منذ وصولها إلى سـ ـدة الحـ ـكم في 8 كانون الأول 2024، تواجه هيـ ـئـ ـة تحـ ـريـ ـر الشـ ـام عـ ـزلـ ـة دولية متزايدة، حيث لم تُرفع العـ ـقـ ـوبـ ـات المفـ ـروضـ ـة عليها. ومن أجل كـ ـسـ ـر هذه العـ ـزلـ ـة، تحاول الهـ ـيـ ـئة استـ ـغـ ـلال ملف العنـ ـاصـ ـر الأجـ ـنـ ـبية المتواجدة في سوريا كوسيلة للتفاوض مع القـ ـوى العظمى، لا سيما روسيا والصين والولايات المتحدة.
هيئة تحرير الشام وبيع العناصر الشيشانية لروسيا
كشفت مصادر سورية مطلعة أن هيئة تحرير الشام تعمل على مقايضة روسيا بملف المقاتلين الشيشان، حيث تقوم بتسليم هؤلاء العناصر إلى الروس مقابل مكاسب سياسية ومالية.
ويتزامن ذلك مع الحديث عن الإبقاء على القواعد العسكرية الروسية في سوريا وخصوصاً حميميم، كما قامت موسكو مؤخراً بإرسال مبالغ مالية ضخمة كانت قد طُبعت في عهد النظام السابق إلى السلطات الجديدة في دمشق.
الهيئة والصين: مقايضة الإيغور مقابل الدعم التقني
وفي سياق آخر، تعمل هيئة تحرير الشام على استغلال ملف المقاتلين الإيغور التابعين للحزب الإسلامي التركستاني في سوريا. ففي 21 شباط 2025، عُقد اجتماع سري بين الاستخبارات العسكرية الصينية وجهاز استخبارات سلطة دمشق، بحضور قادة أتراك تابعوا الاجتماع من غرفة أخرى.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فقد حضر الاجتماع المدعو “أبو طه”، الذي يشغل منصباً قيادياً في هيئة تحرير الشام وهو المسؤول عن ملف الحزب الإسلامي التركستاني والإيغور والصينيين المتواجدين في سوريا.
وخلال الاجتماع، طلب مسؤول الاستخبارات العسكرية الصينية من “أبو طه” تسليم قادة الحزب الإسلامي التركستاني إلى الصين مقابل فتح طرق تجارية رئيسية بين سوريا والصين.
وتضمن العرض الصيني أيضاً إرسال خبراء عسكريين لمساعدة هيئة تحرير الشام في تطوير الطائرات المُسيّرة الانتحارية (كاميكازي) وتعزيز أنظمة التحكم الخاصة بها، بالإضافة إلى تطوير منظومة صواريخ متوسطة المدى.
ومن أجل ابتزاز هيئة تحرير الشام ودفعها لقبول العرض، أبلغ القادة الصينيون استخبارات سلطة دمشق التابعة لهيئة تحرير الشام بأن هناك تنسيقاً عالي المستوى بين القادة الأمريكيين في منطقة شرق الفرات وقاعدة التنف، إلى جانب القادة البريطانيين، مع زعماء الحزب الإسلامي التركستاني. ووفقاً للمصادر، فإن هناك غرفة عمليات خاصة في قاعدة التنف تعمل بشكل مكثف على إدارة العلاقة مع الحزب الإسلامي التركستاني.
وأكدت المصادر أن “أبو طه” تعهد بنقل هذه المطالب إلى قيادة هيئة تحرير الشام، خلال فترة أقصاها ثلاثة أيام.
ووفقاً للمصادر، فقد شهدت قرى الزنبقة وريف جسر الشغور وبلدة كفريا بعد هذا الاجتماع تحركات ملحوظة للاستخبارات العسكرية الصينية في إطار تنفيذ هذه الاتفاقات.
بيع حراس الدين للولايات المتحدة
إلى جانب مقايضة العناصر الإيغورية والشيشانية، تسعى هيئة تحرير الشام إلى فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة عبر تقديم عناصر تنظيم “حراس الدين” كأوراق مساومة.
ووفقاً للمصادر، فقد قتل القيادي في حراس الدين، أبو أحمد الشامي، والذي كان يحمل بطاقة هوية باسم “فادي أحمد فروح”، في هجوم شنته طائرة مسيّرة تابعة للتحالف الدولي في 25 شباط 2025. وجاء الاستهداف أثناء تنقله على دراجة نارية بالقرب من قرية النصر الخيرية في ريف جرابلس شرقي حلب.
وتشير التقارير إلى أن القيادي المستهدف كان يقيم في مناطق الفصائل الموالية لتركيا في ريف حلب، حيث تصدر المجالس المحلية هناك بطاقات الهوية الرسمية وتكون الاستخبارات التركية على علم بتحركات هذه العناصر الأجنبية.
عمليات التحالف الدولي ضد الشخصيات الجهادية
وهذا الهجوم لم يكن الأول في شمال غرب سوريا، ففي 21 شباط، استهدفت طائرة مسيرة تابعة للتحالف الدولي سيارة بالقرب من مطعم “طيبة” على مقربة من أوتوستراد سرمدا – تل الكرامة بريف إدلب، ما أدى إلى تدمير السيارة ومقتل الشخص الذي كان بداخلها.
وفي 15 شباط، نفذت طائرة مسيرة تابعة للتحالف هجوماً آخر استهدف سيارة قرب بلدة أورم الجوز بريف إدلب، مما أسفر عن مقتل شخصين مجهولي الهوية.
دور تركيا في استغلال هذه المجموعات
منذ بداية الحرب السورية، لعبت تركيا دوراً رئيسياً في رعاية ودعم الفصائل الجهادية، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، الحزب الإسلامي التركستاني، والمقاتلين الإيغور والشيشان وتنظيم حراس الدين. واستخدمت تركيا هذه الجماعات لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، سواء من خلال استخدامهم في شن الهجمات على عفرين وتل أبيض ورأس العين وحالياً سد تشرين وجسر قرقوزاق أو عبر استخدامها كأوراق ضغط في المفاوضات الدولية.
ومع تغير الأوضاع السياسية في سوريا، تحاول تركيا الآن إعادة ترتيب أوراقها، وهو ما يبدو واضحاً من خلال دورها في اجتماعات مثل ذلك الذي عُقد في 21 شباط، حيث راقبت الاجتماع عن قرب من غرفة مجاورة لتكون التحركات متوافقة مع مصالحها في سوريا.
وتؤكد هذه التطورات أن هيئة تحرير الشام تسعى إلى تأمين بقائها في المشهد السياسي السوري عبر تقديم تنازلات للقوى الكبرى، سواء من خلال مقايضة العناصر الأجنبية أو محاولة فتح قنوات تواصل جديدة. وبينما تستمر عمليات الاغتيال والاستهداف ضد العناصر الجهادية، تبقى الأوضاع الأمنية والسياسية في الشمال السوري مرهونة بحسابات القوى الإقليمية والدولية التي تتحكم في مصير هذه الفصائل.