آراء وتحليلات سوريا

سوريا مجدداً في مستنقع الفوضى: المخابرات التركية تؤجج المشاكل

سوريا التي كان من المتوقع أن يسود فيها السلام بعد سقوط نظام الأسد، عادت إلى مرحلة الفوضى مرة أخرى. تمرد الدروز والعلويون ومجموعات عرقية أخرى ضد حكومة دمشق التي تأسست بقيادة هيئة تحرير الشام. وتواردت المعلومات إنه وبناء على لقاءات جمعت هيئة تحرير الشام مع عناصر من جهاز المخابرات التركية تم ارتكاب مجازر في منطقة الدروز بحجة داعش وفي مناطق العلويين بحجة فلول النظام.

سوريا التي تعيش حرباً أهلية منذ ما يقرب من 14 عاماً، دخلت مرحلة جديدة مع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024. ودون أدنى مقاومة استولت هيئة تحرير الشام التي تجمعت ونمت لسنوات في إدلب على السلطة في دمشق، بديلاً عن نظام بشار الأسد. وذكرت السلطات الجديدة أن سوريا سوف تحتضن كل الاختلافات والمكونات. ورغم أن هيئة تحرير الشام ذكرت في بيانها الأول أنها ستنشئ إدارة تحمي جميع الحقوق، بما في ذلك حقوق الكرد والدروز والعلويين والعرب، إلا أن الهيئة تجاهلت الكرد والدروز وقتلت من لم يكن معها. وبهذا الشكل دخلت الحرب الأهلية في سوريا، التي كان من المفترض أن تنتهي، إلى مستوى جديد. ففي حين أعلن الدروز أنهم سيديرون شؤونهم بأنفسهم وأعلنوا إدارتهم الذاتية، لا يزال الكرد ينتظرون محاوراً من دمشق. ومن ناحية أخرى، انتفض العلويون والمسيحيون وغيرهم من الشعوب التي واجهت المجازر.

 

لقاءات هيئة تحرير الشام والمخابرات التركية

يواصل النظام الحالي في دمشق الضغط على الدروز في السويداء والقنيطرة وجرمانا ودرعا، وينفذ هجمات ترتقي إلى مستوى المجازر بحق العلويين في اللاذقية وطرطوس وجبلة وحمص وحماة. فيما لم يتم التواصل مع شعوب ومعتقدات الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا (لم يتم التحاور معهم) ووضعهم غير واضح. بينما الأهالي الذين تعرضوا للقمع والمجازر، راية التمرد ضد قوات هيئة تحرير الشام.

وللتدخل في هذه الانتفاضات وقمعها، بدأت حكومة دمشق الحالية باستخدام مرتزقة داعش ضد المجتمع الدرزي في السويداء والقنيطرة وجرمانا ودرعا، كما استخدمت ضباط المخابرات الأسرى وضباط جيش نظام الأسد ضد العلويين في اللاذقية وطرطوس وجبلة وحمص وحماة.

وبحسب المعلومات فقد تدخل جهاز المخابرات التركية لاحتواء أي ردود أفعال محتملة من القوى الدولية والإقليمية على الهجمات والمجازر. وفي شباط الفائت، عقد مسؤولا جهاز الاستخبارات التركية كورت إرجين ومحمد هيوز، اللذان كانا يتابعان ملف داعش في مناطق السويداء ودرعا ودمشق، عدة اجتماعات مع مسؤولي استخبارات هيئة تحرير الشام في المنطقة،  وهم كل من خلدون الداغر (أبو الهفل القلموني)، وميسر الدرعاوي (أبو محمد الدرعاوي)، ومجيد الديلم (أبو الحسن العراقي – الذي كان أيضاً أميراً لداعش). وذكرت المعلومات أن معظم اللقاءات عقدت في القنصلية التركية بدمشق، وتم فيها تفعيل خلايا نائمة تابعة لداعش.

داعش هي الذريعة!

وأفادت المعلومات أن من يقود خلايا داعش النائمة هم كل من شمس الدين صلاح عباد (يوغر قاري) من مواليد عام 1991، وهو أمير داعشي من الأويغور، كما تولى مسؤوية التدريب على الأسلحة الثقيلة في مرتزقة الحزب الإسلامي التركستاني. محمد حسونة وهو أيضاً المسؤول التقني لداعش ومؤسس الوكالة التقنية لداعش.

وبحسب المعلومات فقد تم توزيع ونشر خلايا داعش على شكل مجموعات، بناء على خطة المخابرات التركية ومخابرات هيئة تحرير الشام، في ريف جاسم، وفي بادية السويداء الشرقية، وفي السهل المقابل لقرى بادية السويداء الشرقية، وفي قرى منطقة الدياسة، وفي محيط الكراع، وتلول الصفا، وفي منطقة أبو شرشوح على بعد 7 كيلومترات من الحدود الأردنية. وبهذا الشكل أصبح وجود داعش ذريعة وحجة للتدخل والهجمات التي تنفذها قوات هيئة تحرير الشام في المنطقة.

 

وفي اللاذقية الذريعة هي فلول النظام!

 

في الوقت الذي كان يتم فيه إعداد وتمهيد الأرضية للتدخل ضد الدروز بهذه الطريقة، كانت صور المجازر ضد العلويين الذين يعيشون في مدن وريف اللاذقية وحماة وحمص وطرطوس تتوارد بشكل شبه يومي منذ 8 كانون الأول 2024. وبعد درعا خرج العلويون إلى الشوارع في العديد من المناطق ضد القمع والمجازر، ونتيجة للأحداث التي أدت إلى اشتباكات مسلحة في العديد من الأماكن، قُتل المئات من الناس على يد القوات الحاكمة في دمشق.

ومن أجل تمهيد أرضية وذريعة للتدخل في الأحداث، بدأت هيئة تحرير الشام باستخدام عناصر وضباط مخابرات تابعين لنظام الأسد، تم أسرهم في هجمات 27 تشرين الثاني. ونشرت العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة لهيئة تحرير الشام وجهاز المخابرات التركية، عمليات عناصر نظام الأسد المعتقلين سابقاً، الذين استهدفوا المواقع العسكرية والأمنية للقوات الحاكمة في دمشق في عدة نقاط، مما مهد الطريق للتدخل في احتجاجات العلويين.

 

وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها فإن قادة هذه المجموعات، ومعظمهم من مخابرات نظام الأسد، هم كل من: قصي خضير ملحم، ووسيم إسماعيل جميل، ومدين ريا علي، وسردار كوجر، وحيدر علي ملحم، وهم ضباط مخابرات واستخبارات في الجيش تم القبض عليهم من قبل هيئة تحرير الشام. وقد تم تكليف كل من واحد من هؤلاء بقيادة مجموعة تم تشكيلها بشكل منفصل.

 

هل يتم القضاء على حكومة دمشق؟

تزامنا مع هذه التطورات، ورغم أن هيئة تحرير الشام قالت بعد سقوط نظام الأسد إنها تسعى إلى تشكيل حكومة يحصل فيها الكرد والدروز والعلويين والعرب والأقليات الأخرى على جميع حقوقهم، إلا أن الهيئة تجاهلت الكرد والدروز وبدأت بقتل من لم يكن معها. مع تشكيل الحكومة الجديدة، دخلت الحرب الأهلية في سوريا، التي كان من المفترض أن تنتهي، مرحلة جديدة. ويرى مراقبون أن فترة التسامح والتغاضي التي منحتها  القوى الدولية لهيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني بدأت بالنفاذ.

وقد تبوأت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين واصلتا التحول البراجماتي في سياساتهما حيال سوريا منذ بداية الاحتجاجات في عام 2011، مهمة تمويل تشكيل هيئة تحرير الشام السورية. حيث أجرى رئيس الحكومة المؤقتة في دمشق، التي أنشئت فور سقوط دمشق في الثامن من كانون الأول، أول زيارة خارجية له إلى هاتين الدولتين الخليجيتين المهمتين وطلب منها المساعدة.

وبعد العديد من اللقاءات، تم إرسال العديد من الشركات والوفود إلى دمشق من قبل البلدين تحت غطاء دراسة كيفية مساعدة سوريا، لأن إعادة إعمار سوريا التي دمرت في العديد من المجالات، من البنية الخدمية إلى الاتصالات، ومن المصارف إلى الصناعة، تحتاج إلى مساعدات كبيرة. لكن بسبب المخاوف (المخاطر) تم تعليق عمل هذه الشركات والوفود حتى الآن.

وزعمت تقارير أن وفداً خاصاً من حكومة دمشق توجه إلى الإمارات في 26 شباط ثم إلى المملكة العربية السعودية، حيث صرح الوفد بأنه يمكنهم بناء الثقة في المنطقة وأن هذا سوف يستغرق وقتاً. ومن ناحية أخرى، ورد أن المسؤولين السعوديين صرحوا بأن العديد من القوى الخارجية تدخلت في تشكيل سوريا الجديدة من خلال خلق الفوضى والاستفزازات (في إشارة بشكل خاص إلى تركيا) وبالتالي فإن الوفود والشركات التي أرسلوها إلى دمشق لن تتمكن من إجراء تحقيق سليم. كما تشير المعلومات إلى أن السلطات السعودية تشعر بقلق خاص إزاء الضغوط على المنطقة الدرزية والمناطق التي يسكنها العلويون.

 

دول الخليج غير راضية عن الوضع الحالي!

في مرحلة ما بعد الأسد، تتحدد سياسة الإمارات والسعودية في سوريا بالمكاسب الاقتصادية والمعادلات الجيوسياسية. وعلى الرغم من أن هاتين القوتين الخليجيتين عازمتان على ضمان الاستقرار الإقليمي وتحقيق أهدافهما الاستراتيجية من خلال دور نشط في إعادة إعمار سوريا، فإن هذه العملية تحتوي على مخاطر وعدم يقين مختلفين بسبب الديناميكيات الداخلية والخارجية. ويمثل هذا النهج البراجماتي الذي تتبناه دول الخليج تجاه سوريا تغييراً كبيراً في خريطة الطريق من شأنه أن يؤثر على السياسات المستقبلية ليس في المنطقة فحسب، بل وأيضاً على المجتمع الدولي.

 

 

مشاركة المقال عبر