تستضيف عمّان الأربعاء اجتماعاً رباعياً لوزراء الطاقة في كل من الأردن وسوريا ومصر ولبنان لبحث مسألة تزويد لبنان بالكهرباء والغاز الطبيعي عبر المملكة والأراضي السورية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق أردني لكسر الحصار المفروض على الحكومة السورية تمهيداً لعودة دمشق إلى الحضن العربي، بينما يرى فيها آخرون أن الولايات المتحدة بصدد إعادة تقييم سياساتها تجاه سوريا.
ورحبت دمشق السبت بطلب لبنان تمرير الغاز والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر أراضيها، وأبدت استعداداً لتلبيته للتخفيف من وطأة أزمة طاقة يعاني منها لبنان منذ أشهر وذلك في أول زيارة لوفد وزاري لبناني رفيع المستوى إلى سوريا منذ اندلاع النزاع فيها قبل عشر سنوات.
والشهر الماضي أعلنت الرئاسة اللبنانية تبلّغها موافقة واشنطن على مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن مروراً بسوريا فلبنان. ويعني التعهد الأميركي عملياً موافقة واشنطن على استثناء لبنان من العقوبات المفروضة على سوريا والتي تحظر إجراء أي تعاملات مالية أو تجارية معها. ومن المفترض أن ينقل الغاز عبر ما يُعرف بـ”الخط العربي” من الحدود الأردنية جنوباً إلى وسط سوريا ومنها إلى محطة لقياس الكمية قرب الحدود اللبنانية – السورية ثم إلى لبنان.
وأُبلغ لبنان باستعداد واشنطن لمساعدته لاستجرار الغاز المصري بُعيد إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن “سفينة أولى” محملة بمادة المازوت ستتوجه إلى لبنان من إيران، الداعم الأول للحزب والتي تفرض عليها واشنطن عقوبات اقتصادية.
ويرى محللون أن الضوء الأخضر الأميركي من أجل استجرار الطاقة إلى لبنان من مصر مرورا بالأردن وسوريا المعزولة عبر العقوبات الأميركية جزء من مبادرة يقودها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لعودة دمشق إلى الحضن العربي وتطبيع العلاقات معها، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
ويشير هؤلاء إلى أن استثناء لبنان من عقوبات قيصر التي تفرضها واشنطن على الحكومة السورية سيفتح الباب أمام استثناءات أخرى تنتهي تدريجياً، حتى وإن طال أمدها، باستيعاب الحكومة السورية ضمن المنطقة العربية تمهيداً للتعامل الدولي “الخجول” معها.
وعرض العاهل الأردني على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائهما في البيت الأبيض الشهر الماضي الانضمام إلى فريق عمل يضم كلاً من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن ودولاً أخرى للاتفاق على خارطة طريق لحل الملف السوري بما يضمن “استعادة السيادة والوحدة السورية”.
وأوضح الملك عبدالله الثاني للوفد الإعلامي المرافق له في زيارته إلى واشنطن أن “الأردن يسعى لتقديم الحلول للأزمة السورية بالتعاون مع الأشقاء العرب والمجتمع الدولي لعودة سوريا إلى الحضن العربي”.
ويعتبر الأردن أن التوصل إلى حلول لمساعدة سوريا سيساعد المنطقة بأكملها والمملكة على وجه الخصوص التي تعاني أزمة اقتصادية عمّقها إغلاق المعابر التجارية مع دمشق والتي تمثل متنفسا اقتصاديا هاما.
وفي المقابل يرى آخرون أن سماح واشنطن بجلب الطاقة إلى لبنان عبر سوريا لا يمثل استجابة للمبادرة الأردنية بشأن سوريا بقدر ما هو إعادة تقييم لسياساتها تجاه دمشق دون المس بأجندتها التي تقرن رفع العقوبات على الحكومة السورية بتسوية سياسية للأزمة السورية.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ويليام لورانس إن واشنطن بصدد تقييم سياساتها تجاه دمشق، لكن ليس لديها ما تعلنه في الوقت الحالي. وكانت الإدارة الأميركية قد بعثت بإشارة إلى حلفائها العرب بأن لا مشكلة لديها في التقارب مع دمشق طالما أن الولايات المتحدة لا تتأثر بذلك، ولاسيما بالعقوبات.
وتمنح واشنطن الأفضلية للعملية السياسية في تعاملها مع دمشق، لكنها لا تود التطبيع مع الحكومة السورية التي ارتكبت إبادات جماعية في حق شعبها.
ويؤكد العارفون بالسياسة الخارجية الأميركية أنه لا شيء ثابت لدى واشنطن وأن غير القابل للتغيير الآن قد يصبح أولوية في مراحل قادمة، ولعل انسحاب واشنطن من أفغانستان والذي كان خطا أحمر في وقت سابق أضحى أولوية استراتيجية الآن.
وبناء على المتغيرات الإقليمية المتسارعة وتغيّر الأولويات الأميركية قد تنفتح سوريا على محيطها العربي قريبا تحت أعين الولايات المتحدة التي لن تقف حائلاً أمام ذلك مدفوعة بحسابات إقليمية وجيواستراتيجية.