أفادت وكالة الأنباء السورية “سانا”، نقلاً عن مصدر في وزارة الدفـ ـاع، بأن تعـ ـزيـ ـزات عسـ ـكـ ـرية ضخـ ـمة توجهت اليوم الخميس إلى منطقة جبلة وريفها، بهدف دعـ ـم قـ ـوات الأمـ ـن العام لدى سلـ ـطة دمشق التي تنـ ـفـ ـذ عمـ ـلـ ـيات أمـ ـنـ ـية في المنطقة التي يقطنها غالبية علوية.
ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أسفرت الاشتباكات العنيفة في محيط جبلة بريف اللاذقية عن مقتل وإصابة 16 عنصرًا من قوى الأمن العام.
وفي تطور ميداني لافت، تعرض فرع الأمن الجنائي في اللاذقية لهجوم نفذته مجموعات مسلحة، حيث دوّت انفجارات ناجمة عن قذائف “آر بي جي” وقنابل يدوية، دون ورود معلومات مؤكدة عن وقوع خسائر بشرية.
وعلى الأرض، تمكنت القوات العسكرية من استعادة السيطرة على غالبية الحواجز في مدينة جبلة، وانتشرت في محيطها، فيما سلمت مجموعة تضم عشرات العناصر الأمنية نفسها إلى القاعدة الروسية في حميميم بعد أن تمت محاصرتهم لساعات عند جسر حميميم.
بالتزامن مع هذه التطورات، فرضت إدارة الأمن في طرطوس حظر تجوال يبدأ من الساعة العاشرة مساء اليوم الخميس حتى العاشرة من صباح يوم الجمعة، وذلك في ظل التصعيد الأمني الذي تشهده مناطق الساحل السوري.
وفي سياق متصل، شهدت عدة مدن سورية تظاهرات متباينة، حيث خرجت حشود في إدلب، بانياس، حمص، ودرعا دعماً للعملية الأمنية الجارية في الساحل السوري، في حين شهدت مدينتا طرطوس وحي الدعتور في اللاذقية احتجاجات مناهضة للحملة العسكرية، تلبية لدعوة المجلس العلوي للنزول إلى الشوارع ووقف العمليات الأمنية ضد أبناء جبلة وريفها.
وتشكل العمليات العسكرية والتوترات الأمنية في جبلة وريفها جزءًا من إعادة رسم المشهد الأمني والسياسي في الساحل السوري، وهو ما يعكس تحولات أعمق في ميزان القوى داخل البلاد بعد سقوط نظام الأسد وهيمنة هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة على السلطة.
وتشير المواجهات الدائرة إلى ضعف قبضة السلطة المركزية الجديدة على مناطق الساحل، التي كانت سابقًا معقلاً أساسياً للنظام السوري. دخول قوات الأمن العام المدعومة بتعزيزات عسكرية ضخمة يعكس تحديًا لفرض الأمن، خاصة مع ظهور مقاومة محلية من مجموعات مسلحة يبدو أنها تتمتع بدعم شعبي كبير نظراً لما يتعرض له العلويون من عمليات تصفية على الهوية.
وتشير الدعوات إلى الاحتجاج من قبل المجلس العلوي، الذي يمثل شريحة من المجتمع في هذه المنطقة، إلى مقاومة محلية لمحاولات فرض السيطرة الجديدة والسعي لإيقاف عمليات التصفية بحق العلويين.
هذه التطورات قد تفتح الباب أمام امتداد العنف إلى مناطق أخرى في الساحل السوري، خصوصاً أنه خرجت تظاهرات مؤيدة وأخرى معارضة للحملة العسكرية تشير إلى استمرار الانقسام الداخلي، وهو ما قد يعيد سيناريوهات الصراع الأهلي بصيغة جديدة.
وإذا تمكنت قوات الأمن من فرض سيطرتها الكاملة، فإن ذلك قد يؤدي إلى استقرار مؤقت، لكنه قد يأتي على حساب مزيد من القمع بحق العلويين، وفي حال استمرار المقاومة المسلحة فأن ذلك قد يؤدي إلى اندلاع مواجهات أوسع في مناطق الساحل، ما قد يجبر السلطة الجديدة على إعادة تقييم استراتيجيتها الأمنية.
وقد تستغل بعض القوى الإقليمية أو الدولية حالة عدم الاستقرار لدعم مجموعات معينة، سواء لمواجهة السلطة الجديدة أو لتحقيق مصالح خاصة بها.
المعارك الجارية في جبلة وريفها تعكس أعمق أزمات سوريا ما بعد الأسد، حيث لم تتبلور بعد سلطة قادرة على تلبية تطلعات جميع السوريين. هذا الصراع قد يكون مقدمة لصراعات أوسع في الساحل السوري، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات تضمن الاستقرار الأمني والسياسي بشكل شامل بما يلبي تطلعات جميع السوريين.