تنذر الاحتجاجات على شح المياه التي شهدتها بعض مناطق الشرق الأوسط بحدوث “اضطرابات وتمرد” في مناطق أخرى في المستقبل، وصراعات إقليمية بين الدول المجاورة، وفق تقرير لموقع “صوت أميركا”.
ويشير التقرير إلى أنه عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا، قال بعض المراقبين وعلماء المناخ إن الجفاف كان أحد الدوافع الرئيسية لها.
وتسبب الجفاف في السنوات التي سبقت الحرب السورية في انهيار زراعي في أجزاء من شرق وشمال البلاد، ما أجبر العائلات الريفية على الهجرة إلى المدن بأعداد أكبر من أي وقت مضى، وهو ما زاد من حدة المنافسة على الموارد والوظائف الشحيحة بالفعل.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن نقص المياه قد يصبح حافزا للاضطرابات والتمرد في دول أخرى في المنطقة، ويشيرون إلى الخلافات المائية بين الدول المجاورة والاحتجاجات على نقص المياه التي اندلعت، هذا العام، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كنذير على احتمال حدوث مزيد من المشاكل السياسية والاجتماعية في المستقبل.
ويقول تقرير “صوت أميركا” إن الجزائر وإيران والعراق والسودان واليمن تعاني بالفعل من مشكلات تتعلق بالجفاف وشح المياه تفاقمت مع سوء الإدارة الحكومية والفساد.
ولتعويض النقص من المياه، يضخ المزارعون والحكومات في جميع أنحاء المنطقة كميات هائلة من المياه الجوفية، والتي تعتبر غير مستدامة على المدى الطويل وتهدد بتحويل الأراضي الخصبة إلى صحراء.
وفي عام 2015، رصدت الأقمار الصناعية التابعة لوكالة “ناسا” خسائر في كميات المياه العذبة في المنطقة، منذ عام 2002، ووجدت أن أجزاء من إيران والعراق شهدت استنزافا للمياه الجوفية يتراوح بين 6 بوصات إلى 10 بوصات ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى النشاط البشري.
وقالت “ناسا” إن “نضوب المياه الجوفية في تركيا وسوريا والعراق وإيران وعلى طول شبه الجزيرة العربية يؤدي إلى تغييرات كبيرة في إجمالي المياه المخزنة في المنطقة”.
“وبالمثل، يساهم الجفاف وضخ المياه الجوفية في جفاف منطقة بحر قزوين، كما يعاني نظام المياه الجوفية شمال غرب الصحراء من إجهاد مائي متزايد”.
إيران.. احتجاجات دموية على نقص المياه
وفي إيران التي تعاني من شح المياه، قُتل نحو ثمانية أشخاص على الأقل خلال احتجاجات عنيفة استمرت أسابيع على نقص المياه في مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية وفي مناطق أخرى، بينما تضرب البلاد أسوأ موجة جفاف منذ نصف قرن.
وقال سكان محليون تواصلت معهم “صوت أميركا” إن المتظاهرين قتلوا برصاص الشرطة وعناصر الأمن. وذكرت منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن أطلقت الذخيرة الحية والخرطوش في محاولة لقمع الاحتجاجات.
واستمرت الاحتجاجات على نقص المياه في خوزستان لمدة تسعة أيام مع انضمام الآلاف إلى الاحتجاجات في مقاطعات أخرى بما في ذلك شهار محل، وبختياري، وأصفهان، ولورستان، وبوشهر المجاورة.
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مئات المتظاهرين وهم يهتفون “الشعب يريد إسقاط النظام”.
وقال رئيس هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية إن الفترة من أكتوبر 2020 إلى منتصف يونيو 2021 كانت الأكثر جفافا على الإطلاق في السنوات الـ 53 الماضية.
ويشك كافي مدني، النائب السابق لرئيس هيئة البيئة الإيرانية، في وجود ما يكفي من المياه لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر أخرى في خوزستان، وحذر من أن خزان سد الكرخة ينفد بشكل مثير للقلق. وتبلغ سعة الخزان ما يقرب من 6 مليارات متر مكعب من المياه وقد تنخفض إلى حوالي 2 مليار متر مكعب.
وقال مدني، الذي يعيش في الولايات المتحدة، في تغريدة على تويتر إن تحدي المياه في إيران خطير للغاية الآن “لدرجة أن آثاره لن تزول دون تغييرات جوهرية في نموذج التنمية والاقتصاد” وأضاف أن التغيير يتطلب “الإرادة السياسية والموارد الاقتصادية”.
ويتهم مدني منذ سنوات المحللين الغربين بأنهم أغفلوا حقيقة أن نقص المياه يمكن أن يساهم في الصراعات في الشرق الأوسط وأن الجفاف قد يؤدي لعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
والجفاف ظل أمرا ثابتا تاريخيا، لكن نقص المياه أصبح أكثر حدة ولفترات زمنية أطول بسبب مواسم الجفاف الأطول ودرجات الحرارة المرتفعة وانخفاض مستويات هطول الأمطار.
ويقول علماء السياسة وعلماء الهيدرولوجيا إن سوء الإدارة السياسية والفساد الحكومي من الأسباب الرئيسية للجفاف في إيران. نيك كوسار، الجيولوجي الإيراني الكندي ومحلل المياه، كان قد انتقد بشدة بعض وسائل الإعلام الغربية لتركيزها فقط على تغير المناخ.
وكتب على تويتر: “التقليل من أهمية دور الحكومة في تدمير موارد المياه من خلال ذكر الجفاف وتغير المناخ أولا هو أمر سخيف. هذا النظام (الإيراني) خلق هذا الجفاف من صنع الإنسان”.
وقال كوسار إن النظام يولي أهمية لبناء السدود “وهو حل قصير المدى لمشكلة طويلة الأمد”، ويقول إن السدود الكبيرة في بلد حار وجاف “مضيعة للوقت” حيث يتبخر الكثير من المياه من الخزانات.
العراق.. نقص حاد ومزمن
ويعاني العراق المجاور أيضا من نقص “حاد ومزمن” في المياه وأثبتت السدود أنهت تأتي بنتائج عكسية.
وقدرت دراسة لمعهد تشاتام هاوس البريطاني أن “يؤدي التبخر من السدود والخزانات إلى فقدان البلاد لما يصل إلى 8 مليارات متر مكعب من المياه كل عام”.
ويتمتع العراق بأحد أكثر إمدادات المياه في الشرق الأوسط وفرة، لكن تدفق نهري دجلة والفرات قد انخفض بنسبة تصل إلى 40 في المئة منذ السبعينيات، ويرجع ذلك جزئيا إلى تصرفات الدول المجاورة، وفق الدراسة.
وكان العراق يستقبل إيرادات مائية طبيعية تخضع للمعاهدات الدولية تتراوح من 40 إلى 50 مليار متر مكعب إلى نهر دجلة الذي أصبح يستقبل اليوم حوالي 15 إلى 20 مليار.
أما نهر الفرات “الذي تتضرر كثيرا حاليا”، فقد كان يستقبل في حدود 30 إلى 35 مليار متر مكعب، بينما لا تصل إمداداته الحالية إلى 15 مليار متر مكعب.
وقال فريق الباحثين في دراسة تشاتام هاوس البريطاني إن ارتفاع درجات الحرارة وتراجع هطول الأمطار بسبب تغير المناخ يؤثران سلبا أيضا على احتياطيات المياه في العراق.
وأشار إلى أن النقص أدى أيضا إلى تأجيج الصراعات، وقال: “أثبتت المجتمعات التي واجهت موجات جفاف متتالية والجمود الحكومي أنها أهداف سهلة لمجندي ‘تنظيم الدولة الإسلامية’، الذين أغروا المزارعين للانضمام إليهم من خلال تقديم المال والطعام لإطعام أسرهم”.
كما أدت الصعوبات الاقتصادية لأولئك الذين تعتمد سبل عيشهم على مياه الأنهار إلى الهجرة من الريف إلى المدن، مما أدى إلى ضغوط كبيرة على البلدات والمدن المكتظة بالفعل، “ما أدى بدوره إلى تفاقم نقص الإسكان والوظائف والكهرباء وتوسيع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون” وفق الدراسة.
وتقول “صوت أميركا” إن هناك مخاطر لنشوب صراعات بين الدول المجاورة المتنافسة على موارد المياه الشحيحة.
وفي أبريل الماضي، حذر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من حدوث نزاع بسبب سد النهضة الإثيوبي بعد انتهاء المحادثات بين البلدين والسودان من دون أن تسفر عن اتفاق.
وقال السيسي: “أقول لإخوتنا في إثيوبيا، دعونا لا نصل إلى النقطة التي تلمس فيها قطرة من مياه مصر، لأن كل الخيارات مفتوحة”.