موقفان متضاربان خرجا في الأيام الماضية من داخل “تحالف الجمهور” بين “حزب العدالة والتنمية” وحليفه “حزب الحركة القومية”، بعد مطالبة الأخير بحل وإنهاء “حزب الشعوب الديمقراطي” (الكردي) من المشهد السياسي للبلاد، بناء على عدة اعتبارات “قومية” خاصة به وبأفكاره، إلا أنها اصطدمت بموقف مضاد لم يعبّر عنه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان بشكل مباشر، بل على لسان المسؤولين المقربين منه جدا.نعمان قورتولموش، وكيل إردوغان وفي آخر تصريحاته، الأحد، قال إن مقترح زعيم “الحركة القومية”، دولت باهتشلي إغلاق “الشعوب الديمقراطي” ليس صائبا، معتبرا أن إغلاق الحزب ليس الحل الأمثل لردع قيادات “حزب العمال الكردستاني”، الأمر الذي اعتبره محللون تضاربا في المواقف والأفكار، قد يقف ورائها تصدع داخلي، من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على التحالف القائم في الفترة المقبلة.
نقاش حاد في أوساط تحالف إردوغان بشأن حل حزب الشعوب لكن وفي المقابل اعتبر محللون من تركيا أن التضارب في الأفكار والمواقف بين الحزبين المتحالفين، قد لا ينم عن تصدع داخلي، بقدر ما يشير إلى اتفاق ضمني، قد يفضي إلى نتائج إيجابية كثيرة، بينها أن يكسب “العدالة والتنمية” أصواتا كردية جديدة، من باب الديمقراطية التي يظهرها في الوقت الحالي برفض حل الحزب الكردي. ولا ينفصل ما سبق عما تشهده السياسة الداخلية للبلاد، والتي تذهب في مسار وحيد وهو التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة، سواء المبكرة التي تطالب بها المعارضة التركية، أو المحددة بشكل رسمي في عام 2023، وما يرافق ذلك من بروز أحزاب جديدة للمعارضة، بلغ عددها في أقل من عام خمسة أحزاب، جميعها لقيادات منشقة عن “العدالة والتنمية” وأخرى عن أحزب المعارضة، على رأسها “حزب الشعب الجمهوري”.تحركان غيرا الموقف وتتهم حكومة الرئيس، رجب طيب إردوغان، “حزب الشعوب الديمقراطي” بوجود صلات له مع “حزب العمال الكردستاني” (pkk)، ما أدى لمحاكمة الآلاف من أعضائه وبعض قادته في السنوات الماضية، لكن الحزب الكردي ينفي وجود هذه الصلات.وبالعودة إلى الأسابيع الماضية، فقد جاء المطالبة بحل “الشعوب الديمقراطي” على لسان دولت باهتشلي، والذي قال: “هذا الحزب الذي يدعم منظمة إرهابية تقتل جنودنا وأبناءنا، ويحظى بتمويل من الدولة التركية، ومن ثم يرسلون تلك الأموال إلى المنظمة الإرهابية. نواب هذا الحزب إرهابيون كأولئك الموجودين في الجبال، ولا نريد أن نرى إرهابيين في برلماننا”.وجاء موقف باهتشلي حسب مراقبين بعد تشكيل حزب كردي جديد تحت اسم “الحزب الديمقراطي الكردي”، بقيادة رشيد آكنجي، ديسمبر 2020، وما رشح حينها من معلومات عن حوار باشرته إحدى المستشارات الرئاسية لإردوغان مع فعاليات كردية في مدينة ديار بكر. كما جاء موقف زعيم “الحركة القومية” عقب الدعوة التي وجهها بولند آرنج أحد القادة المؤسسين لحزب “العدالة والتنمية” بإطلاق سراح الرئيس السابق لــ”حزب الشعوب”، صلاح الدين ديمرتاش، في خطوة “دفع ثمنها غاليا”، وأسفرت عن الإطاحة به، بعد هجوم حاد وجهه له باهتشلي.يرى المحلل السياسي التركي، جواد غوك، أن الحزبين (العدالة والتنمية، الحركة القومية) يريدان حل حزب “الشعوب الديمقراطية”، وهو ما تؤكده الأصوات التابعة لهما، والمستمرة بهكذا مطلب حتى الآن.
ويقول غوك في تصريحات إن “حزب الحركة القومية متطرف قوميا، لذلك يقترح هذا الأمر، لكن في المقابل ومع رفض العدالة والتنمية، فإن الأمور تشير إلى أن الأخير يحاول القول بأنه ديمقراطي”.وعلى الرغم من المحاولات المذكورة لكلا الحزبين، إلا أن المحلل السياسي يشير إلى أن الواقع السياسي الحالي للبلاد يقول بأن قوانين إغلاق الأحزاب صعبة جدا، كون هذه الخطوة تتطلب رفع دعوى في القضاء، وليس بالأمر السهل. وبوجهة نظر غوك، فإن ما يتردد على لسان مسؤولي “تحالف الجمهور” يصب في إطار “عملية تخويف للأكراد، حتى لا يصوتون لحزب الشعوب الديمقراطي، في الانتخابات المقبلة، كونه مهدد بالإغلاق والحل”.ويشير المحلل السياسي إلى أن “التصريحات من كلا الطرفين تعتبر استهلاك إعلامي، وهي عملية تخويف للانتخابات القادمة”.
من جانبها كانت الرئيس المشاركة للحزب الكردي، بيرفين بولدان قد اعتبرت، الأحد، أن الأحاديث الدائرة في الآونة الأخيرة حول إغلاق الحزب تكشف أن هناك “صدعا كبيرا” في “تحالف الجمهور”.وقالت بولدان خلال حوارها مع وكالة “إتكين” الإخبارية: “نحن نأتي من مناخ اعتدنا فيه إغلاق الأحزاب بصورة مستمرة، لكنه يفتح أبوابا جديدة بصورة مستمرة بدلا من الأبواب المغلقة. وأود أن أقول إن سياسة إغلاق الأحزاب ستقوي وتوسع من انتشار تلك الأحزاب”.وسبق أن حظرت محاكم تركية أحزابا كردية، لاتهامها بالتعامل مع “العمال الكردستاني”، لكن أحزابا كردية أخرى سرعان ما عادت إلى المشهد السياسي، من خلال إعلانات جديدة عن تشكيلها، ولو بأسماء مختلفة.بركات قار عضو المجلس المركزي لحزب “الشعوب الديمقراطي” يشير إلى أن ما يحصل الآن من تطورات حول الحزب الذي ينتمي إليه ليست جديدة، لأن “الحركة القومية” كانت قد طالبت في عدة مرات في السنوات الماضية بضرورة إغلاق الحزب وحلّه بشكل كامل.ويتابع قار في تصريحات لموقع “الحرة”: “لكن في هذا الظرف بالذات تعبّر التطورات الحاصلة عن عدم استطاعة ائتلاف الجمهور في الخروج من الأزمة التي تحيط به، لاسيما أن كل الإحصائيات تشير إلى أن حزب الحركة القومية لن يتمكن من تجاوز عتبة 10 في المئة للدخول للبرلمان، وأيضا هناك عقبات في تجاوز نسبة 50 في المئة للحظي بالرئاسة التركية”.ويعتبر “حزب الشعوب” أكبر عقبة، حسب قار الذي يضيف: “في حال تمكن تحالف الجمهور من إزالتها، فسيبقى ستة ملايين إنسان تركي بلا حزب، وقد يتم التوجه فيما بعد إلى الأحزاب المعارضة الأخرى كحزب الشعب الجمهوري”. ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة القادمة في تركيا عام 2023، مع الحديث الذي ما يزال يتردد حتى الآن حول احتمال إجراء انتخابات مبكرة، بدفع من أحزاب المعارضة البارزة أو التي تأسست حديثا.ويسمح نظام التحالف الانتخابي الذي تم تقديمه قبل الانتخابات البرلمانية عام 2018 للأحزاب التي تقل نسبة أصواتها عن عتبة الـ 10 في المئة بالحصول على مقاعد في البرلمان إذا كانت جزءا من تحالف حصل على أكثر من 10 في المئة من الأصوات.
ماذا لو اتخذ قرار الحل؟في سياق ما سبق اعتبر عضو المجلس المركزي لحزب “الشعوب الديمقراطي”، بركات قار، أن التطورات التي يسير فيها “تحالف الجمهور” في الوقت الحالي “لن تحل الأزمة، وعلى الرغم من كل المداهمات والاعتقالات التي استهدفت10 آلاف شخص، إلا أنه وحتى الآن لا يزال يتجاوز عتبة 10 في المئة. هذا الأمر يربك السلطة والقصر”.ويقول قار المقيم في غازي عنتاب: “عام 2021 سيبين لنا نية هذه السلطة وبأي اتجاه تسير”، مشيرا إلى أن جزء من حزب “العدالة والتنمية” يعارض قرار الحل، لأن السنوات السابقة كانت قد شهدت حلّ خمسة أحزاب، من دون أن تحل المشكلة كاملة.ويضيف قار: “العدالة والتنمية أمام مفترق طرق في الوقت الحالي (…) إما سيستجيب لحزب الحركة القومية، أو يمكن أن يكون هناك انشقاقات قادمة في ائتلاف الجمهور أو حتى في حزب العدالة والتنمية نفسه”.وكانت آخر تصريحات باهتشلي حول تحالفه مع حزب إردوغان، في سبتمبر العام الماضي، وقال حينها إن “تحالف الجمهور” مع حزب “العدالة والتنمية” الحاكم “ماض في مسيرته المباركة بكل قوة”، مضيفا: “طرح حديث لانتخابات مبكرة، سيلحق أكبر الضرر ببلادنا”.
المصدر : موقع الحرة