تشهد المناطق الخـ ـاضـ ـعة لسلـ ـطة دمشق، بما في ذلك العاصمة دمشق وأريافها، إلى جانب مناطق الساحل وسهل الغاب، تصـ ـاعداً خطـ ـيراً في وتيـ ـرة الانفـ ـلات الأمـ ـنـ ـي، انعـ ـكس على حيـ ـاة المدنيين بشكل مباشر، حيث تتكـ ـرر حـ ـالات الخـ ـطـ ـف والقـ ـتـ ـل والنـ ـهـ ـب، وسط غيـ ـاب كامل لأي دور أمـ ـنـ ـي فاعـ ـل من الجهـ ـات المسيـ ـطرة.
حواجز طيّارة مسلّحة في سهل الغاب.. المدنيون فريسة يومية
ففي سهل الغاب بريف حماة، أفاد عدد من السكان بتعرّضهم لعمليات سلب ونهب على يد مسلحين مجهولين يقيمون حواجز طيّارة عند مداخل القرى والمفارق الحيوية، خصوصاً في مناطق مثل عين الكروم والخندق. حيث يجري توقيف السيارات وتفتيشها بالقوة، ويُجبر السائقون والمارة على تسليم أموالهم وأجهزتهم الشخصية تحت تهديد السلاح.
أحد المواطنين أكّد لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” أنه نُهب على حاجز مجهول أثناء مروره بسيارته، حيث سُلب مبلغ مالي وجهاز هاتف، وأضاف: “نعيش في خوف دائم. الحواجز تظهر فجأة وتختفي، ولا أحد يجرؤ على الاعتراض، فلا سلطة ولا حماية”.
الساحل السوري.. قرى منكوبة ومشهد أمني قاتم
الوضع لا يختلف كثيراً في مناطق الساحل السوري، التي تشهد انفلاتاً أمنياً مروعاً بعد سقوط النظام، وتعرضت العديد من القرى العلوية منذ 7 آذار الماضي إلى موجة عنف طائفي طاحنة، تضمنت عمليات قتل جماعي، وحرق ونهب للمنازل والمحال التجارية، ما أدى إلى تهجير العشرات من العائلات وتحويل بعض القرى إلى مناطق منكوبة بالكامل.
مصادر محلية أشارت إلى أن بعض هذه الانتهاكات تتم من قبل مجموعات مسلحة غير منضبطة، تعمل تحت غطاء وزارة الدفاع لدى سلطة دمشق، أو تتصرف بشكل مستقل في غياب أي رقابة أو محاسبة.
دمشق ومحيطها.. الخوف يلف العاصمة
وفي العاصمة دمشق، التي باتت تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها بعد سقوط النظام، لم ينعكس التغيير السلطوي على الواقع الأمني إيجاباً، بل تعيش المدينة حالة من التسيب الأمني الخطير، حيث تنتشر عصابات الخطف والسلب، إلى جانب ابتزاز الشباب واعتقالهم على خلفيات مختلفة، لا سيما المرتبطة بالخدمة العسكرية أو الولاءات السابقة للنظام.
وتؤكد شهادات محلية وجود تواطؤ مباشر من بعض الحواجز والفصائل المسلحة مع شبكات تهريب وابتزاز، ما يعمّق أزمة الثقة بين السكان والسلطة القائمة.
دير الزور وحلب.. انهيار السيطرة الأمنية
أما في مناطق مثل دير الزور وحلب، فتشهد هي الأخرى انفلاتاً أمنياً حاداً، تجلّى في حوادث متكررة من القتل والسطو المسلح، فضلاً عن الاقتتال بين فصائل متناحرة تتصارع على النفوذ والإتاوات، وسط عجز واضح للجهات المسيطرة عن ضبط الأوضاع.
ويصف الأهالي الوضع بأنه “شريعة غاب”، حيث تسود القوة والمصالح الفصائلية على حساب حياة الناس وممتلكاتهم.
السلطة الجديدة أمام اختبار حقيقي
واقع الفوضى الأمنية الممتدة في هذه المناطق يضع السلطة الجديدة ممثلة بـ”هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة أمام اختبار حقيقي لشرعيتها، فبعد زوال النظام السابق، كان يُفترض أن يكون الأمن أولى أولويات المرحلة، لكن المؤشرات الحالية تُظهر عجزاً بنيوياً في فرض السيطرة والانضباط، أو حتى رغبة في معالجة الفوضى.
ومع استمرار حالة الفلتان الأمني، وغياب الرادع، ووجود سلاح منفلت بيد الجماعات غير المنضبطة، فإن معاناة المدنيين مرشحة للتفاقم، خصوصاً في ظل غياب أي مسار سياسي أو أمني فعلي لإعادة بناء المؤسسات أو فرض القانون.
ويتساءل الأهالي: “هل تغيّر الحاكم فقط، أم تبدّلت المنهجية؟”، في وقتٍ باتت فيه الفوضى الأمنية وجهاً جديداً لمعاناة قديمة، تتكرر بوجوه جديدة وأسماء مختلفة، لكن الضحية فيها واحدة: المدني السوري.