الأخبار سوريا شمال وشرق سوريا

الإدارة الذاتية تُمسك بمفاتيح الحل.. والاقتصاد هو بوابة التفاهم مع دمشق

الاقتصاد هو مفتاح الحل، وشمال وشرق سوريا تملك هذا المفتاح. دمشق، التي تـ ـرزح تحت أزمـ ـة خـ ـانـ ـقة، تدرك جيداً أن تجاوز الإدارة الذاتية لم يعد خياراً، وأن الحلول يجب أن تكون قائمة على التفاهم والشراكة، لا على الـ ـوهـ ـم بإعادة السيـ ـطـ ـرة المطلقة.

بينما تبحث دمشق عن حلول لأزماتها الخانقة، تجد أن المنقذ هي الإدارة الذاتية التي تستطيع مساعدتها في كل ما يتعلق بالطاقة والغذاء والمياه لأنها القوة الاقتصادية الحقيقية في سوريا.

وفي السياق، أكد المتحدث باسم وزارة النفط السورية، أحمد سليمان، لوكالة رويترز أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بدأت توريد النفط من الحقول المحلية إلى الحكومة في دمشق. وتعد هذه أول شحنة معروفة تصل إلى السلطة الجديدة في دمشق منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.

ووفقاً لسليمان، فإن النفط المستخرج من حقول الحسكة ودير الزور يتم توريده إلى دمشق، لكنه لم يفصح عن كميات النفط المقدمة أو شروط الصفقة.

ويأتي هذا الاتفاق وسط مساعٍ من الحكومة السورية لاستيراد النفط عبر وسطاء محليين، حيث تواجه صعوبات في إبرام صفقات استيراد بسبب العقوبات الدولية والمخاطر المالية.

شمال وشرق سوريا: قوة اقتصادية لا يمكن تجاوزها

تمتلك شمال وشرق سوريا اليد العليا في الملفات الاقتصادية الحيوية، حيث تسيطر على الموارد الأساسية التي تحتاجها دمشق، بما في ذلك النفط والغاز والقمح والمياه. وتعد هذه المناطق المنتج الرئيسي للنفط في البلاد، مما يجعل دمشق تعتمد عليها بشكل شبه كامل لتلبية احتياجاتها الطاقوية.

إضافة إلى ذلك، تعتبر شمال وشرق سوريا السلة الغذائية الرئيسية لسوريا، حيث تنتج معظم كميات القمح الذي تعتمد عليه دمشق في تأمين رغيف الخبز. كما تتحكم الإدارة الذاتية بمصادر المياه الحيوية مثل نهر الفرات، الذي تعتمد عليه مناطق وسط سوريا في الري وتوليد الكهرباء.

وفي المقابل، تعاني دمشق من ضعف اقتصادي متزايد نتيجة العقوبات الدولية وانعدام الموارد المحلية، مما يجعلها غير قادرة على فرض شروطها على الإدارة الذاتية. هذا الواقع يفرض على الحكومة السورية التعامل مع شمال وشرق سوريا بندية، بدلاً من محاولة فرض سيطرتها المركزية كما كان النظام السابق يسعى لذلك وذهب من غير رجعة.

معادلة جديدة: الخام مقابل المشتقات النفطية

وبالعودة إلى الاتفاق بين سلطة دمشق والإدارة الذاتية، أكدت مصادر مطلعة أن الاتفاق بين الإدارة الذاتية وسلطة دمشق يقوم على تبادل النفط الخام بالمشتقات النفطية مثل المازوت والبنزين أي تقدم الإدارة الذاتية النفط الخام فيما تحصل على جزء من المشتقات، وذلك كحل مؤقت حتى يتم إصلاح أنابيب النقل التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال سنوات الحرب.

هذا الترتيب يعكس توازن القوى، حيث تفرض الإدارة الذاتية شروطها في هذه المفاوضات من منطلق قوة وليس ضعف، إذ إنها المصدر الرئيسي للنفط في سوريا.

دخول سعودي على خط الوساطة: اتفاق الغاز يمهد لتفاهمات أوسع

وفي تطور لافت، دخلت السعودية على خط الوساطة بين الإدارة الذاتية ودمشق، بدعم أمريكي، في محاولة لكسر الجمود بين الطرفين عبر التعاون الاقتصادي. ونجحت الوساطة في تجديد اتفاق توريد الغاز من شمال وشرق سوريا إلى محطات توليد الكهرباء في حمص ودمشق، مما أدى إلى زيادة ساعات التغذية الكهربائية بمعدل أربع ساعات يومياً، مع توقعات بارتفاعها إلى ثماني ساعات مع دخول شهر رمضان.

ورغم التوترات السابقة، قدمت الإدارة الذاتية الغاز مجاناً، معتبرةً ذلك خطوة وطنية وكبادرة حسن نية لدفع المفاوضات قدماً. ومع ذلك، فإن نجاح الاتفاقات الاقتصادية يعتمد على مدى قدرة سلطة دمشق على الصمود أمام الضغوط التركية والفصائل الموالية لها، والتي تسعى لإفشال أي تقارب بين دمشق وقسد.

النفط على طاولة المفاوضات.. ودمشق تحت الضغط

ومع نجاح التعاون في ملف الغاز، بدأت مناقشات لتوسيع الاتفاق ليشمل توريد النفط، حيث تطمح دمشق للحصول على كميات إضافية لتخفيف أزمتها الطاقوية. ومع ذلك، تشترط الإدارة الذاتية استمرار التفاوض السياسي وألا تصبح سلطة دمشق مجرد أداة لتنفيذ الإملاءات التركية التي تهدف لإجهاض أي شراكة حقيقية بين الطرفين.

الدور السعودي والدعم الأمريكي.. وحظر مالي على دمشق

وتأتي الوساطة السعودية كجزء من التوجهات الأمريكية الرامية لضبط العلاقات الاقتصادية داخل سوريا دون خرق العقوبات المفروضة على دمشق. وقد أوضحت الرياض للسلطة السورية أن أي دعم مالي للبنك المركزي السوري غير ممكن بسبب القيود الأمريكية الصارمة، مما يفرض على دمشق البحث عن حلول عملية تبدأ بالتفاهم مع قسد.

وأكدت واشنطن أن أي تعاون اقتصادي يجب أن يمر عبر بوابة الإدارة الذاتية، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على تقديم حلول حقيقية لأزمة الوقود والطاقة في سوريا.

زيارة سعودية لحقول النفط.. خطوة نحو تأهيل البنية التحتية

وضمن جهودها لدعم استقرار المنطقة اقتصاديًا، أرسلت السعودية وفداً تقنياً من شركة أرامكو إلى حقول رميلان وجنوب الحسكة لدراسة إمكانية تأهيل بعض الحقول النفطية، في إطار لا يتعارض مع العقوبات الأمريكية. ورغم أن هذه الخطوة لا تعني استثمارات مباشرة، إلا أنها تعكس توجهاً عربياً نحو دور أكبر في ملف الطاقة بشمال وشرق سوريا.

التنسيق الأمني بيد التحالف الدولي.. والمفاوضات مستمرة

بينما تركز الوساطة السعودية على الملف الاقتصادي، لا تزال الملفات العسكرية والأمنية تُدار تحت إشراف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا. ورغم التواصل المستمر بين الإدارة الذاتية ودمشق، فإن هناك خطوطاً حمراء تمنع أي اختراق أمني يؤثر على استقرار شمال وشرق سوريا.

ارتياح شعبي وآمال بتحسن الأوضاع

ولقيت هذه التطورات ارتياحاً لدى المواطنين السوريين، الذين يأملون أن تؤدي الاتفاقات إلى تحسين الخدمات الأساسية، خاصة في ظل التدهور المعيشي الحاد. وأشاد الكثيرون بدور الإدارة الذاتية في دعم المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق بالغاز مجاناً، رغم الخلافات السياسية.

المستقبل.. هل يكون الاقتصاد مفتاح الحل السياسي؟

وتفتح الوساطة السعودية نافذة جديدة في المشهد السوري، حيث يتحول الملف الاقتصادي إلى أداة لإعادة ترتيب العلاقات بين القوى الفاعلة. وإذا استمر التعاون في ملفي الغاز والنفط، فقد يكون مقدمة لمفاوضات أوسع تشمل قضايا أمنية وإدارية، مما يفرض على دمشق التعامل بواقعية أكبر مع الإدارة الذاتية.

وفي ظل دعم أمريكي واضح لهذا التوجه، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تؤدي هذه الوساطة إلى حل سياسي مستدام في سوريا، أم أن التدخلات التركية ستظل العقبة الأكبر أمام أي تفاهم حقيقي؟

مشاركة المقال عبر