عززت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة من وجودها العسكري في شمال شرق سوريا، في توجه مخالف لتصريحات المسؤولين الأميركيين عن نيتهم الاحتفاظ بعدد محدود من القوات في المنطقة للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية.
وترى أوساط متابعة للشأن السوري أن إدارة جو بايدن قررت على ما يبدو استثناء سوريا من خطط لتقليص عدد قواتها المنتشرة في الشرق الأوسط، وهذا يعود لعاملين أساسيين وهما حرصها على دعم الإدارة الذاتية الكردية، وعدم فسح المجال لإيران وميليشياتها للتغلغل أكثر في شرق سوريا وإحكام قبضتهما عليها، والذي ستكون له مفاعيل كارثية ليس فقط على المصالح الأميركية بل وأيضا على الحلفاء الاستراتيجيين في المنطقة وفي مقدمتهم إسرائيل، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وكانت الولايات المتحدة بدأت في تقليص عدد قواتها في أكثر من بلد في الشرق الأوسط في إطار خطة متكاملة لإعادة توزيع تلك القوات على مستوى العالم، مع بروز تهديدات تنظر إليها واشنطن على أنها أكثر خطورة على مصالحها في علاقة بالصين وروسيا.
وتأتي إعادة الانتشار الأميركي في شرق سوريا، مع تصاعد الهجمات على قواعد ونقاط تمركز أميركية لاسيما في محافظة دير الزور الغنية بالنفط والغاز، والتي تتقاسم كل من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً، والقوات الحكومية السورية المدعومة من الميليشيات الموالية لإيران السيطرة عليها.
وكشفت وكالة الأنباء السورية “سانا” الاثنين عن دخول رتل عسكري أميركي جديد محملاً بأسلحة وذخائر ومعدات لوجستية قادماً من الأراضي العراقية عبر معبر الوليد لدعم القواعد الأميركية في محافظة الحسكة.
ونقلت الوكالة عن مصادر محلية من ريف تل حميس أن الرتل مؤلف من 37 آلية تشمل شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر وأخرى محملة بعتاد لوجستي، إضافة إلى 3 ناقلات تحمل مدرعات عسكرية جديدة و8 ناقلات محملة بصناديق ضخمة مموهة توجه إلى ناحية تل حميس ومنها إلى عدد من القواعد الأميركية بريف الحسكة.
ولفتت المصادر إلى أن ثلاث مدرعات عسكرية للقوات الأميركية وثلاث سيارات رباعية الدفع مركبة عليها رشاشات متنوعة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية رافقت الرتل منذ دخوله إلى الأراضي السورية.
وأدخلت القوات الأميركية في السابع من الشهر الجاري رتلا من 44 آلية إلى الأراضي السورية عبر معبر الوليد منها صهاريج نفط وشاحنات مبردة وناقلات محملة بجرافات، وذلك لتعزيز قواعدها في المنطقة.
ويرى مراقبون للشأن السوري أن إدارة الرئيس بايدن تنظر بشكل مختلف إلى الوجود العسكري المباشر في شمال وشرق سوريا عن الإدارة السابقة التي كان يترأسها الجمهوري دونالد ترامب، حيث تعتبر أن الأوضاع الحالية تفترض تعزيز هذا الحضور.
وكانت إدارة ترامب قلصت في الأشهر الأخيرة من عهدها عدد القوات الأميركية في شمال وشرق سوريا، وقد تم نقل معظمهم إلى إقليم كردستان العراق، وتركز وجود باقي القوات حينها على حماية حقول النفط في محافظتي دير الزور والرقة.
ويقول المراقبون إنه بغض النظر عن التصريحات الأميركية التي لا تخلو من تضارب فإن التمشي الحالي يظهر نية لزيادة الحضور الأميركي في سوريا، لافتين إلى أن الأمر لا يقتصر فقط على القلق من التمدد الإيراني ودعم خطط الأكراد، بل وأيضاً لإبقاء الضغط على نظام الرئيس بشار الأسد الذي ما فتئ في الفترة الأخيرة يهاجم هذا الحضور الذي يصفه بـ”الاحتلال”.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة تنوي الحفاظ على وجودها العسكري شمال شرق سوريا “بهدف مكافحة تنظيم داعش”.
وقال القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط جووي هود في مؤتمر صحافي عبر الهاتف “ننوي الحفاظ على وجود عسكري محدود شمال شرق سوريا بهدف وحيد يتمثل في محاربة تنظيم داعش في شراكة مع قوات سوريا الديمقراطية لبسط الاستقرار في المناطق المحررة بسوريا”.
وأشار هود إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى فقط للقضاء على الدولة الإسلامية وإنما كذلك لمعالجة الأوضاع الإنسانية في سوريا.
ويعتقد المراقبون أن المنطقة الشرقية مقبلة على فصل أكثر سخونة، حيث أن هناك ضوءا أخضر إيرانياً للميليشيات المنتشرة هناك لتصعيد الهجمات ضد الوجود الأميركي في تلك الرقعة الجغرافية.
وتعرضت قواعد عسكرية ونقاط تمركز أميركية لأربعة هجمات في أقل من شهر، كان أخطرها الهجوم الذي جرى قبل أيام على حقل العمر النفطي الذي يضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية بطائرات مسيرة، وأعلنت حينها قوات سوريا الديمقراطية التصدي له.
ودفعت هذه التهديدات القوات الأميركية إلى استئناف دورياتها في مناطق سيطرتها، وذلك بعد توقف دام لأشهر.
وكانت الولايات المتحدة شنت في 27 يونيو الماضي ضربات جوية على ميليشيات موالية لإيران، في العراق وسوريا، رداً على هجمات استهدفت مصالحها في العراق في الأشهر الأخيرة. واستهدفت الضربات الأميركية، وفق واشنطن، منشآت تشغيلية ومخازن أسلحة في موقعين في سوريا وموقع واحد في العراق.