تواصل تركيا تنـ ـفيذ مخـ ـططـ ـاتها القـ ـذرة التي تستهـ ـدف الأراضي السورية، مع تركيز خاص على إضـ ـعاف الإدارة الذاتية، واستهـ ـداف الكورد، وقوات سوريا الديمقراطية، والعمل على إبعـ ـاد سوريا عن محيطها العربي وتحـ ـويلـ ـها إلى ولايـ ـة تركية بحكم الأمـ ـر الواقـ ـع. هذه السياسات تأتي في إطار مشـ ـروع أوسع تسعى تركيا لتنـ ـفيـ ـذه، يقوم على فـ ـرض نفـ ـوذهـ ـا الكامل على سوريا، وإعـ ـادة تشكيل الخريطة السياسية بما يتناسب مع مصـ ـالـ ـحها التـ ـوسـ ـعية.
مخطط جديد لتحريض الرأي العام السوري
مع مطلع شباط/فبراير 2025، بدأت تركيا بتنفيذ مخطط جديد يهدف إلى تحريض الرأي العام السوري، وخصوصاً العرب، ضد مناطق الإدارة الذاتية. تقوم هذه الخطة على استغلال المشاعر القومية والدينية لتأليب السكان ضد القوى التي تعمل على بناء نموذج ديمقراطي في شمال وشرق سوريا.
وبموجب هذا المخطط، أمرت الاستخبارات التركية بإدخال رتل عسكري تابع لـ “إدارة الأمن العام” التابعة للحكومة الانتقالية في دمشق، إلى منطقة عفرين في 6 شباط/فبراير، بحجة تسلم مقرات فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية لأنقرة. وتم الترويج لهذا الحدث إعلامياً من خلال نشر صور ومقاطع فيديو توحي بأن تغييرات كبيرة تجري في المنطقة.
خديعة تركية..
ولكن ما جرى لم يكن سوى خديعة مخططة بإحكام. فقد تعرض العديد من الكرد الذين خرجوا لاستقبال “إدارة الأمن العام” للاختطاف على يد فصائل الجيش الوطني، وخاصة من قبل عناصر فصيل “العمشات”، الذين يبدو أنهم لم يكونوا على علم مسبق بالمخطط، حيث لم يتم إطلاعهم من قبل قادتهم.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر من الحكومة الانتقالية في دمشق أن الاستخبارات التركية عقدت اجتماعاً في مدينة هاتاي التركية مع قادة هيئة تحرير الشام، وذلك لرسم خطة جديدة تستهدف شمال وشرق سوريا بالكامل.
الإيحاء بتسليم عفرين لإدارة الأمن العام
وفقاً لهذه الخطة، سيتم الإيحاء بأن “الجيش الوطني السوري” قد انسحب من عفرين وقراها، وأن هيئة تحرير الشام وإدارة الأمن العام أصبحت القوة المسيطرة هناك.
وهذا السيناريو يخدم هدفين رئيسيين: الأول هو الترويج لفكرة أن الحكومة الانتقالية في دمشق قد فرضت سيطرتها على كامل الأراضي السورية، ولم يتبقَّ سوى منطقة شرق الفرات تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
والثاني، هو خلق رأي عام عربي ودولي معادٍ للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، من خلال تسويقها كقوة “احتلال”، في محاولة لتبرير التدخلات العسكرية التركية المحتملة.
وأكدت المصادر أن الحديث عن إعادة انتشار قوات الحكومة الانتقالية في عفرين وقراها غير دقيق، وأن الحقيقة هي أن الأمر اقتصر فقط على إدخال عناصر من “إدارة الأمن العام” وهيئة تحرير الشام، دون أي تغيير ميداني جوهري حيث حافظت فصائل الجيش الوطني الموالية لتركيا على مواقعها ومقراتها وما تزال تمارس الاختطاف والاعتقال والسرقة بحق أهالي المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وفي الاجتماع الذي عُقد في هاتاي، تم أيضاً الاتفاق على نقل عناصر من “إدارة الأمن العام” وهيئة تحرير الشام إلى تل أبيض ورأس العين وكامل الشريط الحدودي السوري-التركي الخاضع لسيطرة تركيا.
ويهدف هذا الانتشار وفق المخطط الموضوع إلى إظهار قوات سوريا الديمقراطية كقوة احتلال، في حين أن الفصائل المدعومة من تركيا، والتي لا تزال تمارس الخطف والنهب والاعتقال، تُقدم كمدافعة عن السيادة السورية.
المخطط لن ينطلي على السوريين
ولكن هذا المخطط لن ينطلي على السوريين، لأن “الجيش الوطني السوري” لم يتم حله، وما يزال قادته يحتفظون بسيطرتهم على مناطقهم، مع تغييرات شكلية فقط. كل قائد فصيل بقي على رأس مجموعته المسلحة، وتم تعيين بعضهم كقادة ألوية أو فرق دون أي إعادة تنظيم فعلية.
كما أن هيئة تحرير الشام لا تمتلك العدد الكافي من العناصر لضبط الأمن في المناطق التي دخلتها حديثاً، وهذا ما يفسر تصاعد عمليات التصفية والانتقام، خصوصاً في المناطق ذات الغالبية العلوية، حيث يتم تبرير عمليات القتل بأنها “أعمال فردية” وذلك نظراً لاعتمادها على فصائل غير منضبطة تمارس القتل والاختطاف والتعذيب والتصفية وتُحسب أفعالها على هيئة تحرير الشام.
تركيا تسعى لتحويل سوريا إلى ولاية عثمانية جديدة
والهدف النهائي لهذه المخططات هو فرض الهيمنة التركية على سوريا بشكل كامل، وإبعادها عن محيطها العربي. حيث تركيا تعمل بشكل ممنهج على تغيير التركيبة السكانية في الشمال السوري عبر تهجير السكان الأصليين وإحلال مجموعات موالية لها.
وتستغل تركيا هيئة تحرير الشام كأداة لتحقيق أجنداتها، بعد أن وصلت إلى السلطة مستغلة ضعف هذه السلطة وافتقارها للخبرة الإدارية والموارد الاقتصادية.
كما تستخدم تركيا فصائل الجيش الوطني لخلق كيان تابع لها في الشمال السوري، يتحول مع الوقت إلى منطقة نفوذ تركية خاضعة لإدارتها ولا تستطيع هيئة تحرير الشام مواجهة هذه الفصائل نظراً للدعم التركي لها.
إن هذه المخططات القذرة لن تمر بسهولة، فالشعب السوري، بكافة مكوناته، بات يدرك جيداً الأهداف الحقيقية لأنقرة، ويدرك أن القضية ليست مجرد صراعات بين فصائل، بل هي محاولة تركية مدروسة لسلخ سوريا عن محيطها وتحويلها إلى ولاية عثمانية جديدة.