجعات متتالية في قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء حيث يبلغ سعر صرف العملة الأميركية 3450 ليرة بينما يبلغ سعره في السوق الرسمية 2512 ليرة فقط.
وطالب الصناعيون خلال لقاء جمعهم الثلاثاء الماضي بوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم في غرفة صناعة دمشق وريفها بتوفير المشتقات النفطية وتسعير المواد المنتجة محليا وتقديم التسهيلات المالية.
وترى أوساط القطاع أيضا أنه من الضروري تشكيل لجنة مراقبة للبضائع المهربة وتوفير احتياجات الصناعيين من مواد ومستلزمات إنتاج وضبط الأسواق والأسعار وما يتعلق بتطبيق قانون حماية المستهلك.
وحاول سالم الدفاع عن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة. وقال خلال تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية إن “الحكومة حريصة على تذليل العقبات التي تواجه عمل الصناعيين في ما يتعلق بتنفيذ القوانين والأنظمة النافذة أو حتى التعليمات التنفيذية”.
وأوضح أنه سيتم تشكيل مجموعات عمل تضم الصناعيين والتجار للاجتماع باللجنة الاقتصادية وإصدار القرارات التي تسهل عمل أصحاب الشركات.
ولكنه أقر في الوقت نفسه بالصعوبات التي تواجهها البلاد من أجل توفير المشتقات النفطية نتيجة الحصار الاقتصادي وأن الحكومة تعمل على حلها.
ويرى محللون أن هذا الاعتراف يكشف حالة الاختناق المالي التي بلغتها الحكومة السورية بعد الانتكاسات التي تعرض لها الاقتصاد وتراجع سعر صرف الليرة إلى أدنى مستوياته منذ اندلاع الثورة في 2011.
كما يكشف بوضوح تراجع الدعم المالي، الذي كانت تتلقاه دمشق من حليفتيها إيران وروسيا، بسبب المتاعب الاقتصادية التي تواجهها تلك الدولتان نتيجة تراجع أسعار النفط والعقوبات الغربية.
ومن المتوقع أن تحصل سوريا على الغاز والكهرباء، مقابل تسهيل مشروع استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر أراضيها، وهو ما يعني أنه بالإمكان تخفيف الضغوط على الصناعيين إذا ما توفرا بشكل مستقر.
وبسبب ظروف الحرب، كانت لدى معظم الصناعيين السوريين حسابات مصرفية في لبنان، والتي كانت رئة سوريا أثناء الأزمة، ولكن عندما فرضت البنوك اللبنانية تجميد الحسابات في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في منتصف أكتوبر 2019، تأثر الوضع الاقتصادي السوري بشكل كبير.
وفي نوفمبر الماضي قال الرئيس السوري بشار الأسد إن “حجب مليارات الدولارات من الودائع لدى رجال الأعمال السوريين في لبنان كان السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا”.
وأشارت دراسة نشرها المرصد العمالي للدراسات والبحوث السوري عن مدى تأثر الاقتصاد المحلي من تجميد ودائع السوريين في لبنان في يناير 2020 إلى أن إيداعات السوريين الأفراد في البنوك اللبنانية تبلغ 45 مليار دولار، إلى جانب نحو خمسة مليارات دولار ودائع لشركات وبنوك سورية.
واضطرت دمشق إلى اتخاذ خطوة وصفها الخبراء بـ”الكارثية” تتمثل في إلقاء حمل المشاريع الحكومية المتعثرة على شركات القطاع الخاص المتأثرة أصلا من أزمات مالية خانقة بسبب الحرب، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل اشتداد عقوبات “قيصر” الأميركية.
وأعلنت وزارة الصناعة صيف العام الماضي عن خطة لتحقيق الاستثمار الأمثل للإمكانيات والموارد المتاحة تتضمن إجراء ترميم جزئي لخطوط إنتاج ومنشآت لرفد الخزينة العامة بموارد إضافية مع الاستنجاد بالقطاع الخاص لإدارة المشروعات المتوقفة.
ويكافح الاقتصاد السوري أزمات لا حصر لها منذ أن دخل قانون “قيصر” حيز التنفيذ في يونيو الماضي، لكن العقوبات ليست بجديدة على البلد، فقد عرقلت الإجراءات الأميركية والأوروبية منذ سنوات قدرات البلد الاقتصادية، بعدما طالت شركات ورجال أعمال وقطاعات مختلفة.
واستهدف القانون عددا من الصناعات التي تديرها سوريا، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة. وبعد وقت وجيز، فرضت الولايات المتحدة عقوبات استهدفت البنك المركزي السوري وأدرجت العديد من الأشخاص والكيانات في القائمة السوداء لخنق الحكومة السورية.
ومع حدوث هذه الأزمات، استمرت العملة في التدهور وارتفعت أسعار جميع المواد بشكل كبير، علاوة على ذلك، حدث نقص حاد في الوقود بالإضافة إلى أزمة تأمين القمح للخبز بسبب ارتفاع أسعار القمح المستورد.
ولجأت الحكومة إلى رفع أسعار الوقود والخبز المدعوم وعالجت الموقف من خلال ضبط التوزيع عبر بطاقة إلكترونية توزع على المواطنين لتحديد عدد المواد المدعومة التي يمكنهم الحصول عليها شهريا.
مشاركة المقال عبر