الأخبار سوريا

العنـ ـصرية ضـ ـد الكورد في سوريا: من البـ ـعـ ـث إلى هيـ ـئـ ـة تـ ـحـ ـريـ ـر الشـ ـام

يواجه الكورد في سوريا منذ عقود مضت تحـ ـديات كبيرة تتعلق بالتـ ـميـ ـيز العـ ـنصـ ـري ضـ ـدهم، حيث امتد هذا التمـ ـييز عبر الحكومات المتعاقبة بدءاً من حـ ـز*ب البـ ـعـ ـث وصولاً إلى هيـ ـئـ ـة تحـ ـريـ ـر الشـ ـام الحـ ـاكـ ـمة الآن في دمشق، وإحدى أبرز الحـ ـالات التي تعكس استمرار العنـ ـصـ ـرية تجاه الكورد، هي حـ ـادثـ ـة تعـ ـرض لها طالب كوردي من منطقة عفرين يدرس في جامعة الأندلس في مدينة طرطوس.

الحادثة وتفاصيلها

ونشر الطالب الكوردي، الذي ينتمي إلى منطقة عفرين ذات الأغلبية الكوردية والذين جرى تهجيرهم قسراً على يد فصائل الجيش الوطني الموالية لتركيا عام 2018 بعد شن الهجمات عليها، منشوراً على حسابه في واتس آب يتناول فيه موضوعاً متعلقاً بقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وسرعان ما أثار هذا المنشور موجة من ردود الفعل العنصرية من بعض الطلبة في الجامعة، حيث تعرض الطالب لمضايقات من قبل مجموعة من العنصريين، الأمر الذي تطور إلى شجار في الحرم الجامعي.

تدخل هيئة تحرير الشام

ومع تطور الوضع، تدخلت هيئة تحرير الشام إلا أن هذا التدخل جاء مشابهاً تماماً لتدخلات حزب البعث والنظام البائد عندما كان الأمر يتعلق بالكورد، فبدلاً من إنصاف الطالب الكوردي أو اتخاذ موقف محايد لتهدئة الوضع، اختارت الهيئة موقفاً ينم عن استجابة مشابهة لتلك التي تبناها النظام البعثي في سوريا.

حيث تم توجيه اللوم إلى الطالب الكوردي، وطُلب منه الاعتذار عن منشوره، فيما تم التغاضي عن المضايقات العنصرية التي تعرض لها الطالب الكوردي، بل تم اتخاذ موقف يبرر الأفعال العنصرية التي تعرض لها.

العنصرية تجاه الكورد في التاريخ السوري

لقد عانى الكورد في سوريا لعقود من التهميش والاضطهاد تحت حكم حزب البعث والنظام السوري البائد. بدايةً من سياسات التعريب التي استهدفت الكورد في المناطق التي يقطنون فيها وعمليات الاستيطان الواسعة والحزام العربي، وصولاً إلى حرمانهم من حقوقهم الأساسية، مثل الجنسية في العديد من الحالات، وحظر استخدام لغتهم الأم في المدارس والمؤسسات الحكومية. كما كانت هناك حملات عنصرية خلال فترات متقطعة، تمثلت في تهجير قسري وممارسات سلطوية أخرى.

ومع اندلاع الثورة في 2011، شهدت سوريا تصاعداً في الأحداث المتعلقة بالقضية الكوردية، حيث تعرض الكورد إلى المزيد من القمع من النظام السوري، وفي الوقت نفسه، تعرضوا لهجمات الفصائل المسلحة التي تحالفت مع تركيا ضدهم.

هيئة تحرير الشام والمواقف المتضاربة

وفي سياق الأحداث الحالية، كانت هيئة تحرير الشام (التي تضم بشكل رئيسي جبهة النصرة سابقاً) قد أظهرت في تصريحاتها الرسمية مراراً موقفاً معارضاً للكورد وحقوقهم. تصريحات أحمد الشرع القيادي في الهيئة، التي تحدث فيها عن حقوق الكورد، بدت وكأنها رسائل إعلامية تهدف للتسويق السياسي والإعلامي أكثر من كونها تعبيراً عن موقف حقيقي تجاه القضية الكوردية. ففي حين تسعى الهيئة لتحقيق أهدافها الخاصة في سوريا، لا يبدو أن هناك أي تغيير حقيقي في تعاملها مع الكورد، خاصة في ظل مواقفها التي تشجع على ممارسات تمييزية.

هل ستنتهي العنصرية في سوريا؟

من خلال هذه الحادثة وغيرها من التجارب اليومية للكورد في سوريا، يبدو أن العنصرية ضدهم لم تنتهِ بعد، رغم التغييرات التي شهدتها البلاد. ورغم الزعم بأن بعض الأطراف في سوريا الجديدة تسعى لبناء دولة خالية من العنصرية، فإن الواقع يظهر أن التمييز لا يزال جزءاً من الحياة اليومية للكورد في العديد من المناطق التي تشهد سيطرة الفصائل المسلحة أو التكتلات السياسية التي لا تملك رؤى شاملة تحترم التنوع الثقافي والديني.

 

تستمر العنصرية تجاه الكورد في سوريا كجزء من موروث طويل من التهميش والتمييز. من حزب البعث إلى الفصائل المسلحة الحالية مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني، لتبقى القضية الكوردية في سوريا مرهونة بتغيرات سياسية قد لا تأتي في القريب العاجل. مع ذلك، لا يزال الأمل قائماً في أن يتغير هذا الواقع في المستقبل، خصوصاً إذا تمكنت الأطراف السورية المعتدلة والديمقراطية من بناء رؤية شاملة تحتضن جميع المكونات وتحترم حقوقهم الإنسانية والثقافية دون تمييز.

مشاركة المقال عبر