الأخبار سوريا

مؤتمر الحوار الوطني في سوريا: منـ ـصة إقـ ـصـ ـائية بواجـ ـهة شكـ ـلية

أحمد خليل

في ظل مشهد سياسي مـ ـرتـ ـبك وسياقات غيـ ـر واضحة لمستقبل البلاد، تنطلق غداً الثلاثاء في العاصمة دمشق أعمال “مؤتمر الحوار الوطني السوري”، وسط انتـ ـقـ ـادات لا..ذ..عة حول غيـ ـاب الشفافية، والإعداد المتعجّل، والإقـ ـصـ ـاء المتعمّد لشرائح واسعة من القـ ـوى السياسية والمجتمعية السورية.

المؤتمر، الذي وصفته “الحكومة الانتقالية” بأنه علامة فارقة في “الانتقال إلى نظام سياسي جديد”، لا يبدو أنه يتمتع بالحد الأدنى من التوافق الوطني أو الضمانات اللازمة لإنجاحه، خاصة في ظل غياب العديد من الأطراف والأحزاب السياسية المؤثرة، إضافة إلى عدم وجود تمثيل حقيقي للمكونات السورية المختلفة، مما يثير تساؤلات جوهرية حول أهداف المؤتمر وجدوى انعقاده.

إعلان متأخر وتحضيرات مرتجلة.. هل هي محاولة لتمرير أجندة محددة؟

أثار الإعلان عن موعد المؤتمر قبل يومين فقط استياء العديد من الفاعلين السياسيين، حيث لم يُمنح أي طرف سواء داخل سوريا أو خارجها، الوقت الكافي لدراسة جدول الأعمال أو التحضير لمشاركته بشكل فعّال.

وقد اعتبرت قوى سياسية أن هذا التأخير لم يكن مجرد خلل تنظيمي، بل خطوة محسوبة لضمان عدم مشاركة معارضين حقيقيين قادرين على مواجهة أجندة اللجنة المنظمة، مما جعل المؤتمر أقرب إلى “مسرحية سياسية” منه إلى حوار وطني جاد وشامل.

لجنة تحضيرية مسيّسة وهيمنة لـ”هيئة تحرير الشام”

اللجنة التحضيرية التي تولت الإعداد للمؤتمر مكوّنة من سبعة أعضاء، خمسة منهم إما أعضاء في “هيئة تحرير الشام” أو شخصيات مقربة منها، في مشهد يُعيد إلى الأذهان هيمنة حزب البعث في ظل النظام السابق على المشهد السياسي.

ومن بين الأسماء المثيرة للجدل في اللجنة:

حسن الدغيم: المعروف بعلاقته الوثيقة مع تركيا، والذي لعب دورًا رئيسيًا في تمرير سياسات أنقرة داخل سوريا، ويُوصف بأنه الرجل الأول لها في المشهد الجديد.

محمد سالم: الناطق الإعلامي باسم “هيئة تحرير الشام”، والمعروف بمواقفه العدائية تجاه القوى السياسية الكوردية والمكونات الأخرى.

أبو يحيى الشامي: أحد أبرز منظّري “تحرير الشام”، والذي كان له دور مباشر في رسم سياسة التنظيم خلال الأعوام الماضية.

تمثيل شكلي.. وإقصاء للكورد والعلويين والدروز

إن غياب أي تمثيل للكورد أو العلويين أو الدروز داخل اللجنة التحضيرية يؤكد أن المؤتمر لم يكن معنيًا بتحقيق شراكة وطنية حقيقية، بل بفرض رؤية جهة واحدة على مستقبل البلاد.

ولم توجه اللجنة التحضيرية دعوات إلى “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” أو أي ممثل عن “قوات سوريا الديمقراطية”، كما لم يتم إشراك أي شخصيات سياسية كوردية أو ممثلين عن الطائفة العلوية أو الدروز.

وفي المقابل، تم استدعاء شخصيات محسوبة على اللجنة المنظمة، أو شخصيات بلا قاعدة تمثيلية حقيقية، لضمان عدم وجود أي أصوات معارضة داخل قاعة المؤتمر.

هذا النمط من الإقصاء يتماهى تمامًا مع السياسات التي كان يتبعها نظام الأسد، حيث كانت المؤتمرات تُعقد بحضور شخصيات موالية للنظام فقط، بينما يُستبعد أي طرف سياسي معارض قادر على إحداث تغيير حقيقي في مخرجات النقاش.

جلسات استماع صورية.. ومسار متسرّع

وبحسب اللجنة المنظمة، فقد تم عقد “لقاءات تحضيرية” في جميع المحافظات السورية الـ 14 خلال أسبوع واحد فقط، حيث تم أحيانًا عقد عدة جلسات في اليوم الواحد، مدة كل منها ساعتان فقط.

هذا الأسلوب المتسرّع يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى جديّة هذه الجلسات، ومدى إمكانية أن تعكس هذه السرعة رؤية سياسية متكاملة لمستقبل البلاد.

فكيف يمكن لمؤتمر يُفترض أن يؤسس لنظام سياسي جديد أن يعتمد على “مشاورات” لم تستمر سوى بضعة أيام؟

وكيف يمكن بناء ميثاق وطني شامل دون إشراك جميع القوى السياسية الفاعلة؟

انتقادات من السويداء.. ورفض للنهج الإقصائي

في محافظة السويداء، حيث وُجهت الدعوة إلى 24 شخصًا فقط، عبّر الزعيم الروحي للطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري عن استيائه من آلية تنظيم المؤتمر، مشيرًا إلى أن الطائفة تحترم جميع الآراء، لكنها لا ترى أن هذا المؤتمر قادر على قيادة البلاد إلى مستقبل مستقر وديمقراطي.

كما أكد الشيخ الهجري على أن بناء دولة مدنية ديمقراطية يتطلب “مشاركة دولية وضمانات حقيقية”، مشددًا على أن أي عملية سياسية لا تتضمن إشرافًا دوليًا ستكون مجرد إعادة إنتاج لنظام استبدادي جديد، وإن كان بوجوه مختلفة.

غياب الضمانات الدولية.. ورسائل مرفوضة من الأمم المتحدة

وكشفت مصادر دبلوماسية أن الأمم المتحدة عرضت تقديم دعم فني للمؤتمر، لكن هيئة تحرير الشام رفضت المقترحات الأممية، مما يعكس مدى عدم رغبة الجهة المسيطرة على المشهد في أي رقابة دولية على المؤتمر أو مخرجاته.

هذا الرفض يزيد من المخاوف حول طبيعة الوثائق التي سيتم إقرارها في المؤتمر، خاصة إذا كانت ستتم صياغتها وفق أجندة طرف واحد، دون مشاركة فعلية من بقية القوى السياسية.

مؤتمر بلا شرعية.. ومخرجات بلا قيمة

وفي ظل هذه المعطيات، يبدو واضحًا أن مؤتمر الحوار الوطني لا يهدف إلى إيجاد حلول حقيقية للأزمة السورية، بل إلى تثبيت واقع سياسي جديد يخدم مصالح “هيئة تحرير الشام” وحلفائها.

وفي ظل هذا المشهد، هناك الكثير من الأسئلة التي تفرض نفسها:

هل يمكن لمؤتمر لا يضم جميع الأطياف السورية أن يكون جامعًا؟

كيف يمكن الحديث عن انتقال سياسي بينما تتم إعادة إنتاج السياسات الإقصائية التي أسس لها نظام الأسد؟

هل يمكن لمثل هذا المؤتمر أن يحظى بشرعية شعبية أو دولية؟

في النهاية، يبقى السوريون أمام مشهد يتكرر، حيث تتحكم أطراف محددة بمسار البلاد، فيما يتم استبعاد القوى الحقيقية التي تمثل طموحات السوريين. وما لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية لإجراء حوار شامل ومتكافئ، فإن هذا المؤتمر لن يكون سوى محطة شكلية أخرى في طريق الأزمة السورية المستمرة.

مشاركة المقال عبر