بعد تصريحات دبلوماسية تركية مهدئة بالمنطقة، خصوصاً في ملف المفاوضات التركية – المصرية، وكذلك المباحثات الفرنسية – التركية، خرج الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مؤخراً بتصريحات مشددة لافتة.
يقول الرئيس التركي: «موجودون في ليبيا وأذربيجان وسوريا وشرق المتوسط وسنواصل وجودنا»، مؤكداً أن تركيا ستقوم بأعمال التنقيب في كل بحارها، لا سيما شرق المتوسط ومحيط قبرص.
وبالطبع فإن هذه التصريحات التركية تشوش، ولن أقول تنسف، الجهود التركية الأخيرة للتهدئة في المنطقة، خصوصاً مع مصر وحلفائها، وكذلك الجهود التركية – الفرنسية للتهدئة، يضاف إلى كل ذلك التوتر التركي – الأميركي.
أقول تشوش، لأن هناك من يقرأ تصريحات الرئيس إردوغان هذه على أنها تصريحات انتخابية داخلية، أو لحشد الجماهير بالداخل التركي، خصوصاً أن المعارضة التركية تطالبه بإجراء انتخابات مبكرة، ويصر إردوغان على أن تكون الانتخابات في موعدها المحدد في يونيو (حزيران) 2023.
وعليه فإن القصة التركية اليوم، وتحديداً في وضع الرئيس إردوغان، هي قصة داخلية أكثر من كونها خارجية، خصوصاً على خلفية الأوضاع الاقتصادية في تركيا التي لا تساعد الرئيس إردوغان.
وكل المؤشرات، اليوم، خصوصاً التصريحات الأخيرة المتشددة حيال المنطقة، توحي بأن الموقف التركي الإقليمي ربما يؤدي إلى تأزيم أكثر، حيث يخشى الرئيس التركي أن يظهر بالضعف حيال تقديم تنازلات، وليس لدى خصومه الاستعداد للقبول بأقل من شروط محددة في التفاوض، حيث إن مصر تطالب بالأفعال لا الأقوال، مثلاً، ضرورة خروج المرتزقة من ليبيا، وهذا ما تريده فرنسا أيضاً، وتطالب الولايات المتحدة أنقرة بإيقاف صفقة الصواريخ الروسية، والضغوط إلى زيادة أكثر، مع تراجع الأتراك عن توفير حماية مطار كابل بعد الانسحاب الأميركي.
وكذلك الحديث عن قاعدة عسكرية تركية في أذربيجان، وذلك بعد أن نقلت قناة «إن تي في» التلفزيونية عن إردوغان الخميس الماضي، أنه لا يستبعد إقامة قاعدة عسكرية تركية في أذربيجان، مضيفاً: «قد يحدث تطور وتوسع هنا في وقت لاحق».
ولذا فنحن الآن أمام اختناق تركي خارجي، ومثله داخلي، واستحقاقات تركية، خصوصاً في الملفات الخارجية، الأمر الذي يشير إلى أن مهمة المفاوض التركي الآن شاقة، وبدقة أكثر؛ فإن مهمة الرئيس التركي باتت أكثر صعوبة.
وبالتالي بات من الصعب فرز ما هي التصريحات الداخلية للرئيس التركي والتصريحات الخارجية، ومن شأن كل ذلك أن يصعّب مهمة الرئيس إردوغان داخلياً، ومزيد من العزلة الخارجية، وكل ذلك ليس في مصلحة أنقرة الآن.
ونقول ليس لمصلحة أنقرة، لأن ذلك سيسهم في تصعيب الموقف التركي المفاوض خارجياً، ويزيد من تكاتف المعارضة الداخلية ضده، والمفتاح دائماً هو الصعوبات الاقتصادية، كون إردوغان بالأساس كان يفترض أن يكون مشروعاً اقتصادياً للأتراك، وليس مشروع إسلام سياسياً توسعياً.
صحيفة الشرق الأوسط – طارق الحميد – إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة «الشرق الأوسط»