يعتبر سد تشرين من أبرز المنشآت الحيوية في شمال وشرق سوريا، حيث يلعب دوراً مهماً في توليد الكهرباء وتخزين المياه وتوفير احتياجات السكان في المنطقة. منذ انـ ـدلاع الصـ ـراع في سوريا، تعـ ـرض السد لتهـ ـديـ ـدات متكررة من قبل القـ ـوات التركية وفصـ ـائل “الجيـ ـش الوطني” المـ ـوالـ ـية لها، مما أسـ ـفر عن فـ ـقـ ـدان العشرات من المدنيين وإصـ ـابة المئات، فضلاً عن الأضـ ـرار الجـ ـسـ ـيمة التي لحقت بالبنية التحتية للسد. في هذا السياق، جاء الاتفاق الأخير بين الحكومة الانتقالية السورية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ليشكل خطوة هامة تسلط الضوء على تطورات الوضـ ـع السياسي والميـ ـدانـ ـي في المنطقة. هذا الاتفاق أثـ ـار تسـ ـاؤلات حول دلالاته، أهدافه، وتـ ـداعـ ـياته المستقبلية.
خلفية الصراع حول السد
يقع سد تشرين على نهر الفرات، ويعتبر من أكبر السدود في سوريا من حيث الأهمية الاستراتيجية والخدمية، حيث يسهم في تأمين احتياجات المنطقة من الكهرباء والمياه. مع تصاعد الهجمات التركية والفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة، أصبح السد في مرمى القصف المستمر. وكان لذلك تأثير كبير على سكان المنطقة الذين يعولون عليه في تأمين حياتهم اليومية. حيث نزل آلاف المدنيين من مختلف المناطق في شمال وشرق سوريا للدفاع عن السد، حرصًا على استمراريته في توفير هذه الموارد الأساسية.
الهجمات على السد تمثلت في استهداف بنيته الأساسية، وهو ما شكل تهديداً مباشراً لانهياره أو توقفه عن العمل، مما كان سينجم عنه كارثة إنسانية وبيئية كبيرة على مستوى المنطقة بأكملها. ذلك التهديد دفع الأطراف المعنية إلى البحث عن حلول تحفظ السد من الدمار وتضمن استمرارية عمله بشكل آمن.
تفاصيل الاتفاق
الاجتماع الأخير بين الحكومة الانتقالية والإدارة الذاتية أفضى إلى اتفاق يشمل عددًا من البنود الأساسية التي تهدف إلى حماية السد وضمان تشغيله بشكل مستمر وآمن. وحسب المصادر المطلعة، فقد تضمن الاتفاق النقاط التالية:
الإشراف المشترك على إدارة السد، حيث ستتولى الإدارة الذاتية مسؤولية الإشراف المباشر على العمليات التشغيلية للسد، بالتنسيق مع الجهات الدولية المختصة التي ستساعد في أعمال الصيانة والإصلاح.
تحييد السد عن العمليات العسكرية، حيث تم التوافق على اعتبار السد منطقة منزوعة السلاح، مما يعني أن أي طرف لا يمكنه استهدافه أو استخدامه كهدف في العمليات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على وقف الهجمات على محيط السد أو منشآته من أي طرف.
تشكيل فرق حماية مشتركة، إذ سيتم تشكيل فرق مشتركة من الحكومة الانتقالية والإدارة الذاتية لحماية السد. وقد تتعاون هذه الفرق مع فرق دولية لضمان الشفافية والانضباط أثناء أداء مهامها، لتفادي أي تجاوزات قد تهدد أمن السد.
الأهمية الرمزية والسياسية للاتفاق
القرار بالتوصل إلى اتفاق حول سد تشرين ليس مجرد تفاهم فني حول منشأة مائية، بل يحمل في طياته رسائل سياسية هامة، أهمها:
يعتبر الاتفاق خطوة نحو إعادة ترتيب العلاقات بين الإدارة الذاتية وسلطة دمشق.
ويمكن اعتبار هذا الاتفاق بمثابة نموذج مصغر لما قد يكون عليه شكل الحكم المستقبلي في سوريا، في حال تم التوصل إلى صيغة للحكم الاتحادي أو اللامركزي، وهو ما يعكس بداية تحول في الفهم السياسي والإداري بين مختلف الأطراف السورية.
ويعتبر الاتفاق رداً على التدخلات الخارجية، فبتحييد السد عن العمليات العسكرية، يبعث الطرفان برسالة قوية مفادها أن البنية التحتية السورية، بما في ذلك السدود والمنشآت الحيوية، يجب أن تكون محمية من الصراعات العسكرية والتدخلات الإقليمية. هذا يعد بمثابة رد مباشر على التدخلات التركية في المنطقة، وتأكيد على ضرورة عدم تحويل هذه المنشآت إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
التداعيات المستقبلية المحتملة
هذا الاتفاق قد يفتح الباب أمام العديد من التطورات الإيجابية على المستويات الخدمية والسياسية. بعض التداعيات المستقبلية المحتملة تشمل:
تحسين الواقع الخدمي: إعادة تأهيل السد، التي ستكون جزءًا من الاتفاق، ستسهم في تحسين واقع الكهرباء في المنطقة وتوفير المياه اللازمة للزراعة، الأمر الذي سيعزز الاستقرار الخدمي في شمال وشرق سوريا. كما أن استقرار منسوب مياه الفرات سيسهم في ضمان استمرارية المشاريع الزراعية والري، ويخفف من الأزمة المائية التي تعاني منها المنطقة.
فتح الباب أمام اتفاقات مماثلة: قد يفتح هذا الاتفاق المجال للتوصل إلى تفاهمات مشابهة بشأن منشآت حيوية أخرى، ما سيسهم في إعادة بناء البنية التحتية المتضررة من سنوات الحرب.
تعزيز دور الجهات الدولية: الاتفاق سيسمح للمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بلعب دور أكبر في إعادة الإعمار. كما سيوفر فرصة لتقديم الدعم الفني والتقني لإعادة تأهيل المنشآت الحيوية السورية بشكل شفاف ومحايد، بما يخدم مصالح الشعب السوري بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
الاختراق السياسي الذي تمثل في الاتفاق حول سد تشرين ليس مجرد تفاهم على منشأة خدمية فحسب، بل هو مؤشر على بداية تحولات ميدانية وسياسية في سوريا. في ظل الانقسام الجغرافي والسياسي الذي يشهده البلد، قد يحمل هذا الاتفاق بوادر شراكة جديدة بين القوى السورية المحلية، التي تسعى لتجاوز آثار الحرب والتوجه نحو التعاون من أجل المصلحة العامة. إذا استمر هذا النهج، قد يكون من الممكن بناء بيئة مستقرة تركز على تأمين احتياجات المواطنين من الخدمات الأساسية، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بعيدًا عن النزاعات العسكرية والمصالح الخارجية.