الأخبار تركيا سوريا شمال وشرق سوريا

فصـ ـيل العمـ ـشات في الواجـ ـهة.. حين يُمـ ـنع الخبز والماء من عبور المعابر؟

في مشهد يعكس تعـ ـقـ ـيدات الواقع السوري بعد سقـ ـوط النـ ـظام السابق، منـ ـعت فصـ ـائل تابـ ـعة لتركيا وبتـ ـواطـ ـؤ من سلـ ـطة دمشق مرور قافـ ـلة مساعدات إنسانية ضخمة انطلقت من إقليم شمال وشرق سوريا باتجاه مناطق الساحل، رغم الطابع الإنساني الخالص للمبادرة، التي جاءت كرد على المـ ـجـ ـازر وأعمـ ـال التـ ـصـ ـفية الطـ ـائفـ ـية التي شهدتها مناطق اللاذقية وطرطوس وحمص وبانياس في آذار الفائت.

قافلة إنسانية بلا وجهة

انطلقت القافلة يوم الخميس 10 نيسان من مدينة القامشلي، محملة بـ قرابة 14 ألف سلة غذائية وصحية وأطنان من الطحين، ضمن إطار حملة شعبية أطلقها أهالي شمال وشرق سوريا تضامناً مع المدنيين في الساحل.

القافلة التي سبقها إرسال مساعدات مماثلة خلال شهر آذار، وصلت إلى معبر مدينة الطبقة يوم الجمعة، وتابعت بعدها طريقها نحو وجهتها. إلا أن فصائل مرتبطة بتركيا وبتواطؤ من قوات تتبع لسلطة دمشق أوقفتها على الطريق ومنعتها من العبور.

منع، مصادرة، واشتراطات غير إنسانية

وبحسب بيان صادر عن المبادرة الشعبية من أهالي شمال وشرق سوريا، فإن عناصر فصيل العمشات المعروف بتبعيته لتركيا منعت القافلة من إكمال طريقها إلى الداخل الساحلي، وصادرت اللافتات التي تحمل أسماء المدن المشاركة في الحملة. كما طلبت تلك الجهات تفريغ الشاحنات في مستودعات الهلال الأحمر العربي السوري، وهو ما رفضه المنظمون، وكذلك الأهالي في الساحل وشمال وشرق سوريا، خشية من تسييس المساعدات أو حرفها عن مسارها.

ولم يقتصر الأمر على العراقيل البيروقراطية؛ إذ حاول فصيل “العمشات” التابع لتركيا الاستيلاء على الشحنات، وسط تواطؤ صامت من بعض الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة دمشق، ما زاد من القلق حول مصير المساعدات وشفافية توزيعها.

أربعة أيام من الانتظار.. بلا جدوى

وعليه عادت القافلة إلى معبر الطبقة وبقيت في المعبر أربعة أيام متواصلة، محمّلة بالكامل في انتظار السماح لها بالمرور، لكن دون استجابة من الجهات المسؤولة، ما اضطرها للعودة إلى مدينة الطبقة، في مشهد أثار خيبة أمل شديدة بين المنظمين والمتابعين.

السياق الأوسع: لماذا أُرسلت المساعدات؟

وجاءت هذه المبادرة الإنسانية عقب الجرائم الطائفية والمجازر التي شهدتها مدن الساحل السوري، لا سيما بين 6 و9 آذار، حيث تم توثيق مقتل أكثر من 2161 شخصاً منذ سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول 2024، معظمهم من المدنيين المنتمين لأقليات دينية وطائفية وخصوصاً العلويين.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، توزعت المجازر والانتهاكات على النحو التالي:

اللاذقية: 926 ضحية

طرطوس: 588

حماة: 422

حمص: 225

إضافة إلى 486 ضحية في حوادث فردية أو انتقامية، ارتُكبت على خلفيات طائفية أو سياسية. هذه الأرقام تعكس واقعاً مروّعاً يهدد ما تبقى من نسيج اجتماعي سوري يعاني أصلاً من الانقسامات.

لماذا رفضت المبادرة تسليم المساعدات؟

إن رفض المبادرة الشعبية تسليم قافلة المساعدات إلى فصيل العمشات الموالي لتركيا جاء في إطار حماية العمل الإغاثي من التلاعب والتسييس. فمحاولة هذا الفصيل الاستيلاء على المساعدات الإنسانية، وتوجيهها نحو عناصره أو بيعها في الأسواق، تشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ العمل الإنساني، وتهديداً مباشراً لوصول الدعم إلى مستحقيه من أهالي الساحل السوري، الذين يمرون بظروف مأساوية.

إن رفض المبادرة تمرير المساعدات عبر قنوات تابعة لسلطة دمشق أو الهلال الأحمر، لم يكن سوى تأكيد على حقها المشروع في ضمان الشفافية وعدم الانحراف عن الهدف الأساسي للإغاثة، خاصة في ظل سوابق موثّقة تتعلق بإعادة توجيه المساعدات وفق حسابات سياسية أو طائفية.

وقد كان واضحاً أن محاولات فصيل العمشات للسيطرة على القافلة تهدف إلى استخدام المساعدات كورقة نفوذ ومكسب اقتصادي داخل مناطق سيطرته، وهو ما رفضه منظمو الحملة بشكل قاطع، تأكيداً منهم على أولوية الكرامة والعدالة في إيصال الدعم للمحتاجين، لا للمتحكمين بالسلاح.

دلالات إنسانية وسياسية عميقة

وتعد هذه الحملة، رغم فشلها في الوصول، مؤشراً على نضج سياسي وشعبي في شمال وشرق سوريا، حيث يتم التعبير عن التضامن بين مكونات المجتمع السوري، بما فيها تلك التي كانت في خندق سياسي أو أمني مختلف. كما تسلط الضوء على غياب مرجعية موحدة لإدارة الأزمات الإنسانية، حيث تتقاذف القوى المحلية والإقليمية المسؤوليات بينما يدفع المدنيون الثمن.

سوابق أخرى للفصائل الموالية لتركيا!

وهذه ليست المرة الأولى التي تعيق فيها الفصائل التابعة لتركيا مرور المساعدات الإنسانية القادمة من شمال وشرق سوريا. فقد سبق أن منعت تلك الفصائل قافلة الإغاثة التي انطلقت عقب زلزال السادس من شباط 2023، والتي كانت محمّلة بالمساعدات العاجلة لضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا.

يومها، رُفض دخول القافلة عبر المعابر التي تسيطر عليها تلك الفصائل، رغم الحالة الكارثية التي خلّفها الزلزال والحاجة الماسة للدعم. واعتُبر ذلك التصرف جزءاً من سياسة ممنهجة لتسييس العمل الإغاثي ومنع أي شكل من أشكال التعاون الإنساني ما لم يمر عبر أدوات النفوذ التركي، ما حرم المتضررين من مساعدات كان يمكن أن تخفف من مأساتهم.

 

مشاركة المقال عبر