في خطوة غير مسبوقة، دخلت السعودية على خط الوساطة بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ودمشق، بهدف كسر الجمود بين الطرفين عبر بوابة التعاون الاقتصادي، وذلك بضوء أخضر أمريكي، ضمن مساعٍ لتهيئة مناخ أكثر استقرارًا في سوريا.
اتفاق الغاز: بادرة حسن نية لإنجاح التفاوض
وبحسب مصادر مطلعة، نجحت الوساطة السعودية في تجديد عقد توريد الغاز من مناطق شمال وشرق سوريا إلى محطات توليد الكهرباء في حمص ودمشق، وهو الاتفاق الذي ساهم بشكل ملموس في زيادة ساعات التغذية الكهربائية بمعدل 4 ساعات يوميًا.
ومع اقتراب شهر رمضان، من المتوقع أن تصل ساعات التغذية إلى 8 ساعات يوميًا، ما لم تواجه العملية عراقيل سياسية.
ورغم التوترات السابقة، قدمت الإدارة الذاتية الغاز مجانًا باعتباره ثروة وطنية لكل السوريين، وكبادرة حسن نية لدفع المفاوضات قدمًا مع دمشق. لكن نجاح هذه التفاهمات يبقى مرهونًا بقدرة سلطة دمشق على مقاومة الضغوط التركية والفصائل الموالية لها، التي تسعى لعرقلة أي تقارب بين دمشق وقسد.
النفط على طاولة المفاوضات..
وفي ظل تحسن التعاون في ملف الغاز، بدأت مفاوضات لتوسيع الاتفاق ليشمل توريد النفط، حيث تتطلع دمشق للحصول على كميات إضافية لتخفيف أزمتها الطاقوية. ولكن شريطة استمرار التفاوض السياسي، وألا تكون سلطة دمشق مجرد منفذ للإملاءات التركية التي تهدف لإجهاض أي شراكة حقيقية بين الطرفين.
دور سعودي بغطاء أمريكي.. وحظر مالي على دمشق
ترتبط هذه الوساطة السعودية بشكل مباشر بالتوجهات الأمريكية، التي تسعى لضبط العلاقات الاقتصادية داخل سوريا دون خرق العقوبات المفروضة على سلطة دمشق. ولهذا، أبلغت الرياض دمشق بشكل واضح أنه لا السعودية ولا أي دولة خليجية قادرة على تقديم ودائع مالية للبنك المركزي السوري بسبب القيود الأمريكية الصارمة، وعليها البحث عن حلول عملية، تبدأ من التفاهم مع قسد.
كما أوضحت واشنطن أن أي تعاون اقتصادي مع دمشق يجب أن يمر عبر بوابة الإدارة الذاتية، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على تقديم حلول حقيقية لأزمة الوقود والطاقة في سوريا.
زيارة سعودية لحقول النفط.. خطوة نحو تأهيل البنية التحتية
وضمن جهودها لدعم استقرار المنطقة اقتصاديًا، أرسلت السعودية وفدًا تقنيًا من شركة أرامكو إلى حقول رميلان وجنوب الحسكة لدراسة إمكانية تأهيل بعض الحقول النفطية، وذلك ضمن إطار لا يتعارض مع العقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق.
هذه الخطوة، رغم أنها لا تعني ضخ استثمارات مباشرة، إلا أنها تشير إلى وجود تفكير استراتيجي عربي تجاه ملف الطاقة في شمال وشرق سوريا، وهو ما يتماشى مع رؤية الإدارة الذاتية لدور عربي أكبر في حل الأزمة السورية.
ملف الأمن بيد التحالف الدولي.. والتواصل مستمر
ورغم تركيز الوساطة السعودية على الجانب الاقتصادي، إلا أن الملفات العسكرية والأمنية لا تزال تُدار تحت إشراف مباشر من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا، حيث يجري تواصل مستمر بين الإدارة الذاتية ودمشق في هذا الإطار، ولكن ضمن قواعد محددة لا تسمح بأي اختراقات أمنية.
أصداء إيجابية لدى السوريين.. وآمال بتحسن الأوضاع
في الشارع السوري، لاقت هذه التطورات ارتياحًا واسعًا، حيث يأمل المواطنون أن تؤدي هذه الاتفاقات إلى تحسين الخدمات الأساسية، خاصة بعد تراجع الوضع المعيشي إلى مستويات غير مسبوقة.
وأعرب العديد من السوريين عن تقديرهم لخطوات الإدارة الذاتية التي أثبتت أنها جزء من الحل لا المشكلة، عبر تقديم الغاز مجانًا لمناطق سلطة دمشق، رغم الخلافات السياسية.
المستقبل.. هل يصبح الاقتصاد بوابة للحل السياسي؟
ويبدو أن الوساطة السعودية تفتح نافذة جديدة في المشهد السوري، حيث يتحول الملف الاقتصادي إلى نقطة ارتكاز لإعادة ترتيب العلاقات بين القوى الفاعلة على الأرض. وإذا استمر التعاون في ملفي الغاز والنفط، فقد يصبح مقدمة لمفاوضات أوسع تشمل قضايا إدارية وأمنية، مما يفرض على دمشق التعامل بواقعية أكبر مع الإدارة الذاتية، بعيدًا عن حسابات الماضي ومخططات تركيا.
وفي ظل دعم أمريكي واضح لهذا التوجه، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لهذه الوساطة أن تخلق أرضية حقيقية لحل سياسي مستدام في سوريا، أم أن تركيا ستظل حجر عثرة أمام أي تقارب جدي؟