الأخبار تركيا

هل اعتـ ـقال إمام أوغلو خطوة لتمهيد الطريق أمام مشروع قناة إسطنبول؟

تتجاوز حمـ ـلة الاعتـ ـقـ ـالات الأخيرة ضـ ـد رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ومسؤولي البلدية مجرد قضـ ـايا “فسـ ـاد إداري”، بل ترتبط عـ ـضـ ـوياً بصـ ـراع أوسع على السلـ ـطة والثـ ـروة في تركيا، يتمثل أحد أبرز تجلياته في مشروع “قناة إسطنبول”، المشروع الذي يعتبره الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حجر الأساس لإرثه السياسي والاقتصادي.

مشروع قناة إسطنبول: الرؤية والرهانات

مشروع “قناة إسطنبول”، الذي أطلقه إردوغان منذ سنوات بوصفه “المشروع المجنون”، يُعدّ واحداً من أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ تركيا، ومن المتوقع أن يحقق فيه أردوغان وشركات المقربين منه عوائد مالية كبيرة منه كما أنه سيعيد رسم خريطة إسطنبول جغرافياً واقتصادياً.

ولكن المشروع أثار معارضة حادة، خصوصاً من إمام أوغلو، الذي اعتبره كارثة بيئية وخطراً ديموغرافياً واقتصادياً يهدد موارد المدينة الحيوية مثل مصادر المياه وسلامة التربة في منطقة زلزالية حساسة.

ولأن إمام أوغلو، كأقوى منافس محتمل لإردوغان في أي انتخابات رئاسية مقبلة، أوقف أو عرقل خطوات متعلقة بتسهيل تنفيذ المشروع، بات التخلص من سلطته المحلية أولوية سياسية للنظام الحاكم.

اعتقال إمام أوغلو: مناورة سياسية أم تصعيد استباقي؟

اعتقال إمام أوغلو وتوسيع التحقيقات لتطال أقرب معاونيه جاءت متزامنة مع تسارع أعمال البناء حول سد سازليديره — أحد النقاط الحيوية التي كان يعترض عليها إمام أوغلو بشدة — ما يكشف أن المسألة لا تتعلق بملفات فساد بقدر ما تتعلق بإزالة أكبر عقبة سياسية وشعبية أمام مشروع “قناة إسطنبول”.

إردوغان، الذي يعاني من تراجع شعبيته في أعقاب أزمات اقتصادية متفاقمة (انهيار الليرة، التضخم المفرط، تراجع الاستثمارات الأجنبية)، يدرك أن نجاح مشروع القناة قد يعيد تثبيت شرعيته المترنحة داخلياً وخارجياً، ويوفر له فرصاً ضخمة لمراكمة الثروة عبر صفقات عقارية ضُمنت بها مصالح قوى اقتصادية محلية وعربية مقربة.

الأبعاد الاقتصادية والدولية للصراع

مشروع القناة يُسوَّق في الدول العربية كفرصة استثمارية مغرية، وهنالك اتهامات بأن جهات خليجية (خصوصاً من الإمارات وقطر) حجزت بالفعل مساحات كبيرة في المناطق السكنية الجديدة المحاذية للمشروع، ما يحول إسطنبول الأوروبية إلى مركز استثمار عقاري دولي، ويغير توازنها الديموغرافي.

وبالتالي، فإن إمام أوغلو، الذي رفض تمرير هذه الصفقات وتبنى خطاباً وطنياً معادياً لنهب الموارد العامة، أصبح عقبة لا يمكن التسامح معها في الحسابات الاقتصادية والسياسية لإردوغان.

أزمة الشرعية واستراتيجية التصعيد

يراهن إردوغان على ضرب المعارضة قبل أن تتمكن من توحيد صفوفها لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، مستخدماً القضاء والأمن كأدوات سياسية. لكن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر كبيرة:

أولاً: التصعيد الأمني والقمع السياسي يهددان بإحداث انقسام عميق داخل المجتمع التركي، بين أنصار الدولة العميقة وحراس الديمقراطية.

ثانياً: المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي، سيرى في قمع المعارضين تأكيداً على انزلاق تركيا نحو حكم الفرد الواحد، ما قد يؤدي إلى تدهور إضافي في العلاقات الخارجية.

ثالثاً: الرهان على “قناة إسطنبول” كمشروع إنقاذ اقتصادي قد يفشل، خاصة إذا تحولت إلى رمز للفساد والنهب في الخطاب السياسي الداخلي.

وبالتالي، اعتقال إمام أوغلو ليس مجرد معركة على بلدية إسطنبول؛ إنه فصل في معركة كبرى على مستقبل تركيا: معركة بين مشروع استبدادي رأسمالي ضخم يختصر الوطن في صفقة عقارية، وبين رؤية وطنية تسعى لحماية الموارد العامة والحفاظ على التوازن الاجتماعي والديمقراطي.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل يستطيع إردوغان إكمال مشروعه، أم أن الاعتقالات ستكون الشرارة التي تعيد رسم الخريطة السياسية لتركيا من جديد؟

 

مشاركة المقال عبر