في مشهد يتكرر بفـ ـظـ ـاعـ ـته، يتـ ـصـ ـاعد منسوب الانتـ ـهـ ـاكـ ـات بحق العلويين في مناطق ريف حمص وقرى الساحل السوري، وسط مـ ـوجة من التهـ ـديـ ـدات المنـ ـظـ ـمـ ـة والابـ ـتـ ـزاز العلني الذي تتبعه المجمـ ـوعات المسـ ـلحة التي تتـ ـحـ ـرك بحرية دون رقـ ـابـ ـة ومـ ـلاحـ ـقة من سلـ ـطة دمشق، ما يعيد إلى الأذهان مجـ ـزرة 7 آذار، والتي تُعد من أبـ ـشـ ـع الجـ ـرائـ ـم الجـ ـمـ ـاعية التي شهدتها البلاد منذ سقوط النظام السوري البائد في 8 كانون الأول 2024.
حيث تشهد بعض قرى ريف حمص والساحل السوري، منذ مطلع العام الجاري، موجة جديدة من الانتهاكات المنظمة ضد السكان المدنيين من أبناء الطائفة العلوية، تمارسها مجموعات مسلحة مختلفة بعضها موالي لتركيا، وبعضها من المجموعات الأجنبية ضمن هيئة تحرير الشام من الإيغور والأوزبك والشيشان. وتتمثل هذه الانتهاكات في الابتزاز المالي، التهديد بالتصفية، والنزوح القسري، وسط صمت حكومي مطبق وغياب تام لأي إجراءات لردع هذه التجاوزات.
جبلايا… سلاح التهديد والتجويع
في قرية جبلايا الواقعة بريف حمص، أفادت مصادر محلية وشهود عيان بتعرض السكان لابتزاز مباشر من قبل مجموعة مسلحة، طالبتهم بدفع مبالغ مالية توازي قيمة 300 قطعة سلاح حربي، رغم أن أهالي القرية لا يملكون أي أسلحة، وهم بمعظمهم مزارعون وعمال.
ووفق إفادات متطابقة، هددت المجموعة بإدخال فصيل مسلح إلى القرية في حال عدم الامتثال، ملوّحة بارتكاب مجزرة جماعية، مما دفع عشرات العائلات إلى ترك منازلها والنزوح إلى مناطق مجاورة أكثر أماناً، خوفاً على حياتهم، وسط حالة من الرعب والذعر تعم المنطقة.
الحطانية… المال أو الدم
وفي قرية الحطانية التابعة لمدينة بانياس في الساحل السوري، تكررت ذات الممارسات، حيث أفادت مصادر أهلية أن الأهالي تلقوا إنذاراً بدفع مبلغ مالي قدره 60 مليون ليرة سورية، أو مواجهة دخول فصيل مسلح إلى قريتهم، دون أي ضمانة بعدم التعرض لهم.
التهديدات جاءت عبر وسطاء محليين، وأرفقت بـ”مهلة زمنية محددة”، مع وعود ضمنية بالحماية في حال دفع المبلغ. هذا النوع من الابتزاز الممنهج أثار سخطاً كبيراً لدى السكان، الذين عبّروا عن شعورهم بأنهم رهائن في قراهم، تحت سطوة سلاح غير شرعي.
مجزرة 7 آذار: جرح لم يندمل
في 7 آذار 2025، شهدت مدن وقرى الساحل السوري، مجازر جماعية مروّعة راح ضحيتها أكثر من 1500 مدني من أبناء الطائفة العلوية، في هجوم منسّق شنّته فصائل موالية لتركيا، منها فرقة السلطان مراد وفرقة العمشات، بالتنسيق مع مقاتلين أجانب من الإيغور والشيشان والأوزبك ينتمون إلى هيئة تحرير الشام.
الهجوم جاء بعد ثلاثة أشهر فقط من وصول هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم في البلاد، واستُخدم فيه السلاح الثقيل، والإعدامات الميدانية، وعمليات الحرق والتمثيل بالجثث، حيث تم اجتياح القرى، وقتل السكان على الهوية، وفق شهادات موثقة من ناجين.
وقد خلّفت المجزرة أضراراً نفسية ومجتمعية هائلة، وتم تهجير آلاف العائلات من قراها، وسط تقاعس المجتمع الدولي عن التحقيق أو التدخل.
أبعاد طائفية وتواطؤ إقليمي
المجزرة التي استهدفت المدنيين على خلفية انتمائهم الطائفي، أثارت صدمة واسعة داخل سوريا وخارجها، خاصة بعد انتشار تقارير تؤكد ضلوع جماعات مدعومة تركياً، ما يفتح باب التساؤل حول دور بعض القوى الإقليمية في إذكاء العنف الطائفي لتحقيق مكاسب سياسية على الأرض.
ورغم ضخامة الحدث، لم يصدر حتى الآن أي تحقيق دولي مستقل أو محاسبة للمسؤولين عنه، ما يعزز مناخ الإفلات من العقاب ويغذي احتمالات تكرار الجرائم.
التهديد مستمر… والمجتمع الدولي غائب
وتشير التطورات في ريف حمص وقرى الساحل اليوم إلى أن ذات القوى المسلحة التي ارتكبت المجازر، أو أطرافاً مرتبطة بها، ما زالت تمارس أساليب جديدة للسيطرة عبر الابتزاز المالي والترهيب المسلح، ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وتهديداً للاستقرار المجتمعي والعيش المشترك.
ويُحذّر ناشطون حقوقيون من أن هذه الانتهاكات ليست معزولة، بل قد تمهّد لموجة جديدة من العنف الطائفي والنزوح الداخلي، إذا لم يتم التحرك سريعاً من قبل المؤسسات الدولية، ولجان التحقيق الأممية، والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان.
العدالة مؤجلة
من جبلايا إلى الحطانية، ومن بانياس إلى قرى الساحل، يظل المدنيون عالقين بين نار التهديد، وألم المجازر غير المنسية، في وقتٍ تبدو فيه العدالة مؤجلة، إن لم تكن مستحيلة.
ومع غياب التحقيق والمحاسبة، تبقى أرواح الضحايا، وعلى رأسهم ضحايا مجزرة 7 آذار، شاهداً حياً على أن معاناة السوريين لا تزال مستمرة، في ظل صراع لم تُغلق صفحاته بعد.