الأخبار تركيا سوريا

مجـ ـازر طـ ـائـ ـفية في الساحل وتـ ـواطـ ـؤ تركيا وفصـ ـائلها وسلـ ـطة دمشق

وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان استـ ـشهـ ـاد أكثر من 500 مدني، بينهم نساء وأطفال، في عمـ ـلـ ـيات تصـ ـفية ممـ ـنـ ـهجة شهـ ـدتـ ـها مناطق الساحل السوري. هذه العمـ ـلـ ـيات التي بدأت كحـ ـمـ ـلة أمـ ـنـ ـية لمـ ـلاحـ ـقة فـ ـلـ ـول النظـ ـام البـ ـائـ ـد، تحولت بسرعة إلى مجـ ـازر طـ ـائـ ـفية مـ ـدروسـ ـة، وسط تـ ـواطـ ـؤ جهـ ـات داخل سلـ ـطة دمشق مع الفـ ـصـ ـائل المـ ـدعـ ـومة من تركيا، وعلى رأسها “الحـ ـمـ ـزات” و”العـ ـمـ ـشات”.

اعترافات مصورة واتهامات موثّقة

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصور لشخص يدعى محمد حجي، ويلقب نفسه بـ”أبو عبيدة”، وهو عنصر في قوات سلطة دمشق وجهاز الأمن الداخلي التابع لها. يتحدث في المقطع عن عمليات تصفية طالت العلويين، معبّرًا عن صدمته من حجم الجرائم التي تم توثيقها، والتي تضمنت استهداف الأطفال والنساء بشكل وحشي.

ووفقاً لما قاله هذا العنصر، فإن فصيلي “الحمزات” و”العمشات” المدعومَين من تركيا هما المسؤولان عن هذه الجرائم، وهو ما يكتسب مصداقية كبيرة، حيث أن هذين الفصيلين معروفان بجرائمهما ضد الكورد في عفرين ومناطق سورية أخرى، وقد تم إدراجهما على قائمة العقوبات الأمريكية عام 2021 بسبب انتهاكاتهما الخطيرة لحقوق الإنسان. كما أن الفصيلين عملا كمرتزقة لصالح الجيش التركي في عدة دول مثل ليبيا وأذربيجان والنيجر، ما يثبت استعدادهما للانخراط في أي عمليات عسكرية مأجورة تخدم مصالح تركيا.

تناقضات سلطة دمشق وإشكالية الفصائل

السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يتم الإعلان في “مؤتمر النصر” عن حل جميع الفصائل المسلحة وانضمامها إلى وزارة الدفاع التابعة لسلطة دمشق؟ فقد تم انتخاب أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا لسوريا، ووفق قرارات المؤتمر، كان من المفترض أن يتم تفكيك “الحمزات” و”العمشات” وإدماجهما بالكامل ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية لأنهما كانا حاضرين في ذاك المؤتمر.

لكن على أرض الواقع، لم يحدث ذلك، بل تم تعيين متزعم “العمشات”، المدعو “أبو عمشة”، في قيادة الفرقة 25 بحماة بقرار من أحمد الشرع نفسه، مما يؤكد استمرار نفوذ هذه الفصائل داخل هيكل السلطة الجديدة. والأكثر إثارة للجدل أن هذه الفصائل كانت حاضرة في “مؤتمر النصر”، حيث أيدت انتخاب أحمد الشرع وباركت استلامه للسلطة، ما يثير التساؤلات حول علاقتها الفعلية بسلطة دمشق الجديدة.

مسؤولية الجيش والدولة في الجرائم المرتكبة

الجيش والدولة مسؤولان بشكل مباشر عن الحملة العسكرية التي أُطلقت في الساحل السوري. فالمؤسسة العسكرية هي التي أعلنت عن العملية، وحشدت لها، وقررت تنفيذها تحت ذريعة القضاء على فلول النظام البائد. وبالتالي، فإن محاولة تحميل المسؤولية الكاملة لمجموعات مرتزقة هو تلاعب مكشوف بالرأي العام.

لقد أظهرت مقاطع فيديو متداولة مروحيات تلقي قنابل على مدن الساحل، والمروحيات بطبيعة الحال ليست بحوزة “الحمزات” و”العمشات”، مما يعني أن المسؤولية تقع على عاتق سلطة دمشق أو حتى تركيا. وهنا يبرز التساؤل: هل ما جرى هو مجرد فوضى ميدانية أم أن هناك مخططًا أوسع لإعادة رسم المشهد العسكري والسياسي في سوريا؟

الهجمات على شمال وشرق سوريا والتواطؤ التركي

لا تزال “الحمزات” و”العمشات” تشنّان هجمات على سد تشرين بمساعدة القوات التركية، وسط صمت تام من قبل سلطة دمشق، ما يثير الشكوك حول وجود تنسيق غير معلن بين الطرفين. فعدم اتخاذ أي موقف رسمي ضد هذه الهجمات يُعتبر موافقة ضمنية، بل ربما يكون جزءًا من خطة أوسع لاستخدام هذه الفصائل كأداة مؤقتة ثم التخلص منها لاحقًا بعد تنفيذ الأجندات المطلوبة.

السيناريو المحتمل: تصعيد ثم تصفية

يبدو أن هناك سيناريو يجري تحضيره بإشراف تركي يتمثل في توجيه “الحمزات” و”العمشات” نحو شن عمليات عسكرية جديدة ضد مناطق شمال وشرق سوريا، تمامًا كما حدث في الساحل وقد يأتي الدور لاحقاً على الدروز في السويداء. وبعد الانتهاء من تنفيذ هذه المهام، قد يتم تصفية هذه الفصائل، تمامًا كما جرت تصفية العلويين في الساحل، مما يشير إلى استراتيجية تهدف إلى ضرب مكونات محددة ثم التخلص من الأدوات التي استُخدمت لتنفيذ هذه العمليات.

الحاجة إلى تحقيق دولي وشفاف

سلطة دمشق أمام اختبار مصيري الآن: إما أن تستمر في نهج نظام الأسد البائد، أو أن تتخذ خطوة جريئة للتخلص من التبعية لتركيا والفصائل المسلحة المدعومة منها. لا يمكن لسوريا أن تستقر عبر سياسات الإقصاء والانتقام، بل تحتاج إلى حل شامل يضمن حقوق جميع المكونات دون تمييز.

لكن بدون تحقيق علني وشفاف، وبإشراف دولي، لن يتم تصديق أي محاولات لتبرئة سلطة دمشق أو تحميل المسؤولية الكاملة للفصائل المرتزقة فقط. فالمشاهد المصورة والتوثيقات الحقوقية تثبت بشكل قاطع تورط جهات رسمية في الجرائم التي حدثت، وهو ما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لضمان المساءلة والمحاسبة.

مشاركة المقال عبر