الأخبار تركيا سوريا

الشمال السوري بين الليرة التركية والهوية السورية: استمرار التعامل بالعملة التركية

رغم سقـ ـوط نظـ ـام بشـ ـار الأسـ ـد في سوريا واستـ ـيـ ـلاء هيـ ـئـ ـة تحـ ـريـ ـر الشـ ـام على السلـ ـطة، لا تزال إدلب ومناطق الشمال السوري، تعتمد بشكل شبه كامل على الليرة التركية في تعاملاتها اليومية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه المنطقة وهويتها الاقتصادية والسياسية. فهل بات الشمال السوري منطقة تركية أكثر منها سورية؟

اقتصاد مدولر تحت الهيمنة التركية

مع انهيار قيمة الليرة السورية في السنوات الماضية، فرضت “حكومة الإنقاذ”، الذراع الإداري لهيئة تحرير الشام وكذلك الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري الموالي لتركيا، التعامل بالليرة التركية بدلاً من السورية منذ عام 2020، بحجة تفادي التضخم والانهيار الاقتصادي.

ورغم انتهاء حكم الأسد، واستمرار تدهور قيمة الليرة التركية أمام الدولار وتحسن الليرة السورية كثيراً أمام العملة الأمريكية، إلا أن هذه السياسة لا تزال قائمة، ما يعكس استمرار الهيمنة التركية على الاقتصاد في الشمال السوري، حيث يتم تحديد الرواتب والتبادلات التجارية وحتى تسعير المنتجات وفقًا للعملة التركية، وهو ما يعمّق ارتباط هذه المناطق بالاقتصاد التركي بدلاً من إعادة إدماجها في منظومة سورية مستقلة.

الوجود التركي: بين الهيمنة الناعمة والتدخل العسكري

لم يقتصر التأثير التركي على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تعداه إلى مختلف مناحي الحياة في الشمال السوري، حيث فرضت اللغة التركية في المؤسسات التعليمية، وتمت إعادة تسمية المرافق العامة بأسماء تركية حتى أنه تم تتريك أسماء بعض المدن مثل الراعي وتحويلها إلى جوبان باي، فضلاً عن استخدام العلم التركي في بعض المكاتب الإدارية.

كما تعمل أنقرة على تعزيز نفوذها العسكري من خلال فصائل الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، التي باتت القوة الحاكمة الفعلية في سوريا، رغم سجلها المتشدد وارتباطها السابق بتنظيم القاعدة.

وبالتوازي مع ذلك، تسعى تركيا إلى ترسيخ وجودها السياسي عبر مشاريع البنية التحتية، مثل الطرق والمشافي والاتصالات التي تديرها شركات تركية وتحاول إنشاء قواعد عسكرية في مناطق الداخل السوري بعيداً عن حدودها بمئات الكليومترات، مما يجعل من تلك المناطق السورية أقرب إلى كونها امتدادًا اقتصادياً وأمنياً لأنقرة، بدلاً من أن تكون جزءًا من سوريا المستقلة.

الرهانات التركية

تبدو تركيا اليوم أكثر ميلاً لاستخدام هيئة تحرير الشام بعد وصولها إلى سدة الحكم، كأداة لإحكام قبضتها على سوريا عموماً مثلما فعلت في إدلب، حيث تُصعِّد جهودها لتحويل الهيئة من جماعة متشددة إلى شريك سياسي مقبول دولياً. ومع تنامي العلاقات بين الطرفين، بات من الواضح أن أنقرة تستثمر في بقاء تحرير الشام في سدة الحكم بسوريا وتلميع صورتها دولياً، لضمان استمرار نفوذها العسكري والسياسي في سوريا.

مستقبل الشمال السوري: إلى أين؟

مع استمرار التعامل بالليرة التركية، وتعميق النفوذ التركي ليس فقط في إدلب بل في عموم الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركيا وفصائل الجيش الوطني الموالية لها، على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، يبدو أن الشمال السوري يبتعد شيئًا فشيئًا عن هويته السورية التقليدية. لكن السؤال يبقى: هل ستظل هذه المنطقة ضمن الفلك التركي بشكل دائم، أم أن السوريين سيكون لهم رأي آخر في قادم الأيام؟

الوضع الراهن يشير إلى أن تركيا لا تنوي التخلي عن الشمال السوري، بل تسعى لجعلها منطقة نفوذ دائمة، سواء عبر هيئة تحرير الشام والجيش الوطني أو من خلال مشاريع اقتصادية تكرّس التبعية لأنقرة، مما يترك مستقبل المنطقة معلقاً بين الاستمرار تحت الهيمنة التركية أو السعي للعودة إلى الهوية السورية.

مشاركة المقال عبر